التفسير الإلكتروني... للقرآن

نشر في 02-05-2019
آخر تحديث 02-05-2019 | 00:10
 خليل علي حيدر صدرت فتوى قبل قرن أو قرنين في زمن العثمانيين من مفتي إسطنبول بتحريم طباعة القرآن الكريم قبل أن تصبح طباعته أمراً واقعاً، وقبل عقود أو نحو قرن، دار جدل حامي الوطيس في مصر حول جواز ترجمة القرآن إلى لغات أخرى، ونرى اليوم الكتاب في مكتبات العالم بمختلف اللغات.

وربما اعترض البعض كذلك على إدخال القرآن في الكمبيوتر والإنترنت وأصبح هذا اليوم من الأفكار المهجورة أمام زحف الإلكترونيات وما تقدمه هذه التقنية من تسهيلات في الشرح والفهرسة وسهولة الوصول إلى المقاصد، وصارت معارض "الكتاب الإسلامي" تفرد لها أجنحة خاصة، ولا أدري إن كان ما ينطبق على المصحف المطبوع من ممنوعات ينطبق كذلك على الأشرطة القرآنية والدسكات والكمبيوترات وأجهزة التلفون النقال، كعدم جواز مسه إلا للمطهرين، وعدم جواز السفر به إلى "بلاد الكفر" وعدم الدخول به الأماكن غير اللائقة... إلخ.

تطرق الباحث الإسلامي "أنور الجندي" في بعض كتبه إلى "ترجمة معاني القرآن "فقال إن هذه الفكرة حمل لواءها "محمد مصطفى المراغي" شيخ الأزهر منذ عام 1938، كعمل من أعمال "مقاومة الغزو الثقافي والتغريب"، ويضيف "الجندي" أن الغربيين "كانوا قد ترجموا القرآن منذ منتصف القرن الخامس عشر 1457 عن طريق المبشرين المسيحيين وتوالت الترجمات التي بلغت 34 ترجمة، وهي ترجمات مغلوطة محرفة ناقصة"، ويقول الجندي بأنه "جرت معارك فكرية طويلة 1932، 1935، 1936 حول ما إذا كانت الترجمة للقرآن هي ترجمة كاملة أم ترجمة معاني القرآن"، ودعا محمد فريد وجدي- باحث وموسوعي معروف- إلى ترجمة القرآن ترجمة صحيحة كاملة، وذلك حتى يكون بنجاة من تحريف المحرفين، وقال "إن الاكتفاء بترجمة تفسيره لا يؤدي الغرض المطلوب من نشره، لأن المفكرين في العالم يحبون أن يتأملوه عاريا من زخرف التفاسير والشروح وألوان الآراء والأفهام".

وأشار "الجندي" إلى غير الموافقين فقال، وقد عارض ترجمة معاني القرآن كثيرون في مقدمتهم "الشيخ محمد سليمان" وكيل المحكمة العليا الشرعية، الذي وصفها بأن وراءها "غرض استعماري هو القضاء على القرآن تمهيداً للقضاء على الإسلام، وتابعه محمد الههياوي– كاتب وصحافي– وعارضها كذلك الشيخ الظواهري– شيخ الأزهر- وكان الخلاف سياسياً في الأغلب".

ويذكر كتاب "الأعلام" أن "محمد بن مصطفى الههياوي (ت 1943) أديب مصري، له شعر جيد، تعلم في الأزهر، واحترف الصحافة"، ويذكر من كتبه "ترجمة القرآن الكريم غرض للسياسة وفتنة في الدين".

مما يذكره الجندي، "أن القرآن ترجم في عهد هشام عبدالملك إلى اللغة السريانية، لغة الحضارة في ذلك العصر، ويوجد في متحف لندن المجموعة الخطية التي وهبها "إدوار كاربوري" في 50 ألف مجلد، وتشمل ترجمة قديمة للقرآن منذ 690 ميلادية، وبها آيات كاملة ليست من القرآن".

(الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية، أنور الجندي، القاهرة 1961، ص 473- 474)

وقد نشرت القبس يوم 22/ 3/ 1987 خبراً يقول: أكد خبيران عربيان في برمجة المعلومات آليا بالكمبيوتر أنهما نجحا لأول مرة في العالم في النقل الكامل لسور القرآن الكريم البالغة 114 سورة على العقل الإلكتروني.

وقد احتاج الأمر إلى عام من العمل حتى ينقل الخبيران حروف القرآن الكريم البالغ عددها ثلاثة ملايين حرف على العقل الإلكتروني باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية".

وكانت الصحفية قد نشرت في 7/ 2/ 1986 بأنه "ظهرت في المدة الأخيرة محاولات من قبل بعض العلماء المسلمين لإخضاع محتوى القرآن الكريم لقواعد العقل الإلكتروني، ومساع أخرى للتدليل على صحة القرآن وإعجازه بالاعتماد على آخر الاكتشافات المسجلة في مجال علوم الكمبيوتر، وكذلك لمحاولة تحديد موعد الساعة ونهاية العالم".

ونشرت رسالة من القارئ "الحبيب الخذيري" يهاجم فيه هذا المنحى، يقول فيها: "تكالب الناس في عصرنا على ملاحقة ركب التطور المادي والاكتشافات العلمية وجعلهم يغفلون عن عظمة من أوجد الوجود وسنّ السنن، وكأن إنسان هذا العصر قد حن طاغيا إلى أن يشرك بالله، وإلى أن يعبد الأوثان ويؤلهها، وإن اختلف مفهوم الوثن العصري عن مفهوم الوثن القديم". وأضاف "الحبيب": "إنه لمن العبث محاولة إخضاع كتاب الله العظيم لنظريات مادية أو تجريبية، فالقرآن العظيم قد احتوى بقدرة الله على كل ألوان المعرفة والعلوم، وبالتالي فإن كل ما في الوجود يخضع للقرآن، ويخطئ الكثيرون حين يظنون أن الدين لكي يكون عصريا يجب أن يتماشى مع كل ما يطرحه العقل البشري وما يصل إليه الإنجاز العلمي وتقنياته".

وقد بلغت الجرأة ببعض هؤلاء إلى القول إنه لا بد أن يكون في القرآن ذكر لكل تلك المخترعات والإنجازات حتى نتيقن أنه كتاب لكل العصور، متعللين في قولهم بالآية الكريمة "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ".

(القبس 7/ 2/ 1986).

واستهجن "الحبيب" ما أجراه البعض "من عمليات حسابية ساذجة لتحديد موعد الساعة في محاولة منهم لإقحام الكمبيوتر في كلام الله"، وهاجم صاحب الرسالة "الخلط والهراء واللف والدوران حول الرقم 19 ودلالاته في القرآن العظيم، وكيف يستدل البعض بعدد ملائكة الجحيم على تلك الخفايا التي ذكروا أنها في القرآن؟ ولماذا لم يختاروا على سبيل المثال عدد حمله العرش- ثمانية؟ ولماذا كانت السموات سبعا والأراضي سبعا".

(القبس 7/ 2/ 1986).

لقد مضى على نشر هذا الكلام منذ الثمانينيات نحو ثلاثة أو أربعة عقود، وبات الكمبيوتر مع كل عام يرينا عجائب إمكاناته في الاستيعاب والتفسير والمقارنات.

وأكاد أجزم أن الباحثين في الإسلام والإسلاميات عقيدة وتاريخا وثقافة، باتوا اليوم أمام جبال من المعارف وثورة معلوماتية، واستنتاجات ومقارنات في القرآن والحديث والسيرة والتاريخ وغير ذلك، لم يعرفها الباحثون والمفسرون في أي عصر. ويكفي أن نعرف أن هذه الأجهزة تستوعب بشمول ودقة القرآن بكل قراءاته وتفسيراته التي ربما تزيد على الخمسين، وكل كتب الحديث لدى أهل السنّة والشيعة وغيرهما، ومجلدات السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ومئات آلاف المقالات والكتب والتقارير والمجلات والموسوعات وأوراق الندوات. هذا إلى جانب ما في جوف الكمبيوتر من كتب ومطبوعات الأديان الأخرى، وما يستوعب من مختلف الكتب والصحف والعلوم الأخرى، وبالتالي، فإن قدرة هذا العقل على تفسير القرآن وعرض مختلف الآراء والاجتهادات وما بينها من تشابه وتناقض وصحة وبطلان وموضوعية واتباع هوى، ما لا يمكن مقارنته بأي كتاب معروف من كتب التفسير، وإن كنت لا أدري حقاً إن كان الباحثون الإسلاميون وغيرهم قد استفادوا من كل هذه التفاسير والمقارنات أو كانت لهم جميعا الرغبة والجرأة في طرح الآراء المخالفة والتفاسير الجديدة... عما هو سائد.

فرق هائل حتى اليوم، بين الجهد المبذول في دراسة التوراة والإنجيل أو ما تسمى عادة بالـ Biblical Studies، وما لهؤلاء الباحثين الغربيين خاصة، من استعدادات لغوية ودراسات معمقة وإلمام بتاريخ العالم وأديان الشرق الأوسط ولغاته وحضاراته، وبين ما يراه المراجع لمعظم كتب تفسير القرآن في الماضي والحاضر. طالع مثلا كتاب "المفسرون مدارسهم ومناهجهم" للأستاذ الدكتور الأردني "فضل حسن عباس"، أحد أبرز علماء السنّة في الأردن، وأحد العلماء المعدودين في علوم التفسير (1932-2011)، وكتاب "التفسير والمفسرون" للدكتور المصري المعروف ووزير الأوقاف الأسبق الذي اغتيل، "د.محمد حسين الذهبي" (1915– 1977). وسنعرض بعض ما في الكتابين في مقالات قادمة.

نشرت مجلة المجتمع الكويتية في عدد لا تحمل القصاصة التي معي تاريخ طباعتها "وجهة نظر" للشيخ السلفي السوري "محمد علي الصابوني"، قيّم فيها تفاسير القرآن المتداولة، وبخاصة أنه هو نفسه مؤلف تفسير بعنوان "صفوة التفاسير" الواسع التناول في مكتبات الكويت، فتأمل ملاحظات الشيخ الصابوني:

- تفسير القرطبي: إنه من أبدع كتب التفسير عناية بالأحكام الشرعية وهو كتاب لتفسير آيات الأحكام والمفسر مالكي المذهب.

- تفسير ابن كثير: إنه من أيسر التفاسير ومن خير ما كتب ومع جلال قدر الشيخ ابن كثير إلا أن بعض الأحاديث الضعيفة دخلت في التفسير.

- تفسير الزمخشري: كتاب خدم القرآن العظيم خدمة كبيرة من حيث اللغة والبلاغة... ولكن فيه طامات ودواهٍ، ولكن الله سخّر من أهل السنّة من نبهه إلى ذلك.

- تفسير الآلوسي: إنه من الكتب الطيبة... ولكن لا يستطيع أن يفهمه كل إنسان، وطلاب الدراسات العليا يعجزون عن فهمه لأن عبارته عبارة علماء... وعبارة العالم دقيقة جداً، وهناك ضعف في الفهم في هذا الوقت.

- روح البيان: فيه توسع كبير، وفيه كذلك صوفية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن ميزة تفسير (الآلوسي) رحمه الله أنه يذكر الآيات دون شطحات صوفية.

- الفخر الرازي: يقول بعض الفقهاء: "فيه كل شيء إلا التفسير" وهذه فكرة خاطئة، فلقد رأيت فيه ما يشفي العليل من معان دقيقة لآيات القرآن الكريم. لكنه يتوسع كثيرا عندما يتكلم عن أهل الكلام والفلسفة والفرق، لقد جمع كل شيء... فيه التفسير وفيه غيره.

- فتح البيان: هذا كتاب طيب.

- فتح القدير: ممتاز وطيب.

- في ظلال القرآن: والله فيه نفحة ربانية ولا أقول إن فيه تفسيرا دقيقا لمعاني القرآن، لكن فيه نفحات، وهذا فتح من الله عز وجل الذي قد يفتح على المتأخر بما لا يفتحه على المتقدم، وأسلوبه أدبي، وصاحبه لا يقول إن هذا تفسير كامل للقرآن، ولكنه في ظلال القرآن أي أن فيه بعض المفاهيم المستوحاة من القرآن الكريم وهو مرجع طيب للشباب.

- تفسير المنار: فيه توسع من حيث مقارنته بالعلوم العصرية والطبيعية ولا أنصح به إلا للمختص المتعمق الذي يستطيع كشف الهفوات فيه.

- الكتاب المنسوب إلى ابن عباس "النبراس في تفسير ابن عباس".

ابن عباس بريء منه لأن فيه ضلالات كبيرة لا يقبلها نقل ولا عقل، وهو يأتي بآراء شاذة وليس لابن عباس تفسير خاص به، لكنّ له أقوالا نقلها عنه تلاميذه لمجاهد وعكرمة وقتادة وهذا موجود في كتب التفسير القديمة".

ملاحظة: روح البيان للمفسر التركي الصوفي إسماعيل حقي الحنفي الجلوتي (1652-1724) ماذا عن تفاسير المتصوفة الأخرى كتفسير ابن عربي، وتفاسير الشيعة بفرقهم؟

هل هناك إجماع أو تقارب بين المسلمين عامة في تفسير كلمات ومعاني وأسباب النزول في مختلف السور؟

هل نشهد قريبا ميلاد تفسير الكمبيوتر أو العقل الإلكتروني للسور والآيات القرآنية، مع المقارنات وما ورد في تفسير كل آية وكلمة في مختلف كتب اللغة والتفسير؟ وهل سيكون مثل هذا المسعى موضع ترحيب عامة القراء والإسلاميين والمهتمين على وجه الخصوص؟ وهل يفهم المسلمون اليوم القرآن بشكل مؤكد ودون اختلاف؟

back to top