نجمة صعدت للسماء!

نشر في 28-03-2019
آخر تحديث 28-03-2019 | 00:01
 مسفر الدوسري قبل نحو ثلاثين عاماً، وتحديداً في منتصف الثمانينيات ميلادياً، كانت صفحات الشعر الشعبي في الكويت قِبلة قصائد شعراء المنطقة وغاية طموحهم في نشر نتاجهم الشعري، وكانت صفحتا الشعر الشعبي في صحيفتي القبس والسياسة هما الأبرز والأكثر جذباً للشعراء في الخليج ومتابعي الشعر العامي على حدٍّ سواء، ولا يكاد يصل لهاتين الصفحتين من الشعراء سوى النخبة أو المميز من القصائد، وكان الصديق الشاعر ناصر السبيعي يعدّ ويشرف على صفحة "نفحات شعبية"، في جريدة السياسة، وكان كثير السفر إلى المملكة العربية السعودية لارتباطاته الخاصة، وفي أثناء غيابه يطلب مني غالباً، وأحياناً من أحد الأصدقاء الموثوقين تولي إعداد مواد الصفحة والإشراف على إخراجها، لحين عودته. وفي إحدى المرات التي كنت أشرف على الصفحة وأعد مادتها من قصائد الشعراء ورسائل القراء، لفتت انتباهي ورقة كشكول مدرسي، من بين رسائل القراء، لونها أزرق بحري. قرأت ما في الورقة فإذا هو نص تفعيلة رقيق وجميل ومدهش، في وقت كانت نصوص التفعيلة شحيحة في المشهد الشعري، وقلة من كانوا يجيدون كتابته. فرِحت بالنص أشد الفرح، كمن وجد كنزا بالصدفة، خاصة أن النص كان مذيّلاً باسم مستعار لم أسمع به من قبل، وكان الاسم يحتمل التأنيث والتذكير معاً، على الرغم من أن الخط كان أنثوياً منمنماً وصغيراً، ويشبه أثر فراشة على زهرة قرنفل. نشرت ذلك النص، وكتبت له مقدمة احتفائية، مبشراً بذلك الاسم، ومتنبئاً له بنجومية في عالم الشعر. وصلت بعدها بأيام قليلة رسالة لصفحة "نفحات شعبية"، فتحتها فإذا بها ورقة من ذات الكشكول ذي الأوراق الزرقاء. عرفت من الرسالة أن كاتبة النص أنثى، تعبّر فيها عن فرحتها الكبيرة وامتنانها للمقدمة التي كُتبت احتفاء بها وبالنص، خصوصاً أن ذلك أول نص ينشر لها، بعد أن أرسلت قبلها لبعض الصحف الأخرى، ولكن لم ترَ نصوصها التي أرسلتها النور، كما ذكرَت. توالت نصوص تلك الشاعرة للصفحة، واستمر الاحتفاء بها حتى بعد عودة معدّ الصفحة الرسمي والمشرف عليها الصديق ناصر السبيعي. أصبحت فعلا تلك الشاعرة نجمة فريدة في سماء الشعر، وطرّزت كلماتها حناجر كبار المطربات والمطربين في الخليج وفي الوطن العربي، ووصلت بنجوميتها إلى حدّ لم يسبق لشاعرة في الخليج على مستوى الشعر العامي أن وصلته، وهي عرفت عن طريق ناصر السبيعي بعد فترة من الزمن أنني أنا من نشر لها ذلك النص، وأنا من كتب تلك المقدمة له، وظلت تذكر ذلك في كل لقاء لها وكل مناسبة، وتردد تلك المقدمة وكأنما قرأتها للتوّ، وفاء منها بجميل لا أستحقه، بل استحقه جمال ما كتبت هي. كانت تلك الشاعرة هي "هتان"، والتي امتدت بعدها صداقتنا ما يقارب الثلاثين عاما، لا أذكر خلالها إلا ما يوجع القلب على فقدها ويتوجه بالأسى، وكان آخر تواصل بيننا قبل يومين فقط من انتقال روحها إلى السماء، حيث المكان الطبيعي للنجوم.

رحم الله الشاعرة "هتان"، وجبر مصاب الشِّعر ومصابنا في فقدها.

back to top