ثورة في قلب العاصمة... دون دماء

نشر في 22-04-2019
آخر تحديث 22-04-2019 | 00:25
 أ.د. غانم النجار تصادف مروري بلندن في زمن مختلف عن العادة، حيث أغلقت ساحات رئيسة، وسيطر عليها متمردون، فكانت هذه المشاهدات.

المتمردون، سلميون حتى النخاع، والسلمية مبدأ استراتيجي وليس تكتيكاً، يستهدفون إنقاذ الأرض من تغير المناخ الذي سيدمرها. لماذا اللاعنف؟ يقول منشور لحركة "التمرد قبل النهاية": "اللاعنف يؤدي بفعالية إلى خلق ثقافة محترمة مؤسسة على الثقة، وفي نفس الوقت التصدي والكشف عن غياب العدالة". سألت أحدهم: هل هي ثورة أم تمرد؟ فقال: "الاثنان معاً، إنهم يريدون تغيير المناخ مما سيؤدي للقضاء على الأرض، ونحن نريد تغيير النظام لحماية الأرض". حرص المتمردون على جمع القمامة، وتنظيف الطريق، والطعام الذي يوزعه المتطوعون في الغالب من النوع الصحي أو فيغان، كما رفعت إعلانات تحذر من تعاطي الكحول أو المخدرات، الإعلانات أغلبها مكتوب بخط اليد، أعمار المشاركين، وإن غلب عليها الشباب، إلا أن نسبة الكبار عالية. أعلنت الحركة خمسة مواقع، فموقع ماربل آرش، الذي أغلقت شوارعه، وانتشرت فيه الخيام الصغيرة للمبيت، أطلقوا عليه "إنها حالة عاجلة"، أما أوكسفورد سيركس "قل الحقيقة"، وفي بيكاديللي سيركس "الحب"، أما في ساحة البرلمان "ما وراء السياسة"، وعلى جسر واترلوو "تحركوا الآن".

ورغم أن الحركة سدت الطرق وعطلت الأعمال وحاولت تعطيل القطارات وهددت بتعطيل مطار هيثرو، فإن ردود الفعل بشكل عام كانت عادية، وأغلبها متعاطف وداعم، فالصحافة، باستثناء بعض الصحف "التابلويد"، نقلت وجهة النظر، بمقالات وافتتاحيات داعمة، ومطالبة السلطات المعنية بالتجاوب مع مطالب حركة التمرد، لأن العالم يواجه خطراً حقيقياً بالدمار والزوال، إن استمرت ممارسات الدول الكبرى على هذا المنوال.

الملاحظ أيضاً هو أن حركة التمرد كانت منظمة جداً، ومحددة الهدف، واضحة المعالم، علنية المقاصد والوسائل، سلمية حتى النخاع، بلا كحول ولا مخدرات. لم يقل أحد حتى خصوم الحركة إنها مؤامرة خارجية، أو إنهم أدوات لأعداء الأمة. بالتأكيد الثقافة السائدة تخلق ذلك المناخ. سألت شرطي يراقب التجمع ويحرسه: هل من صلاحياتكم فض التجمع، خاصة أنه يغلق الشارع؟ أجاب: "مادام التجمع سلمياً فالقانون لا يسمح لنا باستخدام القوة، لكن نستطيع اعتقال من يسد الطريق لفترة وجيزة ثم إطلاق سبيله"، واسترسل: "وكما تلاحظ، ان المحتجين يلقون بأنفسهم على الأرض، ولكي نعتقلهم نحتاج لأربعة شرطيين لكل محتج، وهو أمر يستغرق وقتاً، وعدد المحتجين كبير، المزعج في الأمر أنهم اختاروا عطلة الايستر فحرمونا من قضائها مع العائلة". وأكمل: "ربما نحتاج لقانون جديد للتعامل مع مثل هذه الحالات، لكني لا أؤيد استخدام العنف من الشرطة، فالاحتجاج سلمي، ومن الملائم أن نتعامل معه سلمياً". سألته وما رأيك في مطالب المحتجين؟ ابتسم "مطالب عادلة".

back to top