«عنزة ولو طارت»

نشر في 16-04-2019
آخر تحديث 16-04-2019 | 00:08
 يوسف عبدالله العنيزي وصلت عواصف الربيع العربي إلى جمهورية الجزائر، وأخذت الأمواج البشرية تجوب شوارع المدن الجزائرية وهي تهتف بالشعارات التي اعتدنا سماعها في مختلف شوارع المدن العربية، فنحن شعوب تستهويها الشعارات حتى غدت جزءاً من حياتنا وتاريخنا، فرفعنا في الماضي القريب شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

وحدثت المعركة وضاعت الأرض والمدن العربية وانتُهكت المقدسات، ثم ماذا؟ برزت لاءات الخرطوم التي تحولت إلى (نعم) كبيرة غطت عالمنا العربي، ولا ننسى الشعار باللهجة المصرية "مش حنمشي... هو يمشي" ومشى ثم ماذا؟ ولا ننسى شعار "ارحل... ارحل" ورحل ثم ماذا؟

لعل الشعار الأكثر مرارة الذي تردد صداه في أغلب المدن العربية شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، والآن أين الشعب وقد غدا يعيش البعض في خيام لا تقيه حر الصيف ولا برد الشتاء، في حين غدا البعض الآخر مشرداً في شرق الأرض وغربها كما غدا البعض طعاما للأسماك في قيعان البحار؟

ويبقى الشعار خالدا، ولا ننسى شعار إعادة الأمل بالغارات الجوية والصواريخ والطائرات المسيرة والبراميل المتفجرة، ويختفي الأمل تحت ركام المدن المدمرة، وشعار "بالروح بالدم نفديك يا زعيم"، وتساقط الزعماء الواحد تلو الآخر بصور نعف عن ذكر تفاصيلها.

وقائمة طويلة من الشعارات، فنحن شعوب تستهويها الشعارات، فهي زادنا في الحياة، ويتردد الآن في شوارع المدن الجزائرية شعار جديد وباللهجة الجزائرية وهو "ارحلوا... قاع"، بمعنى ارحلوا جميعا، والخطاب موجه للرئيس المستقيل عبدالعزيز بو تفليقة ورجال النظام المحيطين به.

والواقع أنني لم أفاجأ باستقالة بوتفليقة منذ الأسبوع الأول للمظاهرات، فقد عشت في الجزائر ثلاث سنوات في الفترة بين 1989 و1991 رئيسا للبعثة الدبلوماسية، وعرفت عن قرب ما يتميز به الشعب الجزائري من قوة المراس والعناد، ويجسد هذا العناد أن اثنين من المواطنين الجزائريين شاهدوا "غرابا" حط على الأرض، فقال الأول إنه غراب، في حين أصر الثاني على أنها "عنزة"، فأخذ الأول حجراً رمى به الغراب فطار، لكن الثاني أصر بعناد على أنها عنزة حتى لو طارت.

ندعو الله أن تتجاوز الشعوب العربية عواصف الربيع العربي وعدم الانجراف لصراعات وحروب أهلية لا يعلم إلا الله أين ستصل، ودعاء من القلب أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

ليت الاستعمار يعود يوماً

وأنا على يقين الآن والعالم العربي يمر بهذه الظروف المأساوية بأن الدول الاستعمارية تنظر إلينا بعين الشماتة، ولها الحق في ذلك، قائلة لنا: هنئياً لكم حريتكم واستقلالكم الوطني الذي كافحتم من أجله، وأخرجتمونا من أوطانكم، هنيئاً لكم فقد غدت أوطانكم تمتلئ بالسجون السرية وغير السرية، وغدا السلاح يباع في سوق الخضار، وساد القتل والاقتتال والصراعات والحروب الأهلية والإعدامات والاعتقالات، والتعذيب بأساليب نعفّ عن ذكرها.

لقد كانت تلك الأوطان في زماننا "زمن الاستعمار" تزدهر بالثقافة والأدب والفن وبروز نخبة من المبدعين، ثم الأمن والأمان، أما الآن فلا يمكن أن تجد دولتين عربيتين على وئام وعلاقة طيبة، فالمطلوب الآن دول تابعة لا دول حليفة.

حفظ الله شعوبنا وأوطاننا العربية من الطوفان.

back to top