لكي لا يذهب الإنفاق البحثي الخليجي هدراً

نشر في 01-04-2019
آخر تحديث 01-04-2019 | 00:07
إن قطر، وفق دراسة مجموعة الأبحاث الأميركية (باتيل)، تتصدر الإنفاق البحثي الخليجي، بنسبة (2.8%) من الناتج المحلي للأبحاث والتطوير، نسبة تماثل نسب دول كبرى، بل قد تفوقها.
 د. عبدالحميد الأنصاري قلت في مقالة سابقة "مستقبل الحداثة في الخليج" الخليج حقق تحديثاً مزدهراً، بفضل الثروة الريعية التي هي هبة المولى عز وجل، دون أن تسبقه حداثة فكرية واجتماعية وسياسية، وهذا وضع استثنائي، لأن المجتمعات المزدهرة الأخرى، سبقت حداثتها تحديثها.

تلقيت تعليقات مؤيدة، وأخرى تساوي بين الحداثة والتحديث، مهما يكن الأمر، فلا جدال في أهمية البحث العلمي في تحديث المجتمع الخليجي: سياسياً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً وفكرياً، وفِي تحقيق نهضة علمية وتكنولوجية.

التساؤلات المطروحة:

هل يساهم البحث العلمي الخليجي في تحقيق حداثة خليجية مستدامة؟ وما دوره في تطوير مشاريع التنمية والإنتاج والطاقة والأمن الغذائي والدفاعي؟! وما عقبات الاستثمار البحثي في الارتقاء بالمجتمع والدولة والاقتصاد؟

الملاحظ أن كل الدراسات العربية تركز على أن التمويل، هو العقبة الأساس في هامشية البحث العلمي، وأن الإنفاق البحثي الخليجي متدن، لا يتجاوز نسبة (1%) من الناتج القومي، مقارنة في الدول المتقدمة (2.1٪) وفي إسرائيل (4.7%) كمقارنة محرجة.

وهذا كله وهم مضلل، فالتمويل، على أهميته، ليس هو المعوق الأساس، كما أن التمويل الخليجي ليس متدنياً، ويجب عدم بخسه، فالإنفاق الخليجي يقارب الإنفاق في الدول المتقدمة، والدول الخليجية تتسابق في رصد الموارد السخية للبحث العلمي والتعليم والمراكز البحثية، والمدن التعليمية والجامعات، والإنفاق في مجالات العلوم والابتكار والتكنولوجيا وأبحاث الفضاء وتطوير المناهج واحتضان الكفاءات والأدمغة المهاجرة وتكريمها، والمؤتمرات العلمية، ورصد الجوائز للمتفوقين علمياً، وقد يصل معدل الإنفاق العلمي إلى (2%) من الناتج القومي.

ووفق دراسة مجموعة الأبحاث الأميركية (باتيل) فإن قطر تتصدر الإنفاق البحثي الخليجي، بنسبة (2.8%) من الناتج المحلي للأبحاث والتطوير، نسبة تماثل نسب دول كبرى، بل قد تفوقها، إضافة إلى وقفية خاصة للبحث العلمي، فالدولة في الخليج هي الممول الرئيس، في حين الشركات الكبرى في الدول المتقدمة هي المساهم الأكبر (70%) لأنها أول المستفيدين.

التمويل ليس هو العقبة، إنما عقبات بنيوية ملازمة للنمط الاقتصادي الريعي، أبرزها:

أولا: الحاجة أم الاختراع منذ أن اكتشف الإنسان إمكان تحويل الحجر إلى أداة مفيدة، وفي مجتمع ريعي مرفه يأتيه رزقه رغداً، ينعم أفراده بأحدث منتجات العلم والتكنولوجيا، فإن البحث العلمي لا يشكل حاجة ملحة، بل إن العلم نفسه لا يشكل قيمة مجتمعية عليا، وقد يعد البحث ترفاً فكرياً، كون المال الخليجي قادرا على تذليل المشكلات المجتمعية، واستيراد أحدث الابتكارات بكل يسر، بتوقيع واحد، يستطيع المسؤول الخليجي، إجراء صفقة استيراد أحدث مصنع أو معمل أو مستشفى أو حتى إنشاء مدينة علمية وتقنية كاملة بنظام (تسليم المفتاح) فلمَ عناء البحث العلمي والانتظار الطويل لاستنبات (العلم) وتوطينه؟!

ثانياً: لا يشكو الخليج نقصاً في البحوث، هناك فيضان بحثي يتجاوز الـ150 ألف بحث؟ لكنها بحوث بلا ثمار، لا تعالج المشكلات الحقيقية للمجتمع الخليجي، غالبية البحوث، لفئة الباحثين- الموظفين الذين يسعون خلف الترقيات، أو لدوافع مادية بحتة، ولا علاقة لها بالواقع الخليجي، يختار العنوان أولاً ثم تنحت له مشكلة وأهداف، فلا يكون حلاً لمشكلة ولكنه اصطناع مشكلة يبحث لها عن حل! وحتى البحوث القليلة الحاصلة على براءات الاختراع، لا يستفاد من نتائجها، كونها غير قابلة للتطبيق أو لكلفتها.

ثالثاً: صعوبة الوصول إلى البيانات والإحصاءات الرسمية، هذا إن وجدت، وإحاطتها بالسرية الأمنية، ووضع العراقيل أمام الباحث، ورفض تزويده بالمعلومات، بل ترهيبه، خصوصا إذا كان البحث يمس قضايا يراد إخفاء حقائقها.

رابعاً: افتقاد البيئة العلمية الداعمة للبحث العلمي، يملك فيها الباحث الحرية الأكاديمية والاستقلال الفكري، ولا يقيد فيها الباحث بسلسلة من الخطوط الحمراء التي تشكل تابوهات معوقة للإبداع والابتكار.

ختاماً:

الإنفاق البحثي الخليجي سخي، لكن استفادة الخليج منه هزيلة، ولا توجد دراسة خليجية تقيم جدواه على المسيرة العلمية والتنموية الخليجية، وترشد الهدر في الإنفاق.

*كاتب قطري

back to top