عتبة الوجاهة

نشر في 19-04-2019
آخر تحديث 19-04-2019 | 00:08
 خالد اسنافي الفالح تطل علينا بين الفينة والأخرى، عبر الصحف والوسائط الاجتماعية، أخبار عن اكتشاف وزارة التعليم العالي حالات شراء أو تزوير للشهادات العلمية العليا، وبين المشيد والمستنكر والناقم، يضيع السؤال الأهم: لماذا شراء أو تزوير الشهادات؟ يحاول المقال، رغم محدوديته، التعمّق بالنظرة في الـتحليل والابتعاد عن السطحية، تطبيقاً لمبدأ اعتمدناه كمستقلين منذ سنيّ التعلم الجامعي. الشهادة العلمية أصلاً كأي بطاقةٍ مدنيّةٍ أخرى تفيد اعتراف المدارس العليا بتأهيل الحاصل عليها للعمل في المهن المتطلبة لهذا التخصص العلمي، وهي وفقاً لحقيقتها هذه لا تختلف عن بطاقة قيادة السيارة التي نقدمها لشرطة المرور أثناء نقاط التفتيش على الطرقات، لكنها واقعاً- وتحت ضغط الأعراف الطبقية في المجتمع- تحوّلت إلى رافعة اجتماعية ترتقي بالأفراد الحاصلين عليها لمرتبة الوجاهة! حتّى مس التمايز الطبقي الفئة المتخصصة نفسها، ليُدخل مدة التأهيل العلمي ضمن اعتباراته، فكلما زادت هذه المدة صار المتخصص أكثر وجاهة! لذلك، حرص جيل والديّ على أن يكون أبناؤهم أطباء ومهندسين، ويحرص الجيل التالي على أن يحصل أبناؤهم على درجة الحكمة (الدكتوراه) والأستاذية (الماستر) في التخصصات العلمية، ولا أدري ماذا بقي ليحرص عليه جيلي إذا ما صار أبناء الكل حكماء وأساتذة؟! الدولة- كنظام سياسي ومؤسسات السلطة- في الكويت، مستنسخة عن مجتمعها، لذلك ستجد أعرافه الطبقية متغلغلة في هيكلها الإداري، وخصوصاً في أنظمة الترقي الوظيفي! فهي توفّر العدد الأكبر من الشواغر الوظيفية لأصحاب التخصصات العليا، سعياً نحو قلب الهرم الإداري، وعملاً بالمنطق المنكوس! وهي كذلك- وبلا اعتبار للخبرة العملية التي هي المنطلق أصلاً لتقييم الأداء وترشيح المتنافسين على المناصب الأعلى والتفاضل للحصول على الترقية- تعتبر الحاصل على الشهادة التخصصية العليا حديثاً أقدر على القيادة وتسيير الأعمال، أمام صاحب الشهادة التخصصية الأدنى، ولو كان صاحب الخبرة العملية الطويلة!

وبناءً على ذلك، ودون إغفال ما تتناقله الأجيال من العِبر والحكم والعظات والأمثال على غرار "من له حيلةٌ فليحتل!"- التي تعتبر الاحتيال من أمارات النبوغ- ففي بيئة كهذه تحرّض أفرادها على هدم كل باب لاقتناء أميز الألقاب، تصير كل وسيلة متّخذة لغاية اللقب مشروعةً عرفاً، لأن اللقب عنوان المقال.
back to top