الثابت والمتغير في التحدي الإسرائيلي

نشر في 14-04-2019
آخر تحديث 14-04-2019 | 00:14
 مصطفى البرغوثي يجب ألا تمر نتائج الانتخابات الإسرائيلية مرور الكرام، أو أن يجري التعامل معها كأمر عادي مكرر، فهذه الانتخابات كشفت بجلاء لم يعد يحتمل المرواغة، أو الضبابية، حقيقة وجوهر السياسات الصهيونية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.

الثابت في هذه السياسات أن الحركة الصهيونية، وهي مجسدة اليوم في مؤسسات الدولة الإسرائيلية، تواصل الاستراتيجية نفسها التي بدأتها مع بداية القرن العشرين:

الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بالسلب، والتزوير، والإغراءات، والقوة العسكرية، والقوانين الجائرة، ثم نشر المستعمرات الصهيونية وتوسيعها تدريجيا، ثم فرض السيادة الإسرائيلية عليها. باختصار، إنها استراتيجية الضم، والتهويد، والقضم التدريجي، وترحيل أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين.

وإذا كانت الحركة الصهيونية تتعمد في السابق إخفاء مقاصدها وتناور، فإنها تشعر اليوم أنها في أقوى حالاتها محليا، وإقليميا، ودوليا، ولا تحتاج لتمويه أهدافها.

وهذا هو مغزى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة عندما صوت الجمهور الإسرائيلي بغالبيته الساحقة لسياسة الضم، والتهويد، والعنصرية والأبارتهايد، ولا فرق هنا بين معسكري نتنياهو وغانتس.

أحد المؤشرات المهمة أن من يؤيدون ما يسمى «حل الدولتين» فازوا بأربعة عشر مقعدا فقط من أصل مئة وعشرين مقعدا، أحد عشر منها للفلسطينيين العرب، أي أن نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يؤيدون حل الدولتين (منقوصا) هو أقل من اثنين في المئة.

هذه الانتخابات كانت إعلاناً إسرائيلياً صافيا بموت «حل الدولتين»، وموت «اتفاق أوسلو»، وموت فكرة الحل الوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، وأكثر من ذلك فإن هذه الانتخابات كرست نظام الأبارتهايد العنصري بكل مكوناته، وفي مقدمتها قانون القومية.وعندما فاز معسكر نتنياهو بأغلبية غير مسبوقة، فإنه فاز على قاعدة إعلان نيته ضم كل المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية، أي ضم كل الضفة الغربية.

ويجب ألا يصغي أحد بعد اليوم لمساخر بعض المهزومين، الذين سيعودون لترديد أن تصريحات نتنياهو كانت مجرد دعاية انتخابية، فجرافات نتنياهو، وقوانينه العنصرية سبقت تصريحاته.

الثابت في التحدي الإسرائيلي هو أن المنظومة الصهيونية الإسرائيلية تريد كل فلسطين ولليهود فقط، ومن ما زال متشككا في ذلك فعليه أن يقرأ قانون القومية مرة أخرى.

لكن هذا الثابت خلق تحديات وأسئلة متغيرة وجديدة أمام الجانب الفلسطيني، وخاصة أمام المؤسسة الرسمية:

التحدي الأول: ما الهدف الاستراتيجي للشعب الفلسطيني بعد أن دفنت إسرائيل خيار المفاوضات و»حل الدولتين»؟ وكيف يمكن التوافق على هذا الهدف الاستراتيجي بين كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل، والأراضي المحتلة، والخارج؟

التحدي الثاني: كيف ستتعامل السلطة مع محاولة تحويلها بعد ضم المستعمرات الاستيطانية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، إلى مجرد إدارة ذاتية هزيلة لبانتوستانات وجيتوات صغيرة، تستعمل كغطاء أمام المجتمع الدولي لتكريس نظام الأبارتهايد رسميا في الضفة الغربية، وتستعمل كواق للاحتلال من مسؤوليات الدولة المحتلة؟

التحدي الثالث: كيف يمكن خلق جبهة فلسطينية موحدة في وجه «صفقة القرن» القادمة، والتي لن تكون سوى تغليف خبيث لخطة نتنياهو ومنظومة الأبارتهايد؟

التحدي الرابع: ما الاستراتيجية النضالية الفلسطينية لمواجهة ما أصبح حقيقة واقعة وهو نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري؟

التحدي الخامس: ما الموقف الفلسطيني الرسمي، بعد كل ما جرى، من الاتفاقات التي خرقتها إسرائيل ومزقتها، بدءا من اتفاق أوسلو، ومرورا باتفاق باريس، إلى آخر الاتفاقات والترتيبات الأمنية؟ وما الآلية لتحويل الشعارات التي أقرتها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى أفعال على الأرض؟

أكتفي اليوم بطرح هذه الأسئلة، وسأحاول لاحقا، مثلما آمل أن يحاول كثيرون، تقديم مقترحات للإجابة عنها، فلم يعد هناك مجال بعد اليوم للمراوحة في المكان.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top