الأديب عبدو لبكي: أصنع جنتي بالشعر والتأمل

«أجمل الدفاتر ما تبقى أوراقه بيضاء وشعره أسود»

نشر في 18-03-2019
آخر تحديث 18-03-2019 | 00:11
هو شاعر وأديب وأستاذ محاضر في اللغة العربية منذ ما يربو على الأربعين عاماً، من رواد شعر ما بعد الحداثة، وله مقالات عدة حول اللغة والتعليم، كما أنه مؤسس "دار الإبداع للنشر والتأليف"، وله عدة دوواين شعرية بالفصحى والعامية آخرها "قمر يسكن النافذة"... "الجريدة" التقته فكان لها معه الحوار التالي:

● تدعو إلى القناعة للوصول إلى السعادة، ألا تعتبر هذا الأمر خمولا؟

- أنا لا أدعو إلى القناعة، وإنما أرى أن السعادة لا تتحقق إلا بالقناعة، ولا يعني هذا أن نستكين ونقبع في الزاوية. وماذا يمنع عن القناعة في السعي والتوق والتطلع إذا كانت السعادة كامنة فيها؟! والسعادة أليست هي التفلت من كل قيد حتى من قيد الرغائب والمتع، أليست حالة من الاستسلام الكلي لـ "نرْفانا" روحي، حيث الانقطاع عن كل ما هو من أمور العالم المادي بعيدا عن الهم والألم والقلق.

● لا يزال في دفترك بضع وريقات عذراء، فاكتبْ لنا خاطرة لم تخطر ببالك سابقا.

-أجمل الدفاتر وأبقاها بل أكثرها غنى، تلك التي تبقى أوراقها بيضاء ويظل شعرها أسود. والخاطرة بنت اللحظة والاحساس الآني يترجمها من يعيشها بصيغة غير متوقعة ولا تخضع لمقاييس الصيغ التعبيرية المتعارف عليها ولعل في هذا ما يميزها.

*في خواطرك نلمس صراعا يحمل نقائض بين الحرية والامتلاك، واليأس والأمل، والحب والهجر، فإلى أين يقودك هذا النزاع؟

-الحياة قائمة على التناقض، وفي هذا نبضها واستمرارها، إنه الصراع المحتوم بين السلبي والإيجابي، لكن عبقرية الوجود قضت بأن يكون هذا الصراع منتجا غير آيل للفناء، بل هو تجدد دائم لتناقضات مستحدثة، ذات وجه مشرق مهما تغضنت ملامحه.

نعيش على بحر متحركة أمواجه تتقاذفنا ولا سلطة لنا عليها تأخذنا إلى شواطئ مجهولة ترمي بنا، إما على رمالها وإما على صخورها، إنها المصادفة نتلقفها ككرة النار، هذا هو النزاع الذي في نهاية الأمر لا يقود إلا إلى هباء متناثر.

ثورة وأسئلة

● أنت مقتنع أن النقص شرط لاكتمال حركة الوجود، فلماذا تثور على الحياة؟

-أثور على الشر المستشري في الحياة، والذي يفتعله الإنسان لجشع متأصل فيه، وهو عارف أنه يخالف ناموس الطبيعة، ثم إنني أثور على الحياة لأنها ناقصة ولربما أردتها كاملة لكي أعيش وأنا في غنى عن أي سعي وأي صراع. أليست هذه حرية بلا حدود؟

● في كتاباتك طفل يلهج بالأسئلة، فمتى تكتمل أجوبتك؟

-لن تكتمل ولن تنتهي، وليس لها قرار ولا أجوبة، إنها حركة فاعلة منفعلة، لعلها مبرر وجودنا. وثمة في الحياة ما يغري، ونحن بغرائزنا نسير نحو ذلك السراب بدهشة متسربلين بالأسئلة التي تثقلنا لكن بعضها يثمر أجوبة تريح توقنا إلى من يعانقنا بالحب الكامل.

● يسرق الوقت منك العمر، فلماذا تتأسف على ما لن تحصل عليه، ولا تتمتع بما تمتلكه بين يديك؟

-ألا يحق لي ذلك؟! ألا يكفي أنني لم أحظ بها؟! حسبي إذن أن أتحسر على ما لم استطع أن أنعم به. وفي هذا من التعويض السلبي ما يكفيني. وليس صحيحا أن ما نحصل عليه يصبح ملكا لنا. إننا نتوهم ذلك ونعيش في الوهم الذي تنسجه حولنا عنكبوت الزوال.

● تستهل كتابك الجديد "قمر يسكن النافذة" بخاطرة متشائمة وكأنْ لا نكهة طيبة للحياة. فإلامَ تدعو؟

- أليس الواقع مرا ونحن نحاول أن نجعله حلوا بعد شقاء وألم!؟ لا يتعلق الأمر بموقف من الحياة متشائم أو متفائل. نحن أمام أمر واقع وإناء أصفه كما هو. والواقع مليء بالشوك والخيبة ولا نحصل دائما على ما نريد أو نتمنى. نعطي ونقامر وأوراق الحظ في يد نجهل صاحبها.

● في شعرك المنثور حبيبك دائم الغياب، أو كأنك تتعاطى مع سراب. فإلى متى هذا الانتظار؟

- هو حضور الغائب. حضور في التجربة وفي الوجدان، وغياب في الظل الذي أحرص على أن يبقى حميميا، لا يقربه أحد لكي يبقى نقيا، وصعب جدا أن تلتقي بنصفك الآخر لأن عناصر التواصل بل الاتحاد غير مكتملة سواء نفسيا أو جسديا.

● شعرت وأنا أقرأ كتابك كأنك تخاف مجابهة القدر وتلوذ إلى الهروب والاستسلام!

- وما هو القدر؟ وأين هو؟ لم ألتق به يوما. يبدو أنه هو الذي يهرب ويخاف المواجهة. يتجنبني ولا يجرؤ على الظهور، فيما أنا أكافح الخبث المتجلي في ما يحدث من شر مشوه لجمال الوجود. وكم تحدث السورياليون عن القدر وسموه الصدفة الموضوعية التي لا بد من أن تحدث عندما تتوافر لها الظروف المتداخلة وتتقاطع في غير المتوقع.

● تسقط المنطق وتركن إلى الوحدة أغلب الأحايين، فمم تخاف؟

-لم أسقط المنطق يوما. إنه وجه الحق، وقسماته تدل عليه. لكن من ينقضه يريد السيطرة على العالم بسلاح الكذب. العقل لا يطيق الكذب والمنطق أداة العقل المبدع الذي لا يخون الحق ولا الحقيقة. وإنما أدل بالإصبع على من يحاول أن يخْضع المنطق لغرائزه. ونعم أحب الوحدة لانها فردوسي، وفيها سلامي الذي أفتقده عبْر الغابة المخيفة التي تسمى "العالم"، وفي الوحدة أجد ما يرتقي بي إلى مستوى التجرد وكأني على قمة جبل شاهق أنظر إلى العالم وأسخر منه وفي السخرية تجاوز حتمية القدر.

● تقول: "من يرغب في الجنة فعليه أن يصنعها" فلماذا لم تصنعها لنفسك؟

-أنا أصنع الجنة في داخلي من خلال الشعر والتأمل والاتصال بالمطلق، ومن خلال الفكر النقي المسالم التواق إلى الجمال والحب والحقيقة. ثم من خلال ما أنتج وأبدع، وبهذا أستحق السعادة. وكنت أقصد أيضا من يؤمن بالحياة السعيدة ولا يبني لها حجرا واحدا في الآخرة، لأنني أؤمن بأن هذه الحياة هي سعي بإرادة حازمة، لبلوغ الحياة الأخرى لذلك علينا أن نصنعها حتى نستحقها.

● كل هذه الأسئلة التي طرحتها هي من وحي كتابك، فما هو السؤال الذي كنت ترغب في إضافته؟

الأسئلة لا تحصى، تتراكم حينا ويتعثر بعضها ببعض أحيانا وغالبا ما تصفعنا لأننا لا نجد لها أجوبة منطقية مقنعة، أما السؤال الذي يلح علي دائما وأحاول أن أبرر به قناعة ما، فهو: ما الهدف من هذا الوجود طالما أن كل شيء آيل للزوال؟! هذا طبعا ما لا يقبله المؤمن لأنه يعيش في رجاء الانتقال إلى حيث الخلود مع الله.

الخاطرة بنت اللحظة والإحساس الآني يترجمها من يعيشها بصيغة غير متوقعة

أحب الوحدة لأنها فردوسي وفيها سلامي الذي أفتقده
back to top