عزيز العرباوي: النقد العربي يعيش أزمة

اتهم العديد من الأدباء العرب بأنهم لا يجيدون الكتابة ولا يتقنون قواعد اللغة!

نشر في 19-04-2019
آخر تحديث 19-04-2019 | 00:03
يعد الناقد المغربي عزيز العرباوي واحدا من أهم النقاد العرب، وقد بزغ نجمه خلال السنوات الأخيرة من خلال قراءته المتأنية للمشهد الإبداعي عبر مقالاته المتناثرة في صحف عربية، أو كتبه التي تُشرِّح الظواهر الأدبية، وفي حوار لـ "الجريدة" أكد أن النقد العربي يعيش أزمة في التعاطي مع النص الأدبي، متهما العديد من الأدباء العرب بأنهم لا يجيدون الكتابة ولا يتقنون قواعد اللغة! وإلى نص الحوار:
● كيف ترى دور النقد في عالمنا العربي، وهل يسير في مسار موازٍ بحيث يغطي غالبية المنتج الأدبي؟

- الأمر يتعلق بنوع النقد الذي نقصد التحدث عنه. فهناك نقد أكاديمي، وهو من النوع الذي يتعاطى مع النص الأدبي من خلال رؤية أكاديمية تستدعي نظريات ومناهج أدبية معينة ومتعددة، وهذا النوع من النقد قاصر على متابعة المنتج الأدبي العربي الغزير، ولذا يصعب عليه أن يدخل حلبة السباق مع هذا المنتج، لأنه سيخسر الرهان لا محالة.

أما النوع الثاني فهو النقد الصحافي أو إن صح التعبير النقد الأدبي الأفقي، الذي يتعاطى مع النص الأدبي من الناحية الأسلوبية، ومن خلال الظواهر والقضايا التي يعالجها، فإننا يمكننا القول إنه قادر على مسايرة ما ينتج من أدب عربي من المحيط إلى الخليج ولو نسبياً، لأن أغلب الصحف العربية إن لم نقل جميعها تُخصص صفحة يومية أو صفحات أو ملاحق أسبوعية للثقافة والأدب تنشر فيها العديد من الدراسات والمقالات النقدية التي تدرس وتكتب عما يُنشر هنا أو هناك من نصوص أدبية.

● برأيك متى يصبح النقد آفة، وهل لا تزال هناك ظاهرة الشللية التي يُجامل فيها نقادٌ أدباءً بعينهم؟

- يمكن القول إن ظاهرة النقد العربي المرتبط بالمجاملة والبحث عن إرضاء المبدع رائجة بوفرة في سوق الأدب والثقافة العربية، بل إن بعض النقد صار بمنزلة الوسيلة الأفضل لمحاباة كتاب مشهورين ورواد في الكتابة الأدبية في كل قطر عربي، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، أصبح الناقد العربي يحاول ما أمكنه ذلك عدم إغضاب المبدع والبحث عن كل ما يسعده في نقده، خاصة أن أغلب هؤلاء الأدباء الرواد يكونون إما في مركز القرار السياسي أو مسؤولين في صحف ومجلات ودور نشر، وكل نقد لا يروم إرضاءهم ولا يسعدهم يمكن أن تكون نتائجه غير محمودة بالنسبة للناقد الشاب أو حتى الناقد الرائد الذي له باع طويل في الكتابة النقدية.

ومن هنا نخلص إلى القول إن النقد العربي يعيش أزمة حقيقية في التعاطي مع النص الأدبي. فأين هي المناظرات النقدية والفكرية التي كنا نقرأها سابقاً بين نقاد وأدباء كبار وصلت في بعض الأحيان إلى الصراع الأيديولوجي والتنابز بالألقاب؟ وأين نحن الآن من نقد تمكّن من تصحيح مسار الكتابة الأدبية وحارب التفاهة والرداءة الأدبية؟!

● مبدعون كُثر يقولون إنهم يكتبون دون الالتفات لآراء النقاد، والقراء غالباً لا يهتمون بقراءة النقاد... لمن يكتب النقاد بالأساس؟

- قد يكون هذا الكلام صحيحاً بالنسبة إلى المبدع عموماً، لكن هل فكر المبدع حقيقة في أن النقد هو الوسيلة الأصلح لتوجيه مسار الإبداع العربي وتصحيح زلاته وأخطائه؟ العديد من المبدعين والأدباء العرب الذين ينشرون اليوم كتبهم ونصوصهم من خلال العديد من الوسائط، لا يجيدون الكتابة الأدبية ولا يتقنون اللغة العربية بنحوها وصرفها وإملائها، فهناك من يخطئ في رسم الهمزة، ولا يفرق بين التاء المربوطة والمبسوطة، لكنه مشهور وكتاباته رائجة، لأن القارئ العربي كسول لا يحاول الوقوف على مدى صلاحية ما يقرأ ومدى أهمية النص الذي يتعاطى معه. في ظل هذا الوضع، هل يمكن للمبدع أن يهتم للناقد؟ طبعاً لا. فما دام أدبه يصل إلى القراء بمختلف مشاربهم ويتلقى الدعم والتشجيع من هنا وهناك، فإنه لن يهتم للنقد ولما يكتبه عنه النقاد الحقيقيون.

● لك العديد من الدراسات النقدية عن الشعر والرواية، في ضوئها أيهما يسود المشهد الأدبي راهناً، الشعر أم الرواية؟

- بالنسبة إليّ، لا يمكنني المفاضلة بين هذين الجنسين من ناحية السيادة ولا من ناحية الأهمية، فالشعر ضرورة ثقافية لا يمكننا الاستغناء عنها، لأنه تعبير فني عن آلامنا وعذاباتنا ومعاناة البسطاء في المجتمع العربي عموماً. والرواية تعبير فني أيضاً يبحث عن نقد الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي نعيشها اليوم. قد نقول إن الرواية اليوم أصبحت لها أهمية كبيرة عند المبدع العربي، نظراً لاهتمام القراء الكبير بها، لكنها لن تكون الجنس الوحيد الذي يتسيد على حقل الأدب والإبداع.

● إلى أي مدى ترى أن التراث الأدبي الشعبي يحظى باهتمام الكتاب والنقاد العرب؟

- التراث الأدبي الشعبي أصبح جنساً أدبياً مهماً في العالم العربي، وذلك راجع بالأساس إلى الاهتمام البالغ الذي يعطيه النقاد له من خلال مراجعته وتحليله وإعادة إصدار مخطوطاته وتحقيقها. كما أن ظهور العديد من المراكز البحثية في الأدب والتراث الشعبيين وإصدار مجلات متخصصة فيهما ساهم بشكل كبير في ذلك.

● الكتابة النسوية هل استطاعت أن تتجاوز عقبات الماضي في ظل ما نراه من تنامٍ واضح في عدد المبدعات العربيات وغزارة إنتاجهن؟

- بالفعل استطاعت ذلك، لقد كان الماضي وعقباته محرضاً لها ودافعاً قوياً لظهور كاتبات وروائيات وشاعرات ومفكرات انتهكن حرَم الرواية والشعر والفلسفة، وأبدعن فيها نصوصاً جميلة، كانت مصدراً مهماً لمعرفة حقيقة المرأة وطريقة تفكيرها، ومصدراً غنياً بالأفكار والمواقف التي ساعدت في سبر أغوار النفس الأنثوية والتعرف عليها أكثر.

مشروع نقدي حول الرواية العربية

يعكف العرباوي حالياً على إعداد كتاب نقدي حول الرواية العربية، وحول هذا المشروع النقدي الجديد يقول: "سأحاول من خلاله أن أقف على أهمية الذاكرة بكل تفريعاتها انطلاقاً من المخزون الثقافي والمعرفي العربي الذي نجده في النصوص الروائية المعاصرة".

القارئ العربي كسول لا يحاول الوقوف على مدى صلاحية ما يقرأ

النقد المرتبط بمجاملة المبدع ظاهرة رائجة في سوق الأدب العربي
back to top