إيران تبتعد تدريجياً عن الصفقة النووية

نشر في 14-05-2019
آخر تحديث 14-05-2019 | 00:00
يشكّل اليوم أي نشاط إيراني مرتبط بالمسائل النووية هدفاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مثل إسرائيل، حتى لو كان نشاط إيران هذا مدروساً ولا يتخطى حدود الصفقة النووية.
 ستراتفور . تزامناً مع ذكرى انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة في الثامن من مايو، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران ستعلّق اثنين من التزاماتها بموجب الصفقة:

أولاً، لن تلتزم بحد مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب بثلاثمئة كيلوغرام أو حد مخزونها من الماء الثقيل بمئة وثلاثين طناً مترياً.

وثانياً، أعلن روحاني أن إيران ستمنح الأطراف المتبقية في خطة العمل المشتركة الشاملة (ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين) ستين يوماً لتفي بالتزاماتها بشأن التعاون في القطاعين النفطي والمصرفي التي تعتبرها إيران جزءاً لا يتجزأ من تطبيق الصفقة، وإذا أخفقت، فستعزز إيران جهودها لتطوير برنامجها النووي.

لمَ تعزز أميركا حملتها المناهضة لإيران؟

عززت الولايات المتحدة حملتها من العقوبات القوية ضد إيران، بهدف تعزيز معاناة إيران الاقتصادية إلى حد إشعال انتفاضة محلية قد تضعف سيادة الحكومة الإيرانية وترغم طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات.

لكن إيران التزمت ضبط النفس في رد فعلها، وعنى الإعفاءان اللذان ألغتهما الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامجها النووي المدني أن على إيران أن توقف في النهاية إنتاجها الماء الثقيل وتخصيبها اليورانيوم بالكامل أو تنتهك خطة العمل المشتركة الشاملة بحد ذاتها، ومع أن إيران تواصل إنتاج الماء الثقيل واليورانيوم المنخفض التخصيب، إلا أنها تحتاج إلى منفذ لتنقلهما إلى خارج حدودها كي تواصل التزامها بمستوى المخزون المحدد وفق خطة العمل المشتركة الشاملة. لذلك، بإعلانها أنها ستعلّق هذين الالتزامين، تحاول إيران مباشرةً ربط هذه المسألة بالإعفاءات التي قررت الولايات المتحدة أن تلغيها.

اعتبرت القيادة الإيرانية أن عليها خلال السنوات القليلة المقبلة الرد على استفزازات الولايات المتحدة بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة، ولا يقتصر هدفها من ذلك على ضمان مصداقيتها في المفاوضات، بل يشمل أيضاً كسب المزيد من النفوذ في حال اضطرت إلى خوض محادثات في المستقبل.

صحيح أن خطواتها اليوم لا تتجاوز العتبة التي قد تدفع الاتحاد الأوروبي إلى إعادة فرض العقوبات في الحال أو الولايات المتحدة إلى تنفيذ ضربة عسكرية محدودة ضد منشآت نووية إيرانية، لكننا قد نشهد خطوات مماثلة بعد ستين يوماً من الآن، إذا نفذت إيران تهديداتها بتخصيبها اليورانيوم متخطية نسبة الـ3.67% المكرّسة في خطة العمل المشتركة الشاملة وبدأت بتحديث العمل في مفاعل الماء الثقيل في آراك، علماً أن هاتين خطوتان تقصران مباشرةً الوقت الضروري لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب بغية تطوير سلاح نووي.

كيف سترد الولايات المتحدة؟

سيسلك رد فعل واشنطن الأولي ثلاثة اتجاهات على الأرجح:

أولاً، ستواصل الولايات المتحدة توسيع موقع قواتها العسكرية في الشرق الأوسط وستحافظ عليه بغية التصدي لحلفاء إيران الإقليميين.

ثانياً، ستزيد الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على إيران وحلفائها الإقليميين، فضلاً عن أنها ستعزز تطبيق العقوبات التي ما زالت سارية المفعول. وتستطيع واشنطن تحقيق ذلك ببنائها شبكة أوسع من العقوبات الثانوية التي تفرضها على صادرات إيران ووارداتها والتي تتخطى العقوبات المعتمدة اليوم التي تمنع عقد صفقات تجارية مع كيانات إيرانية مدرجة في لوائح عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، وقد أطلق ترامب بالفعل هذه العملية معلناً فرض عقوبات على الفولاذ، والألمنيوم، والحديد، والنحاس.

أخيراً، قد تحاول الولايات المتحدة أيضاً تأخير تطوير إيران برنامجها النووي معتمدةً النشاط عبر الإنترنت، ولا شك أن هذا الخيار أو أي نشاط سري آخر قد لا يؤدي إلى تفاقم التوتر إلى حد يدفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ ضربة عسكرية، إلا أنه قد يحقق التأثير المرجو بعرقلة تقدّم إيران في سعيها إلى تطوير برنامجها النووي.

تضع حملة الضغط الأميركية ورد الفعل الإيراني الاتحاد الأوروبي في موقف يزداد صعوبة. لو كانت بروكسيل تملك حلاً سحرياً للتخفيف من مخاوف إيران لكانت استعملته قبل اليوم، لكن أداة دعم المبادلات التجارية (INSTEX) التي طورها الاتحاد الأوروبي لا تعالج راهناً أي معاملات. وإذا لجأت إليها هذه الكتلة لتساهم في تسهيل معاملات مع إيران لا تُعتبر إنسانية، فلا شك أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على الأوروبيين المعنيين. وهكذا تبقى إحدى الطرق القليلة، التي تتيح للقارة أن تساعد بأسلوب مبتكر إيران في تفادي أزمة اقتصادية أو غذائية، تنظيم برنامج النفط مقابل الغذاء على غرار ما اعتُمد مع العراق.

كيف تزيد التطورات احتمال نشوب صراع؟

كلما ضعفت خطة العمل المشتركة الشاملة، ازداد احتمال نشوب صراع عسكري. يشكّل اليوم أي نشاط إيراني مرتبط بالمسائل النووية هدفاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مثل إسرائيل، حتى لو كان نشاط إيران هذا مدروساً ولا يتخطى حدود الصفقة النووية.

كذلك يزداد احتمال أن تعتبر واشنطن أي نشاط تقدِم عليه قوات مقاتلة مدعومة من إيران ضد الولايات المتحدة أو حلفائها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مبرراً لضربة عسكرية محدودة محتملة ضد إيران وأهداف تابعة لحلفائها.

صحيح أنه لا الولايات المتحدة ولا إيران ترغبان في إشعال صراع مفتوح، إلا أن رسائل التصميم التي تزداد حدة، مثل نشر مجموعة حاملة طائرات أميركية وراميات قنابل في الخليج العربي، تعكس استعداد واشنطن للتحرك إذا واجهت مخاطر حقيقية تهدد أمن الولايات المتحدة، وستجد إيران نفسها مرغمة أكثر فأكثر على الرد بطريقة ما.

الولايات المتحدة عززت حملتها من العقوبات القوية ضد إيران بهدف تعزيز معاناتها الاقتصادية
back to top