أزمة المياه والفرص الضائعة

نشر في 21-04-2019
آخر تحديث 21-04-2019 | 00:07
 هاني المير يحتفل العالم بتاريخ 22 مارس من كل عام باليوم العالمي للمياه وذلك لجذب الانتباه إلى أهمية المياه العذبة والدعوة إلى الإدارة المستدامة لموارد المياه العذبة، وكما هو معروف فإن الماء هو عنصر أساسي للحياة، وتعتمد أجسامنا ومدننا وصناعاتنا وزراعتنا وأنظمتنا الإيكولوجية على المياه، كما أن نقص المياه العذبة في كثير من أجزاء العالم أدى إلى قيام الكثير من الأزمات والصراعات بين الدول للسيطرة على الموارد الطبيعية للمياه العذبة، ومن أبرز تلك الصراعات الحرب المائية المستمرة بين تركيا وكل من سورية والعراق، بالإضافة إلى مطامع إسرائيل في المياه العربية وسرقتها للمياه اللبنانية والفلسطينية، وكذلك المشاكل المتصاعدة في إفريقيا ودول حوض النيل وأجزاء أخرى كثيرة في العالم.

إن فكرة كون المياه موفورة نظرا لأنها تغطي 70% من مساحة كوكب الأرض هي فكرة خاطئة ومضللة، وذلك لأن حجم المياه العذبة من إجمالي كمية المياه الموجودة على سطح الأرض تبلغ 2.5% فقط، وهذه الكمية مسؤولة عن تدعيم حياة 7 مليارات نسمة تعيش على كوكب الأرض world resources institue، وحسب دراسة للمعهد العالمي للموارد فإن 33 دولة في العالم ستعاني بحلول عام 2040 جفافا كبيرا ونقصا حادا في المياه العذبة، منها 16 دولة عربية، حيث أشارت الدراسة الى أن البحرين والكويت وقطر تأتي في المرتبة الأولى للدول المهددة بالجفاف بالإضافة إلى سان مارينو وسنغافورة، وبالرغم من معاناة الدول الخليجية بمناخها الصحراوي والارتفاع الكثير بدرجات الحرارة، فإن ذلك يصاحبه استغلال غير محكم وهدر كبير للمياه المتوافرة لا ينم عن وعي كافٍ لأهمية هذا العنصر بالرغم من التوقعات الكبيرة للزيادة السكانية وتزايد الطلب على المياه فيها.

ماذا عن الكويت؟

كما ذكرنا سابقا فإن دول الخليج تعاني من المناخ الصحراوي الجاف ودرجات الحرارة المرتفعة، وتعتبر المياه الجوفية هي المصدر الطبيعي الوحيد للمياه، وهناك دراسات عديدة تحذر من استنزاف هذا المصدر الطبيعي بدون وضع الضوابط الكفيلة بتنظيم استخداماته والمحافظة على استدامته، وقد دفع هذا الحجم الهائل من الاستهلاك بتلك الدول إلى التوسع في إنشاء محطات تحلية المياه باعتبارها الحل المناسب لتلبية الطلب المتزايد على المياه العذبة، وتخطط الكويت حاليا لتحلية ما مقداره مليار غالون مياه يوميا من مياه البحر في عام 2035 وذلك لتلبية الاستهلاك المتوقع.

وبالرغم من المشاركات المتعددة للمسؤولين الكويتيين في المؤتمرات والندوات الدولية التي تناقش مشكلة نقص المياه فإن الاندفاع والتركيز على التوسع فقط في إنشاء المزيد من محطات التحلية بالرغم من تكلفتها العالية دون النظر إلى البدائل الأخرى المتوافرة إنما ينم عن قصور واضح في التعاطي مع هذه المشكلة، وعدم وجود استراتيجية وطنية تنظم هذه المسألة بالرغم من أهميتها الكبيرة.

ما البدائل المتوافرة؟

كما ذكرنا فإن الكويت تعتمد بشكل شبه كلي على محطات تحلية المياه، والاعتماد على المياه الجوفية لبعض الاستخدامات الأخرى، كما يوجد في الكويت أكبر محطة في العالم لتنقية مياه المجاري ومعالجتها بالطريقة الرباعية، بالإضافة إلى قرب الانتهاء من تشغيل محطة أخرى في جنوب البلاد لمعالجة مياه المجاري بطاقة تكرير تبلغ 500.000 متر مكعب في اليوم مما يجعلها الأكبر من نوعها في المنطقة، إلا أنه وللأسف نتيجة لعوامل متعددة اجتماعية وسياسية وتاريخية وقصور في التوعية فإن استخدام المياه المعالجة رباعيا هو استخدام محدود ولا يرقى إلى مستوى المبالغ المصروفة على معالجة تلك المياه، بالرغم من جودتها العالية وصلاحيتها حتى للشرب. أما المثير للاستغراب فهو الإهمال الكلي للمياه الرمادية، وهي التي تعتبر الرافد الأنسب لتعزيز الموارد المائية المحدودة نظرا لتوافرها بكثرة، ويمكن معالجتها بتكلفة تقل كثيرا عن تكلفة معالجة مياه المجاري، ولا تحتاج إلى بنية أساسية معقدة، وهنا لا بد أن نشير إلى أن تسمية المياه الرمادية تطلق على تلك المياه الناتجة عن مياه المغاسل ومياه الاستحمام ومياه الوضوء، حيث استمدت اسمها من كونها مياها متوسطة بين المياه النقية الصافية أو ما يسمى المياه البيضاء، وبين مياه المجاري والصرف الصحي عالية التلوث أو ما يسمى المياه السوداء، وتمتاز المياه الرمادية بأنها مياه شبه نقية لأنها مياه نظيفة في الأصل اختلطت بفعل الاستخدام مع بعض الزيوت والصابون وبعض الملوثات البسيطة، وتشير التقديرات إلى أن كمية المياه الرمادية الناتجة عن الاستخدامات اليومية تتراوح بين 50% و70% من إجمالي المياه المستخدمة في المرافق والمساكن، فإذا علمنا أن كمية الاستهلاك اليومي للمياه العذبة في الكويت تبلغ 400 مليون جالون يوميا فإن ذلك يعني أن كمية المياه الرمادية لن تقل عن 200 مليون جالون يوميا.

طبعا لن يكون من الممكن استغلال تلك المياه حاليا نظرا لعدم جهوزية البنية التحتية المناسبة لتجميع تلك المياه، إضافة إلى عدم تصميم حمامات المساكن بالطريقة المناسبة لفصل المياه الرمادية عن مياه المجاري، مما يشكل شبه استحالة لتجميع تلك المياه في المناطق الحالية، إلا أن ما يهمنا هو اغتنام فرصة النهضة العمرانية النشطة التي تشهدها الكويت وإنشاء المدن الجديدة مثل مدينة صباح الأحمد ومدينة جابر الأحمد وتوسعة الوفرة ومنطقة غرب عبدالله المبارك وجنوب سعد العبدالله ومشروع الخيران ومدينة جنوب صباح الأحمد ومشروع نواف الأحمد "مدينة الصابرية" بالإضافة إلى مدينة الحرير ومشاريع الجزر الجديدة، والتي ستحتوي بمجملها على ما لا يقل عن 200000 وحدة سكنية سوف يوفر فرصة ذهبية لن تتكرر لتجهيز جميع تلك المدن بالبنية التحتية المناسبة، وكذلك إعداد التصاميم الهندسية لحمامات المنازل لفصل المياه الرمادية عن مياه المجاري حتى يمكن تجميعها تمهيدا لتنقيتها واستخدامها.

وهناك مجالات واسعة لاستخدام تلك المياه، حيث يمكن معالجتها بالفلترة البسيطة بالرمال واستخدامها لري الأحزمة الخضراء المحيطة بتلك المدن مما يمنع زحف الرمال عليها ويخفف نسبة الغبار ويحسن جودة الهواء وخفض حرارة تلك المدن.

أيضا فإنه يمكن تعزيز المشاريع الزراعية بصورة كبيرة، خصوصا أن هناك تجارب واعدة ومشاريع زراعية كثيرة تمت إقامتها في مناطق مختلفة من العالم مثل أستراليا وكازاخستان والولايات المتحدة والأردن وعمان باستخدام المياه المعالجة، ومن أبسطها مشاريع زراعة الأعلاف التي تمت بنجاح كبير، والتي من المؤكد جدواها اقتصاديا نظرا لانخفاض تكلفة معالجة المياه الرمادية عن معالجة مياه المجاري، مما يفتح المجال واسعا لزراعة مساحات شاسعة بالأعلاف المناسبة لبيئة الكويت ويقربنا أكثر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعلاف للاستخدام المحلي، بل قد يمهد الطريق إلى إقامة مزارع عملاقة للإنتاج الحيواني اعتمادا على المياه والأعلاف المنتجة بهذه الطريقة، علما أن وكالة حماية البيئة الأميركية قد أكدت سلامة هذه المياه لزراعة المحاصيل والأعلاف. أما البعد الاقتصادي الأهم والمباشر لاستخدام المياه المعالجة فهو أن كمية المياه العذبة التي يمكن توفيرها فيما لو تم استخدام المياه المعالجة لتغذية سيفونات المنازل في المدن الجديدة (تستهلك سيفونات المنازل ما يقارب 40% من إجمالي استهلاك المنازل من المياه العذبة) فإن ذلك يعني توفير 120 مليون جالون إمبراطوري يوميا تبلغ تكلفة تكريرها ما يقارب 430 مليون دينار سنويا.

كما أن هناك استخدامات كثيرة أخرى لتلك المياه لا يمكن قياس أثرها الاقتصادي حاليا مثل استخدامها لحقن الآبار لتغذية وتعزيز مخزون المياه الجوفية وكذلك إنشاء الواحات في المناطق الصحراوية النائية وزيادة المساحات الخضراء داخل المدن

من الواضح أن تجميع ومعالجة المياه الرمادية وإعادة استخدامها يشكل عنصرا استراتيجيا رئيسا لتعزيز الموارد المائية للكويت، وأن هناك فرصة ذهبية يجب أن نسابق الزمن لاغتنامها واستغلال إنشاء المدن الجديدة لتعزيز هذا المورد الحيوي، وهذا لن يتحقق إلا عن طريق إدارة مركزية فنية متخصصة تفتقدها الكويت حاليا، نظرا لأن مسؤولية إدارة موارد المياه مبعثرة حاليا بين جهات عدة، فإنتاج وتكرير المياه ومحطات التقطير تقع تحت مسؤولية وزارة الكهرباء والماء، أما عمليات معالجة مياه المجاري وشبكات التجميع فإنها تحت مظلة وزارة الأشغال العامة، ولا توجد جهة متخصصة تهتم بالتصاميم الداخلية لشبكات المياه والمجاري داخل المنازل، مما يبرز الحاجة إلى تجميع جميع الجهات المعنية تحت مظلة مركزية واحدة تقوم بإدارة مرفق المياه في الدولة بصورة متكاملة، وتشرف على إعداد ووضع سياسة وطنية شاملة لاستغلال وإدارة مصادر المياه في الدولة، وتتولى وضع السياسات والتصاميم وفقا للمعايير العالمية لتقليل الهدر في استخدام المياه، وكذلك وضع آليات وقواعد التشغيل التي تضمن سلامة ونوعية المياه، مما يحتم إنشاء الهيئة العامة للموارد المائية للقيام بذلك.

فهل سنشهد إنشاء تلك الهيئة؟!

back to top