هل يمكن تجنب أزمة مقبلة في منطقة الساحل؟

نشر في 02-05-2019
آخر تحديث 02-05-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت تأتي بعض الأزمات بغتة، فتخلق فجأة ارتباكا مفاجئا واندفاعا يائسا في الاستجابة لها، وتأتي أزمات أخرى واضحة ولكنها لا تُظهِر أي نقطة انفجار واضحة، لكن العوامل التي تغذيها تزداد حدة إلى أن تأتي اللحظة حيث ندرك، بعد فوات الأوان، خطورة الوضع وشدة إلحاحه.

تنتمي الأزمة في الساحل والقسم الشمالي من المنطقة الأوسع الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في إفريقيا إلى النوع الأخير، فنحن نعرف ماذا سيأتي، وكل علامات التحذير ظاهرة. وحتى الأدلة جرى جمعها، كما أدرك المجتمع الدولي الحاجة إلى التصدي لهذه المشكلة، ولكن من الواضح على الرغم من كل جهودنا أننا في احتياج إلى بذل المزيد من الجهد. عندما يأتي الانفجار فإن العواقب ستشمل موجات جديدة من التطرف والهجرة، والتي ستؤثر في أوروبا ويمتد تأثيرها إلى أميركا والجزيرة العربية، وربما تكون هذه الموجات أكبر من تلك التي انطلقت من الشرق الأوسط في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية السورية وانهيار الربيع العربي.

تشكل الدول الخمس التي تضمها منطقة الساحل عادة- موريتانيا، ومالي، وبروكينا فاسو، والنيجر، وتشاد- جزءا من منطقة جغرافية أوسع تمتد عبر قارة إفريقيا من المحيط الأطلسي في الغرب إلى شمال نيجيريا إلى السودان في الشرق.

يبلغ عدد سكان دول الساحل الخمس حاليا ما يقرب من 80 مليون نسمة، وهي المجموعة السكانية الأسرع نموا في العالم، وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان النيجر سيرتفع بحلول عام 2030 من 21 مليون نسمة اليوم إلى 35 مليون نسمة؛ وسيبلغ عدد سكان بوركينا فاسو 27 مليون نسمة، ارتفاعا من 19 مليون نسمة اليوم تقريبا.

الواقع أن الفقر في المنطقة مزمن، ويعمل تغير المناخ على زيادة الأمر تعقيدا، هذا فضلا عن ضعف الحوكمة وجسامة تحديات التنمية، ونتيجة لهذا بدأت قوى التطرف تتحرك، ففي غضون الأشهر الستة المنصرمة فقط، أسفرت الهجمات الإرهابية في مالي وبروكينا فاسو والنيجر عن مقتل ما يقرب من 5000 شخص في 1200 حادثة منفصلة، وهي زيادة كبيرة بالفعل عن الفترة نفسها من العام السابق.

من الظلم أن نقول إن المجتمع الدولي تجاهل القضية أو لم يدرك مدى أهميتها، فمع تنامي المشاكل في المنطقة في السنوات الأخيرة، حدثت تدخلات عسكرية، وخاصة من جانب فرنسا، وقد أنشأت دول الساحل هيئة تنسيقية خاصة، مجموعة دول الساحل الخمس، كما أسس المجتمع الدولي تحالف الساحل، الذي يجمع بين قوى رائدة وجهات مانحة، بمشاركة دول أوروبية كبرى والولايات المتحدة. لكن الحقيقية الفجة هي أن الموقف يتدهور، عل الرغم من الاعتراف الواسع النطاق بالخطر المتصاعد، صحيح أن الدول فرادى تعمل على تكثيف جهود المعونة والمساعدة، لكن معالجة هذه الأزمة تستلزم جهدا شاملا كامل التنسيق، في الوقت الحاضر يجري تنسيق المناقشات في العديد من المنتديات، لكن المبادرات تظل ارتجالية، ربما لا تخلو من قيمة في حد ذاتها، لكنها دون الأمثل عندما يتعلق الأمر بتأثيرها ما لم نعمل على تجميعها كجزء من استراتيجية متماسكة.

ما تعلمته بمرور الوقت حول مثل هذه الظروف هو أن العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان من الممكن التعامل معها بنجاح يتلخص في نطاق من التركيز بين القوى المؤثرة الأساسية. وبوسعنا أن نجد هذا النطاق عندما تكون الأزمة قائمة ومربكة بالفعل، لكنه نادرا ما يوجد عندما يكون تجنب الأزمة لا يزال في حكم الممكن.

بطبيعة الحال تستجيب أجزاء من المجتمع الدولي، كما ينبغي لها أن تفعل، فقد تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالتحرك العاجل، كما يُظهِر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قدرا كبيرا من التركيز، لكن العديد من القوى الرئيسة مشتتة إلى حد كبير، فبريطانيا غارقة في مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأوروبا منهمكة في مناقشات داخلية عديدة، والولايات المتحدة منشغلة بسياساتها. ولا تستطيع بلدان الساحل، على الرغم من جهودها الضخمة، أن تتجنب الأزمة المقبلة دون أي معاونة من الخارج، وعندما قمت بزيارة عاصمة بوركينا فاسو، كانت الطبيعة الباسلة التي تتسم بها المعركة التي تخوضها الحكومة ضد التهديد الأمني واضحة، ولكن لم يكن من الممكن إخفاء الطبيعة الجسيمة التي اكتسبتها التحديات التي تواجهها.

تعمل مؤسستي، معهد التغيير العالمي، على تقديم برنامج في العديد من الدول القريبة من الساحل، وفي كل المحادثات التي أجريتها مع قادة هذه الدول تقريبا، يهيمن القلق الشديد الآن عليهم إزاء ما يحدث هناك.

ويستلزم الأمر اتخاذ خطوتين فوريتين:

أولا، لابد أن يساعد اجتماع دولي رفيع المستوى لدول تحالف الساحل، إلى جانب أطراف مهتمة أخرى، مثل دول الخليج والمؤسسات المتعددة الأطراف، في توليد التعهدات والتزامات الدعم المدمجة على النحو اللائق في خطة شاملة موحدة للمنطقة. ومن الأهمية بمكان استهداف الجوانب كافة- التنمية، والحكم، والبنية الأساسية، والاستثمار، ومكافحة التطرف، والأمن- حيث تعمل الدول سوية وبتنسيق كامل حرصا على منع ازدواجية الجهود. لن يتخلى أي مانح عن سيطرته على مساهماته، ولكن لابد من التوفيق الاستراتيجي بين مساهمات كل المساهمين.

ثانيا، في مقابل هذا الدعم، ينبغي لدول الساحل ذاتها أن تلتزم بالإصلاحات والتدابير اللازمة لضمان فعالية الدعم. بعبارة أخرى، يتطلب تجنب الأزمة تأسيس شراكة حقيقية حيث يتحمل كل جانب مسؤوليات أساسية، فضلا عن توفير الآليات المناسبة للمتابعة والتنفيذ. لا ينبغي لنا أن نشك على الإطلاق في ما يمكن أن يحدث إذا تقاعسنا عن التحرك والعمل، فمنطقة الساحل أشبه ببرميل بارود، والفتيل الذي أشعله التطرف يحترق الآن بوتيرة متسارعة. ويتعين على قادة العالم أن يحرصوا على التركيز لفترة كافية لوضع الخطة الصحيحة وإنشاء الآلية المناسبة لتنفيذها، وإنه استخدام احترازي معقول للغاية لنطاق التركيز العريض بين مختلف القوى.

* رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، ويشغل حاليا منصب رئيس معهد التغيير العالمي.

«توني بلير»

back to top