لامارتين!

نشر في 28-04-2019
آخر تحديث 28-04-2019 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم هو أمير شعراء فرنسا، كتب الكثير من الشعر، لكن خلّدته قصيدته الشهيرة، التي سأروي ملامح من الظروف التي جعلتها واحدة من أهم القصائد الشعرية في عالم الشعر العاطفي والإنساني منذ أربعة قرون!

***

• في ركنٍ دافئٍ من القاعة السفلية في مصحة الدكتور بيرييه المطلة على بحيرة ليبان– على الحدود الفرنسية السويسرية– جلس الشاعر الشاب لامارتين مع حبه الجديد، الذي التقاه في نفس المصحة منذ أن دخلها... أرادت هي أن تحدثه عن حياتها قبل أن تتعرف إليه، فقال لها:

- لستِ ملزمة أن تقولي ما لا تريدين قوله... يا حبيبتي.

قالت: بل لابد أن تعرف عني كل شيء... فالله وحده يعلم ماذا سيصيب زوجي العزيز جاك من جراء هذه العاطفة الجياشة التي تكثفت بداخلي حيالك.

ثم روت له أنها كانت يتيمة، وتعيش مع عمتها تأكل يوماً وتجوع أياماً... كان عمرها ستة عشر عاماً عندما شاهدها الرجل الثري الذي يكبرها بأربعين سنة، وتقدم للزواج منها، ولم تخطر معارضة هذا الزواج بذهنها، وكانت سعيدة أنها تخلّصت من البرد القارص والفقر المدقع والبؤس... وكان الرجل يتعامل معها برقةٍ، ومودة... وعرضها على أشهر أطباء باريس.

كانت تروي له الكثير من أحداث حياتها بالدموع، وكان لامارتين يشهق بدموعه هو الآخر.

***

• الدكتور بيرييه- صاحب المصحة– كان يراقب الأحداث مشفقاً على الشاعر الشهير من هذا الحب المتدفق:

-عزيزي ألفونس أنت جئت إلى المصحة لتشفى من مرض، فلا تُلقِ نفسك في براثن مرض أخطر... لا أعني الحب.

- فماذا تعني إذاً؟.

- إنه الدرن... السيدة جوليا مصابة بالدرن المعدي، وفي طور متقدم، إنها تبصق دماً.

***

• لكن السعادة الطافحة قد أعمت الشاعر العاشق عن الأخطار المحدقة به، وأراد يوماً على شاطئ البحيرة أن يقبلها... فقالت له:

- لا يا ألفونس اقنع نفسك أنني بمنزلة أختك.

-الله... الله... رغماً عني يا حبيبتي.

-سأقرأ عليكَ ما كتبه لي زوجي بعد أن أخبرته بكل شيء، وقلت له إنك تعاملني بمنزلة أختك.

- لم يكن من الحكمة أن تكتبي إليه.

- لماذا؟... إننا لم نرتكب إثماً.

- فماذا كتبَ إليكِ؟

- إنني لسعيد حقاً يا عزيزتي أن وجدتِ لك أخاً شاباً قريباً من سنك، أهنئك بالأخ الجديد، ولكن بالله لا تنسي صداقات أخرى أشد متانة.

- ماذا فهمتِ من إشارته الأخيرة؟

- بل عرفت ماذا يريد... ولهذا سأعود إلى باريس.

***

• وسافرت ثم عادت، وسافر هو الآخر ثم عاد، وكانا يلتقيان على البحيرة عدة مرات في اليوم الواحد، وكانا يرتادان المصحة عدة مرات في العام الواحد، تطول أيام بعضها لأشهر فصارت لهما ذكريات مع كل مفردات قرية ليبان.

وفي ذات يوم قالت له، والدموع تترقرق في عينيها:

- حبيبي أنا مجرد شبح... ألم تقل لي يوم رأيتني، أول مرة، لماذا يحيط بك الموت؟

-(بكاء) كفي عن هذا يا حبيبتي.

- الحياة واسعة أمامكَ يا ألفونس.

-(ببكاء) من فضلك كفي... كفي.

فدسّت في يده كراسة صغيرة، وقالت له:

-املأ هذه الكراسة بشِعرك ليقرأ العالم أصدق المشاعر... ثم غادرت المصحة.

***

• انتظرها طويلاً ولم تعد... فظهرت للعالم بغيابها قصيدة (البحيرة):

أيتها البحيرة الصديقة

أوشك العام أن يسجن خزانة الماضي

لن تنكري أيتها البحيرة

لن تنكري... فلقد رأيتنا معاً

ولكنها اليوم ليست معي

back to top