فضائح ترودو تقوّض قيادة كندا بشأن فنزويلا

نشر في 23-04-2019
آخر تحديث 23-04-2019 | 00:00
 ريل كلير يواجه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو فضيحة لتدخله في الملاحقة القضائية لشركة "إس إن سي-لافالين"، وهي شركة هندسة مقرها في كيبك تشغّل عدداً كبيراً من الموظفين، وأدت هذه المسألة إلى تبديد التقدم الذي كان يحققه الحزب الليبرالي على خصومه المحافظين في الحملة الانتخابية هذه السنة، إلا أن شعبية ترودو ليست المتضرر الوحيد في هذه المسألة، فقد ألهت المشاكل السياسية رئيس الوزراء عن الأزمة الفنزويلية التي تزداد عمقاً في حين كانت كندا قد بدأت تعرب عن استعدادها لصوغ رد الفعل الدولي. قبل فضيحة "إس إن سي"، كانت كندا، وهي إحدى الدول الأعضاء المؤسسة في مجموعة ليما، في طليعة الجهود الإقليمية الرامية إلى تنظيم عملية انتقال سلمية وديمقراطية في فنزويلا.

قلما تغوص أوتاوا عميقاً في مشاكل أميركا اللاتينية، لكن ترودو شكّل هذه المرة لاعباً رئيساً، وانسجمت مقاربة ترودو مع آراء غالبية الدول في المنطقة التي تلتزم بالمسار غير العسكري للإطاحة بحكم الرئيس نيكولاس مادورو.

في فبراير أدلى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بخطاب شديد اللهجة أمام مجموعة ليما في بوغوتا، مكرراً تهديد ترامب بأن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، وفي المقابل رفضت مجموعة ليما مقاربة الولايات المتحدة، مؤكدة أن أي عملية انتقال "يجب أن يخوضها الفنزويليون أنفسهم سلمياً ضمن إطار الدستور والقانون الدولي"، وانسجم هذا مع موقف كندا، التي تؤيد العقوبات بشدة إلا أنها ترفض العمل العسكري رفضاً قاطعاً، فبعد قمة بوغوتا أعلنت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند أن أوتاوا تنسّق مع حلفائها كي تمنح العقوبات المفروضة على مادورو "تأثيراً أكبر"، وقبل أيام أعلنت كندا فرض عقوبات جديدة ضد 43 فنزويلياً. وقبل فضيحة "إس إن سي"، كانت كندا من أبرز الأصوات في هذه المسألة.

وفي مطلع فبراير اجتمع وزراء خارجية مجموعة ليما في أوتاوا لمناقشة مستقبل فنزويلا والاستماع إلى إعلان كندا تخصيص عشرات ملايين الدولارات للمساعدات الأجنبية، وشارك زعيم المعارضة الفنزويلي خوان غوايدو في هذا اللقاء بواسطة تصوير الفيديو. أما ترامب ومساعدوه الذين يدقون طبول الحرب، فتغيبوا عن هذا اللقاء رغم اهتمامهم بالموضوع، وكان هذا الغياب متعمداً، نظراً إلى تاريخ التدخلات الأميركية في أميركا اللاتينية وافتقار ترامب إلى الشعبية في هذه المنطقة، حيث ولّدت قيادة البيت الأبيض بشأن أزمة فنزويلا خليطاً من ردود الفعل والنتائج، لكن ترودو لا يواجه عبئاً مماثلاً، ونتيجة لذلك شكّلت كندا لاعباً أساسياً لم يحظَ بالتقدير المناسب منذ بداية حملة الضغط على مادورو.

بعدما فاز مادورو بولاية ثانية في انتخابات غير نزيهة في مايو رفضت كندا النتائج التي اعتبرتها فريلاند "صورة هزلية عن الديمقراطية"، وقبل حفل تسلم مادورو السلطة في يناير، انضمت كندا إلى إعلان صدر عن مجموعة ليما رفض رسمياً ولاية مادورو الثانية، وطالب بانتخابات جديدة، وهدد بفرض عقوبات، ودعا مادورو إلى الاستقالة.

عندما أعلن رئيس الجمعية الوطنية غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً بعد أيام، مستنداً إلى مادة في الدستور بشأن الفراغي الرئاسي، سارعت كندا إلى دعمه، دافعةً دولاً كثيرة حول العالم إلى القيام بالمثل والاعتراف بغوايدو.

تعتبر اليوم عشرات الحكومات الديمقراطية غوايدو قائد فنزويلا الشرعي، بما فيها بريطانيا العظمى، وفرنسا، وألمانيا، ولكن في تلك المرحلة كان قرار كندا جريئاً وبالغ الأهمية لأنه شكّل تعبيرا عن دعم من إحدى الديمقراطيات الأكثر احتراماً في العالم ودليلاً على أن غوايدو لم يكن مجرد دمية أميركية.

ترودو يُعتبر أحد القادة الليبراليين القلائل الذين ما زالوا يتقيدون بالمبادئ والأخلاق، لكن قضية "إس إن سي" لطخت مصداقيته كمدافع عن حكم القانون والقيم الليبرالية، فحتى قبل الفضيحة، لم يكن دور كندا في رد الفعل ضد فنزويلا خالياً من أي شائبة، فقد رفض ترودو منح اللجوء لعدد كبير من الفنزويليين، رغم تخطي عدد المهجرين ثلاثة ملايين، وقد يصل إلى خمسة ملايين السنة المقبلة.

رغم ذلك، يبقى تراجع دور كندا السريع في مسألة فنزويلا خسارة كبيرة، ومن دون ترودو يصبح الائتلاف الدولي أكثر عرضة لمناورات ضغط البيت الأبيض، منها التهديد بالتدخل العسكري، وقد يؤدي هذا بمرور الوقت إلى تفكك الائتلاف ويساعد مادورو في تصوير نظامه القمعي كضحية لاعتداء خارجي.

ومن حسن الحظ ألا داعي أن تنسحب كندا بالكامل، ففريلاند دبلوماسية ماهرة ونجمة بدأت تبرز في الحزب الليبرالي، لذلك تسمح لها مكانتها بالحفاظ على قيادة كندا والمساهمة في منع مادورو من تصنيف الرد الفعل الدولي حملة عقائدية عدائية.

* بنجامين جيدان ونيكولاس سالدياس

*«ريل كلير ورلد»

back to top