طلال مداح ومحمد عبده... صراع غنائي محتدم (6 - 10)

وسائل الإعلام كانت تشير إلى خلافات وجولات ملتهبة بينهما

نشر في 12-05-2019
آخر تحديث 12-05-2019 | 00:01
ازدان الفنان طلال مداح بأخلاق الفرسان في منافسته لزميله الفنان محمد عبده، فكان نداً شرساً بالغناء، ومنافساً شديد البأس في الدأب والبحث عن الجديد.

وفي المقابل يحفز الفنان محمد عبده - الشبيه - الذي لا يقل جلداً عن منافسه، ويمنح التنافس شكلاً بهياً وبعداً مختلفاً، نظيره إلى بلوغ أقصى درجات الإتقان والتطوير.

في الحلقة السابقة، رصدنا تفاصيل اللقاء الأول الذي جمع طلال والفنان محمد عبدالوهاب في بيروت، وماذا قال موسيقار الأجيال عن هذا المطرب الشاب القادم من السعودية، حيث تمكّن مداح من لفت الأنظار إليه، بفضل شهرته الكبيرة في منطقة الخليج، إضافة إلى الانتشار الواسع الذي حققه في بيروت من خلال الحفلات التي قدمها هناك، أو مشاركته السينمائية الوحيدة في فيلم «شارع الضباب»، مما دفع عبدالوهاب إلى توقيع عقد احتكار معه، حتى لا يغني إلا من ألحانه، وقال عنه عبدالوهاب «إنه من أجمل الأصوات التي استعمت إليها في الوطن العربي». عقب تحقيق الفنان طلال مداح النجاح في لبنان عبر حفلاته الغنائية، شارك في حفلات إذاعة صوت العرب في مصر، وكان بذلك أول مطرب خليجي ضمن كوكبة الفنانين المشاركين، ولم تكن المشاركة تأتي بسهولة، حيث يتقدم المطرب الراغب في المشاركة إلى اللجنة الفنية المشرفة على اختيار الفنانين المشاركين والمكونة من الفنان محمد عبدالوهاب وأحمد زكريا وكمال الطويل، وتقدم طلال لهذه اللجنة، وجرى اختياره لما يقدمه من فن راق، لا سيما أن حفلات صوت العرب حلم يتمناه أي فنان، وكانت الحفلات تذاع على الهواء.

اقرأ أيضا

وعقب ذلك بدأ يشارك طلال في حفلات غنائية في معظم الدول العربية في سورية وتونس. وفي الحلقة السادسة نسلط الضوء على أجواء المنافسة بين قطبي الأغنية السعودية طلال مداح ومحمد عبده، وفيما يلي تفاصيل أخرى من مشوار الفنان الراحل.

كان طلال يفرض سيطرته على الساحة الفنية السعودية والخليجية، فقد أثبت من خلال مناساب كثيرة أنه المطرب الأول في المملكة، لاسيما أنه بدأ يغني لأشهر الشعراء في بلده، وبدأ طلال يعيش أجواء المنافسة مع الفنان محمد عبده، والتي تبدو للجهور أنها أجواء محتدمة مشحونة، لكن في حقيقة الأمر لم تكن كذلك، فواقع تصريحات الفنانين طلال مداح ومحمد عبده تسير في اتجاه الندية والوئام، لا عدم التجانس الصدام، وكان مداح يرى أن وجود عبده دافعا له لتقديم الأفضل، وأن علاقته يسودها الاحترام والود، والأمر ذاته يؤكده عبده في تصريحاته في بداية مشوارهما، لكن ثمة أمورا أخرى تطفو على الساحة الفنية من خلال بعض التقارير الإعلامية التي كانت تشير إلى خلافات وتنافس محتدم بين الطرفين، وجولات ملتهبة بينهما.

وصرح مداح ذات مرة بأن وجود عبده ضروري بالنسبة له، فهو الذي يدفعه إلى الغناء والتميز، وغيابه لا يعطي للمنافسة طعما، وبذلك سيكون لغيابه أثر سلبي على الأغنية السعودية، كما ذكر طلال أنه يحب سماع صوت عبده، فله طريقة جميلة في الأداء، وأن من أجمل الأغنيات التي كانت يود أداءها أغنية «مرتني الدنيا تسأل عن خبر»، وكان مداح يتمنى أن يكون هو مغني هذه الأغنية وملحنها، وكما هو معروف هي من أغنيات عبده.

وضمن هذا الإطار، وفي أحد البرامج التلفزيوينة، قال طلال إن الصراع مع عبده لا وجود له في الواقع، والصراع المزعوم هو صراع أقلام، فأنا تجمعني بمحمد عبده مودة ومحبة، ونحن نسأل عن بعض، ونخشى على مصالح بعض، بمعنى أننا لا نسعى إلى الإضرار بمصالحنا، فحينما يكون لديه حفل في مكان معيّن وتوقيت معروف، أفضّل ألا أقدم حفلا في هذا التوقيت، وهو يفعل كذلك.

وأضاف: التنافس والصراع بين الأقلام على صفحات الجرايد، وكذلك في البرامج التلفزيونية، مثلا بعض محبيني من الكتّاب والصحافيين يكتبون آراءهم، فيرد عليهم محبو الفنان محمد عبده، فيحدث جدال وأخذ وردّ لسنا طرفا فيه، وكل صاحب رأي يدافع عن رأيه، وهكذا، وهذا لا يعني أننا نوافق على كل ما يكتب، لكننا لا نستطيع الحجر على آراء الآخرين، وفي المقابل كان عبده يصرح بأن طلال أستاذه، ولا يمكن منافسته، لأنه خارج دائرة التنافس، وهو صاحب تاريخ طويل وعريق لا يمكن تجاهله.

صراعات التحدي

وعن أجواء هذا التنافس يقول الكاتب علي فقندش: عندما قدم الفنان طلال مداح أغنيته الأشهر وليس بالضرورة الأفضل «مقادير»، كلمات الأمير محمد العبدالله الفيصل في عام 1974 وأحدث ذلك منعطفا كبيرا في حياة فن ونجومية ومشوار طلال مداح، كان الأمير بدر بن عبدالمحسن بطل الأغنية المقابلة لنجاح «مقادير» طلال عند محمد عبده في الموسم نفسه «الرسايل» التي أطلقها محمد عبده لأول مرة في حفل بالقاهرة، رددتها معه كل الأسماع إلى درجة عُرِفْت فيها الأغنية عربيا قبل انتشارها محلياً، فكانت بمعنى أشمل الأغنية المقابلة لنجاح «مقادير» في صراعات التحدي غير المعلنة بين فن طلال مداح وفن محمد عبده في خارج المملكة، استكمالا للصراع بينهما في الداخل بالتزامن مع بدء انطلاق السياحة السعودية خارجياً بشكل مكثف وكبير في السبعينيات.

وكان بالتالي رواج الحفلات الغنائية لنجوم الفن السعودي في تلك الاتجاهات السعودية سياحياً مثل بيروت والقاهرة، ومن ثم لندن وباريس، أمراً ممكناً وسهلاً، فحمل مداح وعبده هذه المهمة على عاتقيهما بشكل أكثر وضوحاً، وكأن التحدي والحماس بين الصوتين في عالم الغناء السعودي مداح وعبده أمر لابد من منه أن يقع ويعاش في حياتنا الثقافية والاجتماعية، ففي مشواري البدرين مداح وعبده كان هناك ضوء آخر بدر الشعر.. بدر بن عبدالمحسن الذي وضع بصماته على كل محطات النجومية وصناعة النجومية، بل وصناعة فن أغنية سعودية حديثة مبنية على شعر شعبي حديث لم تألفه الذائقة السعودية قبلاً.

أما عن التحدي بين مداح وعبده في مشوارهما الطويل مع الغناء، فكان لنصوص البدر العامل الأول للتحدي، فمنذ السبعينيات كانت أغنية «زل الطرب» أول التحديات، حيث لحنها مداح لنفسه وقدمها بصوته، بينما لحن عبده النص ذاته على طريق «السامري»، ليقدمها بصوته، ثم عقب ذلك كان الصراع بينهما بلغ إعلامياً في قضية أغنيتي «أرفض المسافة» و«جمرة غضى»، وهما للشاعر بدر بن عبدالمحسن، وكان طلال يود غناءهما، لكن محمد عبده أوقف ظهورهما بصوت مداح بحق الأسبقية، وبحكم القانون بين شركات الإنتاج الفني.

طيب القلب

في إطلالة تلفزيونية للفنان محمد عبده، تحدث عن الراحل مداح، حيث قال إن الراحل سريرته طيبة وقلبه طيب وتعامله طيب، لكن بطانته في معظمها سيئة جداً، في حين، أن من فضل الله عليه أن تبناه أساتذة ليس لديهم الحقد و»اللف والدوران» والسبل المغرية في ليالي الفن من سهرات، مشيراً إلى أن «مطبخه نظيف ومطبخ طلال في معظمه لم يكن نظيفا».

واستدرك عبده، :»طلال كان بريئا منهم تماما، لكن ليس حواليه إلا هؤلاء»، كان يغني لهدف، ولا يعلم إن كان طلال كان يغني لهدف أو لغير هدف، وهدفه أن يرفع من قيمة الفنان المنظور إليه بنظرة السلوك غير السوي المنجرف في الملذات والمستنقعات».

قامات عربية

وعلى إثر هذه التصريحات، أسف عبدالله (نجل الفنان طلال مداح) لتصريحات فنان العرب بشأن والده، التي قال فيها إن الراحل كانت تحيط به «بطانة سيئة»، مما اعتبرها إهانة في حق والده وانتقاصاً من قيمته.

وقال عبدالله: «إن الجميع يؤكد ويجمع على فنية وجماهيرية محمد عبده، باعتباره فنانا صاحب حضور وجماهيرية قوية في العالم العربي، غير أن الرجل لم يكن موفقا هذه المرة في تصريحاته بالمقابلة التلفزيونية، متسائلاً عن هوية هذه البطانة التي أحاطت بوالده أثناء مشوراه الفني الذي امتد لأكثر من 40 عاما، قائلا: «إن كل من أحاط بوالده خلال مشواره هم من الأدباء والشعراء والفنانين أمثال إبراهيم خفاجي وطاهر زمخشري وعبدالله محمد ولطفي زيني وفوزي محسون وفائق عبدالجليل وأبوبكر سالم وقامات عربية أخرى لم تتح للفنان محمد عبده فرصة اللقاء بهم في بداية مشواره الفني، فأين هي تلك البطانة الفاسدة؟».

وأشار مداح في حديثه إلى «أن الراحل طلال مداح هو محل للقبول والنقد، على ألا يتعدى النقد صفته الفنية، وهو أمر مشروع للجميع، ولكن لن نقبل بأي حال من الأحوال الإساءة إلى شخص أو حياة الفنان طلال مداح، سواء بشكل مقصود أو غير مقصود».

ورفض عبدالله المقارنة التي عقدها فنان العرب حين قال إن مطبخ طلال مداح في معظمه لم يكن نظيفا، مشيرا إلى أن عبده ضم بهذا التصريح كثيراً من نجوم الشعر والفن الذين عرفوا بأخلاقهم.

«أحبك لو تكون حاضر»

من الأغنيات التي شدا بها الفنان طلال مداح وحققت نجاحاً كبيراً أغنية «أحبك لو تكون حاضر» من كلمات لطفي زيني وتلحين طلال مداح، وتقول كلماتها:

أحبك لو تكون حاضر

أحبك لو تكون هاجر

ومهما الهجر يحرقني

راح أمشي معاك للآخر

***

أحبك حب خلاني

أبيع الدنيا من أجلك

وبكره لو تعود تاني

أخلي الغالي يرخص لك

***

أحبك لو تحب غيري

وتنساني وتبقى بعيد

عشان قلبي بيتمنى

يشوفك كل لحظة سعيد

***

أحبك كلمة معناها

حياتي وعمري في يدك

يهون عليك تنساها

وأنا صابر على ظلمك

***

سنين وسنين وأنا صابر

وراح أصبر كمان وكمان

وبحر الشوق يلعب بي

ألين أوصل لشط أمان

أغنيات مشهورة غناها فنان العرب كانت لـ «صوت الأرض»

شهد التنافس بين الفنانين الكبيرين مداح وعبده ندية كبيرة، حيث كان كل فنان يبحث عن التميز في أعماله، ومن طرائف هذا الصراع الفني للظفر بأجود القصائد وأجملها، يسرد مداح حكايات متنوعة عن أغنيات كان قد اتفق على تقديمها مع الشعراء أو الملحنين، لكن بسبب ظروف معيّنة انتقلت هذه الأغنيات إلى الفنان محمد عبده، ومن هذه الأعمال أغنية «لنا الله» التي كتبها الشاعر إبراهيم خفاجي ولحنها طارق عبدالحكيم، ويقول عنها مداح إن الأغنية كانت عنده، لكن لا أعرف كيف استطاع عبده إقناع طارق عبدالحكيم بغناء هذه الأغنية بعد أن كانت لي، أما أغنية «ليلة خميس» التي لحنها عمر كدرس واستمعت للحن، ولم يكن أنجزه كاملاً وأعجبني، واتفقنا أن أغنيها، وكان ذلك في «أُبحر» حينما كنا في زيارة لأحد الأصدقاء هناك، ووعدني بمجرد الانتهاء من اللحن سيكون بيننا اتصال للاستماع للحن كاملاً، ومضت الأيام، وسمعتها بصوت محمد عبده، فاستغربت هذا الأمر، وتواصلت مع كدرس ووعدني بخير في الفترة المقبلة، وقال إنه سيكون هناك تعاون آخر وأغنية جميلة جداً.

أما الأغنية الثالثة فكانت «المعازيم» للشاعر فايق عبدالجليل والملحن عدنان خوج الذي التقيته في لندن، واستمعت للحن، واتفقت معه على تسجيل الأغنية في القاهرة، وبعد ذلك بفترة سافرت إلى مصر لإحياء حفل غنائي هناك، وكان يسبقه حفل للفنان محمد عبده، واستفسرت عن الأغنيات التي سيقدمها عبده في الحفل، وفوجئت حينما أخبرني أحد الأصدقاء بأن فنان العرب سيقدم أغنية جديدة بعنوان «المعازيم»، واستفسرت عن كاتب الكلمات، فأخبرني أنه الشاعر فايق عبدالجليل، فقلت له واللحن لعدنان خوج، فقال: صحيح، فقلت في نفسي إن محمد عبده يرصدني، ولن يتركني في حالي.

وفيما يتعلق بأغنية «لنا الله»، يقول شاعر الأغنية إبراهيم خفاجي إنه كتب هذه الأغنية بشكل خاص للفنان طلال مداح، بهدف إنهاء فترة القطيعة بين مداح والفنان طارق عبدالحكيم ملحن «لنا الله»، وكان قد اقترح على طارق أن يلحن الأغنية ليشدو بها مداح، وستكون الأغنية «واسطة خير» بينكما، لكي تعود المياه إلى مجاريها، فوافق وأنجز اللحن وسجلته على شريط، وذهبت إلى مداح في مدينة الطائف، وقدمت له الأغنية وسمعها وقال لي: حسناً... وأبدى إعجابه بها، لكن لم يقل إن كان سيغنيها أم لا، وذهبت، وبقي الكاسيت لديه نحو 6 أشهر، وحين التقيت طارق عبدالحكيم بعد هذه الفترة قال لي: ماذا حدث على الأغنية التي كنت تريدها أن تكون همزة وصل؟ فقلت له: سأذهب إلى مداح وأُحضر الكاسيت، وكان ذلك، لأني بصراحة لا أستطيع أن أجبر أحدا على الغناء، وسلمت الكاسيت إلى عبدالحكيم الذي أعطاها، بدوره، للفنان محمد عبده الذي سجلها في بيروت، وطرحها، لكن لم تحقق نجاحاً كبيراً آنذاك، وبعد أعوام أعاد تسجيلها مرة أخرى، وهنا حققت نجاحاً كبيراً، وأصبحت من أشهر أغنيات محمد عبده التي يحب الجمهور سماعها في حفلاته.

كان طلال يحب سماع صوت عبده وتمنّى غناء «مرتني الدنيا تسأل عن خبر»

تربع طلال مداح على قمة الغناء في السعودية

أغنية «زل الطرب» كانت أول التحديات بين قطبي الأغنية في المملكة
back to top