الاستثمار في غير الإنسان ليس من اختصاص الحكومات

نشر في 13-05-2019
آخر تحديث 13-05-2019 | 00:30
 نجيب حمد مساعد الصالح لكي نفهم أسباب التأييد الشعبي لسيطرة الحكومة واحتكارها لكل مجالات العمل، رغم التذمر من سوء أدائها، لابد أن نعود الى ستينيات القرن الماضي لنلمس تأثير الدولة الرعوية على سلوك المواطن، بعد أن أصبح شريكا في الحُكم من خلال ممثليه في مجلس الأمة، وشريكا في إيرادات النفط من خلال الدعم والتثمين والوظيفة الحكومية، فأصبح بالتبعية شريكا في الفساد وسوء الإدارة، والعقبة الرئيسة أمام الإصلاح.

في مقال نشر أخيرا للدكتورة الفاضلة موضي الحمود تسأل فيه: "بربكم! هل هذه هي الديمقراطية التي ننشد؟ وهل هذه هي الإدارة الحكومية التي نتأمل أن تنهض بالخطط المستقبلية الضخمة التي ستشكل مستقبل الكويت وتعدد مصادر دخله؟" الجواب طبعا: لا، لأن الخطط المستقبلية التي تؤدي إلى تعدد مصادر الدخل لن ينصح بها خبراء ومستشارو الدولة الرعوية، وإن فعلوا، فلن يقبلها الشعب، لأنها تتطلب قرارات غير شعبية، ولن تأخذ بها القيادة السياسية، لأن صوت الشعب حاليا أعلى من صوت الأجيال القادمة. والكرسي الذي يتم تصليحه أولا هو الكرسي الذي تصدر عنه أعلى الأصوات.

ومن خلال تعاملي السابق مع خبراء ومستشارين محليين ودوليين، لاحظت أنهم غالبا ما يختتمون توصياتهم ونصائحهم بنتائج تعكس رغبة من كلفهم بالدراسة.

لذلك أتوقع أن تكون التقارير العديدة التي توصي بالبحث عن "مصدر دخل بديل للنفط للمحافظة على الرفاهية والمستوى المعيشي للفرد"، من هذا النوع، لأن الحقيقة التي علينا تقبّلها، هي أننا لن نعثر على مصدر بديل مهما بحثنا وصرفنا.

للدول مصدر أساسي واحد للدخل لا يتغير، اعتمدت عليه الكويت قبل النفط، ولا خيار لها إلا أن تعود إليه بعد النفط. إنه الإنسان المتعلم، الواعي الكفؤ الذي يُعتَبَر مادة الخام الوحيدة التي يمكن للدولة الاستفادة منها في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية للمدى البعيد.

أكرر، إنه الإنسان المتعلم، الواعي الكفؤ الذي يُعتَبَر مادة الخام الوحيدة التي يمكن للدولة الاستفادة منها في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية للمدى البعيد. لكن هيمنة الدولة على الاقتصاد لفترة طويلة، جعلتها منافسا غير شريف للمواطن، تُحبطه وتقتل ما تبقى له من روح المبادرة والإنجاز، لذلك تعّوَد على "نهج الدولة الرعوية الذي قتل الطموح وقيّد الإبداع وزاد من الاسترخاء وضخم التنبلة"، حسب وصف الأستاذ عبدالله بشارة في مقاله الأسبوعي.

هناك فئة واعية من الشعب، تعلم بأن صلاحية الدولة الرعوية محدودة، وسوف تنتهي بيوم لا بد من التحضير له. سيكون هو اليوم الذي لن تتمكن فيه الحكومة من المحافظة على النهج الحالي بالهيمنة على الأموال والأعمال والمصانع والنقل بأنواعه والبريد والمسارح والمشاريع الترفيهية والمستشفيات وغيرها، بعقود أبدية لا تنتهي، ولن تتمكن من الاستمرار بدعم المواطنين دون مقابل. لأنها بطبيعتها مقيدة بنظم ولوائح معقدة، قراراتها صعبة وبطيئة، وكلفتها عالية يصعب السيطرة عليها، تنقصها المرونة في التعيين و"التفنيش" وتحديد الرواتب والحوافز، لذلك لا يمكنها جذب الكوادر المميزة أو الاحتفاظ بما لديها منها. في حين أن البديل رفضه الشعب للأسباب المذكورة في المقدمة. بإمكاننا الآن تغطية تكاليف سوء الإدارة، بما لدينا من احتياطي مالي، ولكن الى متى؟ أليس من الأفضل استغلال ما لدينا من احتياطي للتخفيف عن المواطن من أثر القرارات الضرورية غير الشعبية؟

لا مفر من العودة إلى المواطن عاجلا أم آجلا. والعالم مليء بالأمثلة لدول رعوية أهملت تنمية المواطن، فتحولت بعد انتهاء مخزونها الطبيعي أو انخفاض قيمته من دولة في قمة الغنى الى دولة تعاني قمة الفقر.

back to top