جمال الدين: القرار الكويتي منحاز للحاضر على حساب المستقبل

قدم ورقة عن دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030

نشر في 25-03-2019
آخر تحديث 25-03-2019 | 00:04
قدم المستشار في غرفة تجارة وصناعة الكويت ماجد جمال الدين ورقة عمل، أمام الندوة التي نظمها ديوان المحاسبة حول أهداف التنمية المستدامة 2030، اعتبر فيها أنه من طبيعة الأمور، لا من غريبها، أن ينظم «المحاسبة» بالذات هذه الندوة بالذات حول أهداف التنمية المستدامة 2030، لأن المهمة الأولى للديوان هي الرقابة على جدية الالتزام. وقال جمال الدين إن برنامج التنمية المستدامة هذا يمثل التزاماً وطنياً وإنسانياً على أرفع مستوى، وبتوقيع سمو أمير البلاد، لمحاربة الفقر، وتحقيق التنمية الشاملة، والحفاظ على الإنسان والبيئة. وأضاف «وإذ أتشرف بأن أنقل لديوان المحاسبة شكر غرفة التجارة والصناعة لدعوتها إلى المشاركة في هذه الندوة، فإني أعرب عن اعتزازي بأن أمثل الغرفة في هذه المهمة، وليس لي من مؤهلات ذلك إلا طول العهد وتقدم السن. علماً بأني استندت في التعرف على رأي الغرفة في هذا الشأن إلى استلهام مواقفها، فإن نجحت في ذلك فللغرفة أجران، وإن جانبني التوفيق فأرجو ألا أخسر الأجر الواحد».
واستعرض جمال الدين في ورقته 3 محاور:




أولا– مفاهيم أساسية

للورقة أقسام ثلاثة، أولها مفاهيم أساسية، تتعلق بمعنى مصطلح التنمية المستدامة، وتعريف منظمات المجتمع المدني، وتوضيح مفهوم الفقر، فالتنمية المستدامة هي مجموعة الأنشطة التي تؤدي إلى الارتقاء بمستوى المعيشة والعدالة الاجتماعية، مع الحرص الشديد على تجدد الموارد الطبيعية وسلامة البيئة.

ومن حيث تعريف منظمات المجتمع المدني اخذت الورقة بتعريف مركز دراسات المجتمع المدني في جامعة جون هوبكنز، والذي يقوم على 6 سمات أساسية تقوم عليها منظمة المجتمع المدني هي: التنظيم، الاستقلالية، التطوعية، ذاتية الإدارة، عدم استهداف الربح، عدم السعي الى السلطة، وأضيف اليها مؤخرا عدم ممارسة نشاط سياسي أو حزبي، وعدم القيام بوظيفة المؤسسة الدينية (المسجد أو الكنيسة).

وبما أن هذه الورقة تسعى لبحث دور المجتمع المدني والقطاع الخاص بالكويت في تحقيق أهداف برنامج التنمية 2030، فإن من الواجب الإشارة هنا إلى التوجه الحديث بالربط الوثيق بين مفهومي المجتمع المدني والقطاع الخاص، ففي كتاب "النظرية الاقتصادية للمجتمع المدني"، يقول ليسترسالمون إن "المجتمع المدني ظاهرة ثقافية واجتماعية واقتصادية بامتياز".

وللتعرف على المفهوم الرسمي للمجتمع المدني في الكويت نعود الى عام 2006، حين قامت لجنة التنمية البشرية والمجتمعية، المنبثقة عن المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، بدراسة عن المجتمع المدني في كويت القرن الواحد والعشرين. فقد انطلقت الدراسة من اعتبار أن منظمات المجتمع المدني في الكويت هي تلك التي ينظمها القانون 24/1962 بشأن الاندية وجمعيات النفع العام، والتي تقوم على وجه التحديد وحسب المادة الأولى من القانون المذكور، بنشاط اجتماعي أو ثقافي أو ديني أو رياضي.

وبالتالي أقصيت عن هذه الدراسة أهم منظمات المجتمع المدني في الكويت، مثل: جمعية الهلال الأحمر، النادي العلمي، الاتحاد العام لعمال الكويت، الاتحاد العام لطلاب الكويت، غرفة التجارة والصناعة، الاتحادات المهنية واتحادات أصحاب العمال، لوياك، لجنة دعم التعليم ... والعديد من المنظمات الأخرى.

أما عن مفهوم الفقر، الذي يعتبر القضاء عليه هو الهدف الذي يتصدر بامتياز أهداف برنامج التنمية المستدامة 2030، فهو المفهوم الذي اخذ به الدليل العالمي للفقر، والتقرير العربي للفقر، متعدد الأبعاد الذي لا يقاس بمعيار متوسط الدخل فحسب، بل يعتمد أيضا 3 مقاييس أخرى هي التعليم والصحة ومستوى المعيشة، إذ ترى مجموعة من الاقتصاديين أن النمو قد لا يقلص الفقر، وأن زيادة الثروة لا تعني بالضرورة تحسن مستوى المعيشة.

ومن المفيد في هذا الصدد أن نذكر أن "التقرير العربي حول الفقر متعدد الأبعاد"، الذي أصدره مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب عام 2017، أكد أن الفقر في المنطقة العربية ليس مستوطناً، بل هو نتيجة لظروف سياسية واقتصادية افتقدت التخطيط الصحيح والادارة المقتدرة. وهذا ما يتفق مع قول المقريزي في رسالته التي كتبها قبل أكثر من 6 قرون عن الأزمات الغذائية في مصر، وختمها بالقول: "ليس بالناس غلاء إنما نزل بهم سوء التدبير في الادارة".

ثانياً– دور منظمات المجتمع المدني

يهتم القسم الثاني من الورقة بدور منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة، ويكشف صراحة انه رغم اللافتات المرفوعة بأهمية التعاون مع المجتمع المدني والقطاع الخاص في مجال التنمية المستدامة 2030، نلاحظ أن عضوية اللجنة الوطنية التوجيهية الدائمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، تقتصر على ممثلي الجهات الحكومية بالتحديد.

أما ممثلو المجتمع المدني والقطاع الخاص فيدعون إلى اجتماعات اللجنة بصفة مراقبين فقط، كما نلاحظ أن اللجنة – في توزيعها لمسؤوليات تحقيق الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة 2030 – لم تكلف مؤسسات في القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بأكثر من تسع مهمات مساندة من اصل 182 مهمة مساندة، ذهب منها 173 مهمة إلى الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة.

بمعنى أن الدولة أقرت بأن الجهات المنسقة أو المسؤولة عن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة هي - بالمطلق أو ما يقارب المطلق- جهات حكومية، وأن مجال عمل منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لا يتجاوز (5%). ونحن لا نذكر هذه الحقيقة لوما لأي جهة، ولا عتبا على أية جهة، بل نذكرها لسببين اثنين:

أولهما؛ دفع أي اتهام بالتقصير في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة عن القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني، إذ لا يمكن محاسبة أحد عما لم يُكلف به.

والسبب الثاني هو تفسير العوامل التي تقف وراء هذا التباين الصادم بين الشعار والواقع، وهنا أود أن أقف وقفة قصيرة أمام عاملين اثنين فقط من هذه العوامل، أولهما أن الدولة استأثرت الدولة استئثاراً كاملاً بالثروة النفطية التي تشكّل المساهم الأساسي في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

والتزمت – في المقابل – بالرعاية الكاملة لمواطنيها صحة وتعليماً وغذاءً وعملاً. وبالتالي، لم يبق لمنظمات المجتمع المدني سوى حيز ضيق لتقديم خدماتها في مجالات قليلة، أهمها: محاربة الفقر، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وحماية البيئة. غير أن منظمات المجتمع المدني الكويتي أثبتت، بلا شك، حضوراً واضحاً ومتميزاً خارج الكويت والمجتمع الكويتي، وخاصة المنظمات الخيرية والرعوية، والمنظمات الحقوقية والدفاعية، والنوادي الاجتماعية والرياضية، ومنظمات أصحاب العمل والعمال.

ومنذ عام 2011 حتى نهاية 2018، يقدر متوسط تحويلات المجتمع المدني الكويتي (ولا أقول منظماته) إلى الخارج لمحاربة الفقر والجوع والمرض والجهل، بحوالي 3 مليارات دولار سنوياً.

وليس ثمة شك في أن ما مرّ به العالم العربي من كوارث الحرب والتدمير والتهجير في هذه الحقبة قد ساهم كثيرا في ارتفاع هذا الرقم.

ترابط وثيق

أما السبب الثاني الذي يحد من دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فهو أن هذه المنظمات لا تحظى ببيئة تشريعية وتنظيمية ورقابية داعمة أو مشجعة، تتيح لها درجة كافية من الاستقلالية، والتحرر من السلطات التقديرية.

ولعل السماح بإنشاء الشركات غير الربحية كشكل قانوني من أفضل ما حصل لدعم المجتمع المدني الكويتي، ومن خير ما يعبّر عن الترابط الوثيق بين هذا المجتمع والقطاع الخاص.

وفي المقابل من الإنصاف القول إن الثقافة المدنية التي تشكّل العمود الفقري لمنظمات المجتمع المدني في الغرب، والتي تعني التعددية والتسامح وقبول الاختلاف لا يوجد لها هذا الحضور في العالم العربي، والكويت ليست استثناء، إذ يجب ألا نستغرب وجود منظمات مجتمع مدني دون ثقافة مدنية.

وفي نهاية الحديث عن دور المجتمع المدني في الكويت، تبين الورقة أن منظمات هذا المجتمع تستطيع أن تقوم بدور مؤثر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال التركيز على مجالات كثيرة منها:

- تحسين الخدمات الصحية.

- تحسين نوعية التعليم مع إعطاء اهتمام خاص لرفع كفاءة المدرسين، وإعادة النظر بصورة جذرية في أسلوب التعليم في مرحلة التعليم الابتدائي وما قبلها.

- التشجيع على الإبداع والابتكار وتوفير أدوات ومختبرات البحث وآلية التسويق، وإعطاء أصحاب هذه القدرات أولوية مطلقة في اهتمام الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. ومع الإقرار بأن مستوى الإنفاق على التعليم في الكويت من أعلى المستويات في العالم – إن لم يكن أعلاها على الإطلاق – فإن المجال واسع لترشيد هذا الإنفاق وتحسين أساليبه ومردوده.

- محاربة الفساد ومتابعة قضاياه، وعدم السماح بتحويلها إلى عالم اللجان والملفات الضائعة والنسيان.

- حماية البيئة.

- تطوير الإدارة العامة ومتابعة قضايا الاصلاح الاقتصادي، خاصة بعد أن سجل معدل نصيب المواطن الكويتي من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات العشر الأخيرة انخفاضا من 36 ألف دولار عام 2008 الى 29 ألف دولار عام 2017، أي بنسبة تجاوزت 19 في المئة.

ثالثاً – دور القطاع الخاص في التنمية المستدامة 2030

في قسمها الثالث والأخير، تتناول الورقة دور القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030. فتبدأ بلمحة تاريخية تبين أن القطاع الخاص في الكويت، ما قبل النفط، صاحب كفاءة عالية والتزام أخلاقي وإحساس عال بالمسؤولية المجتمعية. وكان - بالتالي - من أهم المساهمين في قيام الدولة وتطوير المجتمع.

وحتى منتصف ستينيات القرن الماضي، كان القطاع الخاص هو صاحب المبادرات التنموية التي ما زالت شركاتها ومؤسساتها شاهد صدق على ريادة هذا القطاع، الذي وصفه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد بأنه "القطاع الذي لعب دورا مميزا في بناء نهضة البلاد الاقتصادية على امتداد التاريخ، وحمل رجاله عبء المسؤولية بكل كفاءة واقتدار".

وكما ذكرنا في بحثنا عن دور منظمات المجتمع المدني، نلاحظ هنا أنه في سبعينيات القرن الماضي، توافرت للدولة موارد مالية ضخمة نتيجة استئثارها الكامل بالثروة النفطية، وبذلك، أحكم القطاع العام هيمنته على الأنشطة الاقتصادية عالية المردود، وتراجع دور القطاع الخاص، لينحصر في التجارة والعقار والأنشطة الهامشية.

ومنذ ذلك الوقت، بدأت الطبيعة الريعية للاقتصاد الكويتي تتعمق، وبدأت تتفاعل وتتصاعد مظاهر عدم الكفاية الاقتصادية في توظيف الموارد من جهة، ومظاهر عدم الكفاية الإدارية على الصعيدين العام والخاص من جهة ثانية.

انحراف دائم

إلى جانب هذا كله، تضافرت عدة أحداث وأزمات وظروف اقتصادية وسياسية في تكريس هذا المأزق، أولها الأوضاع الملتهبة في المنطقة، وثانيها، أزمات الاحتقان السياسي المتكررة داخلياً، وثالثها، زيادة الجرعة السياسية في القرار الاقتصادي، والتي أدت إلى انحراف دائم لهذا القرار عن الاتجاه التنموي المستقبلي، إلى الاتجاه الاستهلاكي الشعبوي إن صح التعبير.

وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، كان الحديث (ولا نقول العمل) عن الإصلاح الاقتصادي يعلو وتشتد نبرته كلما انخفضت أسعار النفط، ثم لا يلبث أن يخفت ثم يصمت ثم ينسى مع عودة هذه الأسعار إلى الارتفاع، وكأن بين أسعار النفط وقرار الإصلاح علاقة عكسية.

ومن الإنصاف أن نذكر هنا أن الدعوة إلى الانتقال من اقتصاد ريعي يحكمه الإنفاق العام إلى اقتصاد تنافسي يحرّكه القطاع الخاص، أصبحت بمنزلة الشعار الاقتصادي للسنوات الأخيرة؛ غير أن هذا الشعار لم يخرج عن كونه لافتة كبيرة، ولم تدعهما أي سياسات فاعلة. ويكفينا للدلالة على ذلك أن نذكر أن الكويت لم تسجل حالة خصخصة حقيقية في تاريخها الاقتصادي إلا خصخصة البورصة قبل 3 أسابيع. وهي خطوة ناجحة وبالغة الأهمية، ولكنها ذات طبيعة خاصة. كما نذكر أن المجلس الأعلى للتخصيص، واللجنة العليا للشراكة بين القطاعين العام والخاص، لا يضمان ممثلاً واحداً عن القطاع الخاص.

3 أبعاد

بعد ذلك، تنتقل الورقة الى الدور الحالي للقطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فتذكر أن هذا الدور يتمثل في 3 أبعاد رئيسة هي: توفير فرص العمل للمواطنين، وتمويل مشاريع التنمية، والمسؤولية المجتمعية.

ففي مجال توفير فرص عمل لائقة للعمالة الوطنية، أكدت الورقة أن البنية الرعوية للاقتصاد الكويتي، وهيمنة القطاع العام على أنشطته الأكثر انتاجاً ومردوداً، قد أضعفتا الى حد بعيد قدرة القطاع الخاص على توفير فرص عمل كافية ولائقة ومستدامة للعمالة الوطنية، غير أن الانعكاسات الواقعية لهذه الحقيقة لحق بها قدر مربك من التضخيم والتشويه وربما الاتهام بالتقصير أيضاً.

وأرجو أن يكون في البيانات التالية ما يوضح الصورة ويعيد إليها توازنها:

- في بيانات رسمية نشرت أخيرا، بلغ عدد مستحقي علاوة دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص 61 ألف مواطن. وهؤلاء يعملون في القطاع الخاص لحساب غيرهم.

- يزيد عدد التراخيص التجارية والصناعية والحرفية العاملة فعلاً عام 2018 عدد 150 ألف ترخيص. فإذا افترضنا أن كل كويتي يعمل في القطاع الخاص لحسابه يملك في المتوسط 3 تراخيص، يكون عدد هؤلاء 50 ألفا.

- بمعنى أن عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص (موظفين وأصحاب أعمال) يفترض أن يبلغ 111 ألف مواطن، أو ما يعادل (25%) من إجمالي المواطنين العاملين في القطاعين العام والخاص (400 ألف في نهاية ديسمبر 2018 ). وهذه نسبة متطابقة مع مساهمة "الخاص" في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، والتي تتراوح تقديراتها بين 25 و28 في المئة عام 2017، أما الإحصاءات الرسمية فمازالت تؤكد أن عدد الكويتيين العاملين في الخاص لم يتجاوز (65) ألفاً.

- في نهاية 2018، بلغ عدد العمالة الوافدة (4. 2) مليون شخص، منهم (5 في المئة) فقط في القطاع العام. والأغلبية العظمى من العمالة الوافدة تقوم بأعمال لا يرغب بها المواطنون أصلاً في المستقبل المنظور على الأقل. وهذا ما يبقي مجال تقليص العمالة الوافدة (في ظل دولة الرفاهية الحالية) أضيق بكثير مما يجري الكلام عنه. كما أن نسبة عالية من العمالة الوافدة التي تُحسب على القطاع الخاص، ليس لمؤسسات هذا القطاع أي علاقة بها.

- إن هذه الحقائق لا تعني أبداً التسليم بهذا الواقع. وكل ما تعنيه ان فرص العمل المنتجة واللائقة للقادمين الكويتيين الجدد الى سوق العمل يجب توفيرها من خلال ايجاد قطاع خاص قوي، تفتح امامه كل الأنشطة عن إنتاج النفط، وتقدم له الحوافز التي تعزز حريته وتنافسيته، أما السياسات الحالية في هذا الصدد، فهي تعمل بعيداً عن المكمن الحقيقي للخلل. وما دامت الدولة تفتح باب التعيين لديها على مصراعيه، فمن الصعب أن نتوقع إصلاحاً حقيقياً يعيد التوازن الى تركيبة العمالة بالبلاد.

وتنتقل الورقة بعد ذلك الى مجال التمويل لتبين ان تحقيق اهداف التنمية المستدامة يحتاج الى استثمارات ضخمة تدعمها آليات تمويل مبتكرة، يصعب على الحكومة وحدها ان توفرها، خصوصا بعد أن باتت نسبة (75%) من نفقات الميزانية العامة نفقات غير مرنة على الإطلاق، لأنها تتعلق بالرواتب والأجور والدعوم وما في حكمها. علماً بأن دول مجلس التعاون الخليجي -وخلافاً لكل الافكار السائدة- تعاني فجوة تمويلية بين حجم استثماراتها الحالية، وحجم احتياجاتها الاستثمارية الفعلية تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار سنوياً.

- لقد نجح القطاع المصرفي الكويتي أن يستجيب لاحتياجات المشاريع التنموية في الكويت، والمشاركة أيضاً في تمويل مشاريع تنموية خارج البلاد. بل ان هذا القطاع لا يكتم تمنياته بوجود فرص استثمارية اكبر واغنى تسمح بتشغيل افضل للسيولة التي يتمتع بها. غير أن هذا لا يمنعنا من القول ان الطبيعة التمويلية قصيرة الأجل لمعظم وحدات هذا القطاع قد حالت حتى الآن دون ادخال حلول وآليات تمويلية أكثر تناسباً مع أهداف التنمية المستدامة، علماً بأن اهداف التنمية تحمل للقطاع الخاص فرصاً استثمارية كثيرة ومجزية، خصوصا في مجالات: معالجة النفايات، البنية التحتية للصرف الصحي، الإسكان، الطاقة المتجدّدة، الرعاية الصحية، والتعليم والتدريب.

وعن المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص الكويتي، تذكر الورقة ان نهوض القطاع بهذه المسؤولية، ليس بالأمر المستحدث أو المستورد من نمط غربي لا تنكر كفاءته، بل إن في تراثنا الإسلامي وموروثنا الحضاري ما يجعل لهذه المسؤولية جذوراً راسخة، ويجعل منها واجباً دينياً وإنسانياً ووطنياً. ويمثل نظام الوقف الإسلامي عبقرية ملهمة في هذا المجال، كما تكفل الزكاة قضاء على الفقر وإنماء للثروة.

وتمر الورقة سريعا بأربعة نماذج متميزة جدا عن نهوض القطاع الخاص بالمسؤولية المجتمعية وعلى أفضل صورها.

- النموذج الأول هو التماهي التاريخي بين فكر سمو أمير البلاد المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الأحمد، ومقترح القطاع الخاص، والذي كانت ثمرته المؤسسة الرائدة في المنطقة كلها، "مؤسسة الكويت للتقدم العلمي".

- والنموذج الثاني يتمثل باللجنة الشعبية لجمع التبرعات؛ التي حققت -وعلى مدى أربعين عاماً أو تزيد- نجاحاً كبيراً في تكريس السجية الإنسانية للكويت شعباً وحكماً، حيث عملت على تخفيف ويلات الكوارث والحروب في البلدان العربية وخارجها.

- أما النموذج الثالث فهو المبادرات التطوعية للعديد من المؤسسات والأشخاص والتي تركزت – بشكل خاص في مجال الخدمات الصحية، تليها خدمات التعليم، والمؤسسات الثقافية.

- ورابع هذه النماذج مركز عبدالعزيز الصقر للتنمية والتطوير، لدى غرفة تجارة وصناعة الكويت، والذي قدم حتى الآن دورات تدريبية لأحد عشر ألف مواطن وفي مجالات مختلفة، تهدف كلها إلى التأهيل وإعادة التأهيل، بهدف توجيه القوى العاملة الوطنية نحو العمل في القطاع الخاص.

وفي صفحاتها الأخيرة، تحاول الورقة استشراف الأولويات التي ستوجه دور القطاع الخاص الكويتي لتحقيق اهداف التنمية المستدامة، فتؤكد أن هذا الدور سيبقى يستند الى الاطر والأبعاد الثلاثية التي سبق ذكرها (توفير فرص العمل، والتمويل، والمسؤولية المجتمعية)، غير ان مضمون هذه الأطر سيتوسع تنوعاً وشمولاً ليكون بين مكوناته ما يلي:

وضع سياسيات لبناء القدرات اللازمة للاستفادة من إمكانات الاقتصاد الرقمي.

- السعي لتكريس دور المرأة في مجتمع الأعمال العربي.

- خلق آليات أكثر فاعلية لزيادة وتنمية التجارة العربية البينية.

- دعم ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

- إيجاد مجموعة فنية ذات صندوق يمول حملات اعلامية تهدف إلى تكوين رأي عام متفهم للاصلاح الاقتصادي المطلوب.

- إذكاء العمل على روح العمل الحر والتوعية بموقعه الاجتماعي ومردوده المالي، فأصحاب الأعمال لا يولدون كذلك بل يصنعون. وصناعة أصحاب العمال ورواد المشاريع أمر تربوي وثقافي قبل أن يكون أمراً تمويلياً.

- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصا تلك التي تقوم على الإبداع واقتصاد المعرفة.

- التعاون مع مؤسسات التعليم من خلال الاستثمار فيها ودعم برامجها، والمساهمة في الوصول إلى النظام الذي يستطيع أن يحملنا إلى عصرنا، وينقلنا إلى صعيد التقدم العلمي والتنمية المستدامة.

- الاهتمام بإتقان استخدام "العقل الذي في اليد" كما وصفه غاندي، من خلال مؤسسات التعليم المستمر، وتأهيل وتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأخيراً

أشعر أن من واجبي أن أختم بكلمة تعبّر عن قلق القطاع الخاص من جهة، وتوضح السبب الرئيسي الذي يحد من إمكاناته لأداء دوره في تحقيق التنمية المستدامة من جهة ثانية: إن القرار السياسي الكويتي، المنحاز كلياً للحاضر على حساب المستقبل، أصبح أخطر ما يهدد التنمية المستدامة وأهدافها، وإن التعثر التنموي الذي ينجم عن ذلك "أصبح أقوى ما يتهدد الديمقراطية الكويتية. ذلك أن انفصال صناديق الاقتراع عن تطلعات التنمية المستدامة، يفقد العملية الديمقراطية شرعيتها التنموية، ويجعل منها عائقاً للتقدم".

الفقر المتعدد الأبعاد لا يقاس بمعيار متوسط الدخل فقط بل يعتمد مقاييس الصحة والتعليم ومستوى المعيشة أيضاً

الفقر في العالم العربي ليس مستوطناً بل نتاج غياب التخطيط السليم والإدارة المقتدرة

19% تراجع معدل نصيب المواطن من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الـ 10 الأخيرة

منظمات المجتمع المدني بالكويت لا تحظى ببيئة تشريعية ورقابية تتيح لها درجة كافية من الاستقلالية والتحرر من السلطات التقديرية

في العالم العربي منظمات مجتمع مدني دون ثقافة مدنية... والكويت ليست استثناء

غرفة التجارة والصناعة قدمت دورات تدريبية لـ 11 ألف مواطن لتطوير كفاءاتهم بما يتناسب مع احتياجات «الخاص»

تفعيل دور القطاع الخاص لا يزال لافتة كبيرة لا تدعمها أي سياسات فاعلة

الحديث عن الإصلاح الاقتصادي يعلو وتشتد نبرته كلما انخفضت أسعار النفط ثم يخفت ثم يصمت
back to top