الاحتجاج في العصر الرقمي

نشر في 01-05-2019
آخر تحديث 01-05-2019 | 00:00
تتطلب الاحتجاجات الناجحة قيادة فعالة، سواء كانت فردية أو جماعية، وعليها تجاوز الحديث عن "الحقيقة للسلطة" في الشوارع، فالتغيير يحدث عندما يجد المواطنون طرقا للتعبير عن الحقيقة من داخل السلطة وخلق ائتلافات من غير المحتمل أن تتم عبر الإنترنت.
 بروجيكت سنديكيت تُعد الانتخابات والاستفتاءات مجرد وسيلتين ليحظى الناس بالحق في التعبير عن رأيهم بشأن النظام الحاكم، والاحتجاج وسيلة أخرى، وهو دعامة لحماية حقوق التجمع وحرية التعبير في معظم الديمقراطيات.

في العديد من الديمقراطيات الحالية، يتم استخدام هذه الحقوق على أكمل وجه، فقد قام نشطاء المناخ والمظاهرات المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بإغلاق لندن جزئياً خلال الشهر الماضي، ويقوم المتظاهرون بالفعل بوضع خطط حول الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة المتحدة في يونيو، وفي فرنسا يخرج محتجو حركة السترات الصفراء كل يوم سبت للشارع.

لقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي تنظيم الاحتجاجات الشعبية، وبفضل "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، يمكن للأشخاص الذين لديهم أسباب مشتركة إثارة غضب بعضهم بعضاً على الفور أثناء تحضير التفاصيل اللوجستية. لكن هذه المظاهرات الحديثة تفتقر غالبا إلى قيادة متينة وإلى بناء التحالف لترجمة المظالم الجماعية إلى تغيير حقيقي.

صحيح أن الاحتجاجات الشعبية قد تساعد في تصعيد القضية وإثارة الجدل العام، لكن حتى في الديمقراطيات، لا تكفي الحشود الكبيرة في كثير من الأحيان للتأثير على الحكومات، فلم تتمكن المظاهرات الجماعية المناهضة للحرب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة في فبراير 2003 من منع البلدين من غزو العراق في الشهر التالي، ولم تحقق حركة "احتلوا وول ستريت" لعام 2011، والتي امتدت إلى نحو 900 مدينة حول العالم، أي هدف معين، كما لم تحرز مسيرات النساء التي نُظمت بين عامي 2017 و2019 في العديد من المدن حول العالم أي تقدم.

ويعتبر الافتقار إلى قيادة واضحة السبب الرئيس، فقبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، كان تنظيم مظاهرات جماعية فعالة يستغرق كثيرا من الوقت والجهد، وكان يتعين على الناشطين التخطيط، وجمع الأموال لوضع إعلانات الصحف، وإنشاء قوائم هاتفية، وإيجاد مكبرات صوت مثيرة لجذب الناس.

كل هذا كان يتطلب من القيادة أن تؤكد للناس أن استثمار وقتهم وأموالهم وروابطهم في الاحتجاج كان يستحق ذلك، وعلى النقيض من ذلك فإن "النظام التشاركي" الجديد الذي تحركه شبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من مرونته وكفاءته، يفتقر غالبا إلى قادة يمكنهم تعبئة الناس للوصول إلى هدف محدد وقابل للتحقيق. ومع ذلك تم تحقيق العديد من النجاحات، ففي بولندا عام 2016، أقنعت الاحتجاجات المنظمة بشكل جيد البرلمان برفض الحظر شبه الكامل المقترح للإجهاض، وشملت مظاهرات الشوارع في العديد من المدن البولندية الكبرى حملة عبر الإنترنت وإضرابا نسائيا، حيث رفضت النساء الالتحاق بالمدارس أو الذهاب إلى العمل أو أداء الأعمال المنزلية، وعقد المنظمون أيضا لقاء مع المؤيدين في أماكن أخرى من أوروبا، واستخلصوا الدروس المستفادة من بلدان أخرى، والأهم من ذلك، فقد أكد المتظاهرون هدفاً مباشراً- والذي يتمثل بمنع تنفيذ القانون الجديد- واستفادت حملتهم من القيادة الفعالة والتخطيط الدقيق لتحقيق ذلك.

في الوقت نفسه، تُبرز الاحتجاجات الشعبية الناجحة الأخيرة في الجزائر والسودان أهمية بناء تحالفات مع أجزاء من النظام الحاكم، كان للمتظاهرين في هذين البلدين أهداف واضحة، على الرغم من المخاطر الكبرى للمشاركة في مظاهرات الشوارع ضد الحكومات الاستبدادية. عندما احتج الجزائريون لأول مرة على الرئيس المريض عبدالعزيز بوتفليقة الذي رشح نفسه لفترة ولاية خامسة، لم تكن حركتهم محمية بحقوق التجمع "الديمقراطية" أو حرية التعبير، وتم قمع الاحتجاجات الأولية في ديسمبر 2018.

لكن بحلول مارس 2019، خرج نحو ثلاثة ملايين جزائري إلى الشوارع، كان هدف المتظاهرين واضحاً: إجبار بوتفليقة على التنحي، ولم ينجحوا بسبب أعدادهم الهائلة فقط، بل لأن صمودهم دفع الجيش الجزائري في النهاية إلى الوقوف إلى جانبهم وإجبار بوتفليقة على ترك منصبه، وفي السودان أقنعت الاحتجاجات التي استمرت ثلاثة أشهر على مستوى البلاد الجيش أخيراً بإطاحة الرئيس عمر البشير.

كانت هذه التحالفات غير المحتملة بين المحتجين والجيش حاسمة في كل من السودان والجزائر، وقد تجد العديد من الحركات الاحتجاجية صعوبة في تشكيل تحالفات مع النظام الحاكم، وبدلاً من ذلك تفضل الإثارة الكبيرة للهجوم الكامل على نظام ما، لكن الاحتجاجات الأكثر فعالية تهدف إلى اختيار بعض الزعماء الأقوياء من أجل إضعاف النظام. على سبيل المثال لم تواجه حملة المهاتما غاندي ضد الحكم البريطاني في الهند القوة الاستعمارية مباشرة، وبدلاً من ذلك، إلى جانب بعض شكوك زملائه المتمردين، بدأ غاندي بمسيرة احتجاجية ضد ضريبة الملح البريطانية في عام 1930.

وتزيد شبكات التواصل الاجتماعي عموما من صعوبة بناء مثل هذه التحالفات غير المحتملة، وتُعتبر المنصات الرقمية جيدة في جمع الآراء السلبية ونشرها عبر الإنترنت، لكن من المرجح أن تعمل على تقسيم الحركة بدلا من مساعدتها في بناء الجسور.

ويمكن أن توحد الحركة التشاركية بسرعة أولئك الذين يتقاسمون التظلمات نفسها، سواء تجاه الرأسمالية العالمية أو خطط المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي، ويتطلب ذلك توحيد الناس حول هدف إيجابي، وتعبئتهم بطرق فعالة لتحقق ذلك الهدف.

وتتطلب الاحتجاجات الناجحة قيادة فعالة، سواء كانت فردية أو جماعية، وعليها تجاوز الحديث عن "الحقيقة للسلطة" في الشوارع، فالتغيير يحدث عندما يجد المواطنون طرقا للتعبير عن الحقيقة من داخل السلطة وخلق ائتلافات من غير المحتمل أن تتم عبر الإنترنت، وهكذا يمكن أن تسهل الأدوات الرقمية التنظيم السياسي الفعال، لكن لا ينبغي أبدا النظر إليها كبديل لذلك.

* نايري وودز

* عميدة ومؤسسة كلية بلاغاتنيك الحكومية بجامعة أكسفورد.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top