البواعث النبيلة لقانون حظر تعارض المصالح لا تضفي عليه الدستورية

نشر في 05-05-2019
آخر تحديث 05-05-2019 | 00:09
المحكمة الدستورية في الكويت، وإن كانت كيانا قضائيا مستقلا، إلا أنها شريك أصيل للسلطة التشريعية في إعلاء وصون أحكام الدستور، الذي أقسم نواب الأمة فور فوزهم بثقة الناخبين باحترامه، كما أقسم أعضاء المحكمة الدستورية فور توليهم ولايتهم باحترامه والحفاظ على دستورية القوانين واللوائح.
 المستشار شفيق إمام هذا ما قررته المحكمة الدستورية في حكمها الصادر يوم الأربعاء الماضي بعدم دستورية القانون رقم 13 لسنة 2018 بشأن حظر تعارض المصالح، في استهلال الأسباب التي بنت عليها قضاءها، عندما أشارت إلى حرص الحكومة على حماية الوظيفة العامة من الفساد، باعتبار أن تعارض المصالح هو أحد أوجه الفساد التي تضمنتها الاتفاقية المتحدة لمكافحة الفساد، والتي صدر القانون المقضي بعدم دستوريته، إعمالا للمادة (19) منها، إذ قرر الحكم في أسبابه: "أن هذه الأغراض التي توخاها القانون لا تكفي وحدها لإضفاء الدستورية عليه ما لم تكن نصوصه قد التزمت الضوابط الدستورية التي أشار إليها الحكم في شرعية الجريمة والعقوبة ولم تتضمن اعتداء على حق من الحقوق التي كفلها الدستور".

الكويت تزخر بالكفاءات والخبرات التشريعية

كانت هذه المقدمة التي استهللت بها المقال ضرورية، بعد أن ترامى إلى سمعي ما يتردد بين بعض النواب من عزمهم على تقديم اقتراح بقانون بديل عن مشروع القانون المقضي بعدم دستوريته خلال الأيام القادمة، لإقراره قبل فض دور الانعقاد الحالي، وأعتقد أن وراء هذا الإسراع وهذه العجلة البواعث النبيلة ذاتها التي كانت وراء العجلة في إقرار القانون رقم 13 لسنة 2018 المقضي بعدم دستوريته، وهو ثمرة غير ناضجة، ولم يكن ذلك بسبب خلو الكويت من الكفاءات والخبرات القانونية والقضائية والتشريعية، فالكويت، والحمدلله، تزخر بهذه الكفاءات والخبرات في إدارة الفتوى والتشريع ومجلس الأمة والهيئة العامة لمكافحة الفساد والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ولكني أعتقد أن هذه الخبرات والكفاءات لم تُعط الوقت الكافي لدراسة القانون سالف الذكر دراسة متعمقة فضلا عن دراسة تداعياته على العمل العام وعلى الاقتصاد الوطني، ولصياغته الصياغة الجيدة المحكمة التي تدرأ عن نصوصه أي شبهة عدم دستورية، بسبب رغبة كل من مجلس الأمة والحكومة في إقراره على وجه السرعة، لمكافحة الفساد الذي سرى واستشرى في البلاد.

ولم تكن تفوتني هذه البواعث النبيلة التي كانت وراء السرعة في إقرار القانون في أول مقال نشر لي في 25 مارس عام 2018 على صفحات "الجريدة"، عقب إقرار هذا القانون ببضعة أيام، تحت عنوان "جعلوني مجرماً في قانون تعارض المصالح"، فقد قلت في استهلال المقال بالحرف الواحد: "ومن الطبيعي والمنطقي أن تكون الوقاية من تضارب المصالح هدفا لإرساء مبدأ الشفافية والنزاهة في المعاملات الاقتصادية والتجارية، وفي استثمار أموال الدولة وإدارتها، وفي العمل على مكافحة الفساد ودرء مخاطره.

ومن الطبيعي والمنطقي أيضا أن يتصدى مجلس الأمة لهذا الموضوع، وقد تراجعت الكويت في الإحصاء العالمي لمكافحة الفساد وللوقاية منه، لتفعيل القوانين المعمول بها في الكويت والتي تحظر التعارض في المصالح".

واستكملت "المثالث الدستورية في قانون حظر تعارض المصالح" في دراسة لي نشرت من حلقاتها الخمس على صفحات "الجريدة" في أعدادها الصادرة في 1 و2 أبريل و6 و13 و20 مايو من عام 2018.

لاعودة إلى العوار الدستوري ذاته

ولا أكتم خشيتي بعد المخاض الذي مر به هذا القانون منذ صدوره قبل عام مضى، وتطبيقه على المخاطبين بأحكامه الذين قدم بعضهم إقرارات الإفصاح عن تعارض المصالح التي ألزمهم بها القانون، ولم يقدمها البعض الآخر، وقد التبس عليهم فهم القانون وفهم مقاصده، فأصبحوا بهذا الامتناع مرتكبين لجريمة فساد يعاقب عليها هذا القانون.

لا أكتم كذلك خشيتي بسبب العجلة في تقديم وإقرار قانون بديل بسرعة مماثلة في أن يحمل العوار الدستوري ذاته الذي كشف عنه الحكم القاضي بعدم دستورية القانون السابق، إذا لم يراع من وضعوا الاقتراح البديل بسب هذه السرعة تحديد الأفعال المؤثمة جزائيا بما انتهى إليه الحكم في أسبابه من وجوب أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الأفعال التي يتعين عليهم اجتنابها، ذلك أن الأصل في النصوص الجزائية أن تصاغ في حدود ضيقة تعريفاً بالأفعال التي تجرمها، وتحديداً لماهيتها، لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور.

المحكمة الدستورية ركيزة للحكم الديمقراطي

ولا أكتم خشيتي كذلك من أن يكون وراء رغبة بعض الأعضاء في الإسراع في تقديم الاقتراح بقانون البديل وإقراره قبل فض دور الانعقاد، ثأرا للقانون المقضي بعدم دستوريته، لتتحول الساحة السياسية لمجلس الأمة، إلى حلبة مبارزة بين بعض النواب والمحكمة الدستورية، دون اعتبار أو تقدير للدور العظيم للمحكمة الدستورية في رقابتها على دستورية القوانين، باعتبار هذه الرقابة إحدى الركائز التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي.

وقد عبر عن ذلك الدكتور ناثان براوان مساعد عميد كلية إليوت للعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن أصدق تعبير في محاضرة ألقاها في ندوة أقامتها جمعية الخريجين الكويتية في 8 يناير سنة 1996 تحت عنوان "الديمقراطية والمبادئ الدستورية في العالم العربي"، حيث حدد العلاقة بين الديمقراطية والمبادئ الدستورية في قوله بأن الديمقراطية تعني أن السيادة للبرلمان وأن المبادئ الدستورية تعني أن السيادة للدستور، وأن الفكرة الأميركية تقوم على الدمج بين الاثنين بما توصلت إليه من أن الديمقراطية تحتاج إلى قيود دستورية لكي تمنع الاستبداد والفاشية.

الوقع أن المحكمة الدستورية في الكويت، وإن كانت كيانا قضائيا مستقلا، إلا أنها شريك أصيل للسلطة التشريعية في إعلاء وصون أحكام الدستور، الذي أقسم نواب الأمة فور فوزهم بثقة الناخبين باحترامه، كما أقسم أعضاء المحكمة الدستورية فور توليهم ولايتهم باحترامه والحفاظ على دستورية القوانين واللوائح، فأصبح نواب الأمة والمحكمة الدستورية بهذا القسم المشترك معبرين عن إرادة الأمة مصدر السلطات جميعاً.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top