خريطة بوتفليقة الانتقالية محاصرة... ولعمامرة إلى موسكو

إصابة 11 عنصراً أمنياً وتوقيف 75 في تظاهرات الجمعة... وعناصر من الشرطة شاركت للمرة الأولى

نشر في 17-03-2019
آخر تحديث 17-03-2019 | 00:03
محتجون ضد بوتفليقة وسط العاصمة الجزائر أمس الأول (أ ف ب)
محتجون ضد بوتفليقة وسط العاصمة الجزائر أمس الأول (أ ف ب)
دخلت الأزمة السياسية في الجزائر منعطفاً جديداً أمس، بعد خروج مئات الآلاف في مسيرات هي الأضخم للمطالبة بتغيير فوري ورفضاً لخريطة الطريق التي وضعها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وتضمنت إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة 18 أبريل المقبل، في حين يسافر نائب رئيس الوزراء الجديد رمطان لعمامرة إلى موسكو في زيارة ثارت تكهنات حولها.
بددت مشاهد التظاهرات الحاشدة التي خرجت في معظم ولايات الجزائر، أمس الأول، وشارك بها مئات الآلاف، وعدّت الأكبر منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي، فرص نجاح خريطة الطريق التي وضعها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لإنهاء الأزمة السياسية.

وبدت "خريطة الطريق" التي تضمنت تنازل الرئيس المعتل صحيا عن الترشح لعهدة خامسة، وإرجاء إجراء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة 18 أبريل المقبل وعقد "ندوة وطنية للانتقال السياسي" محاصرة في ظل رفض المعارضة دعوة الحكومة للحوار وتنامي احتجاجات الشارع بأول جمعة منذ طرح مبادرة بوتفليقة.

وطالب المحتجون برحيل النظام الذي أنشأه بوتفليقة، في مسيرات كانت أكبر حجما من سابقاتها، وأكثر تنظيما وزخما بـ4 جمعات من الحراك الشعبي، حيث امتلأت الميادين الكبرى في العاصمة بالمتظاهرين.

واسقطت التظاهرات "مناورة النظام" الذي سعى إلى إسكات الشارع عبر إعلان تأجيل الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نور الدين بدوي والدعوة إلى حوار مع المعارضة.

وأكد الجزائريون من خلال التظاهرات الرفض الشعبي الواضح لإعلان بوتفليقة إرجاء الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، والبقاء في الحكم بعد انتهاء ولايته الرابعة في 28 من الشهر المقبل.

وفشلت بذلك مساعي رئيس الوزراء الجديد الذي عيّن بعد إزاحة أحمد أويحيى، الذي لا يتمتع بشعبية بين الجزائريين، ونائبه رمطان لعمامرة خلال مؤتمر صحافي، أمس الأول لإقناع الجزائريين بصوابية قرارات النظام.

عائلات وشرطة

وشهدت مسيرات الجمعة التي وصفت بـ "المليونية"، أمس الأول عدة مظاهر جديدة أو تكريس لسلوكيات مارسها المحتجون في الأسابيع الثلاثة الماضية.

وحضرت المرأة في الجمعة الرّابعة جنبا إلى جنب برفقة الرّجل، ليتميّز الحراك بطابعه "العائلي"، كما أصر مئات الآباء على إحضار أبنائهم ليعايشوا الحراك الذي يعتبرونه تاريخيا في البلاد.

وأظهر مقطع فيديو رجال الشرطة من قوات مكافحة الشغب وهم يهتفون مع المتظاهرين "جيش شعب إخوة"، الأمر الذي يعتبر سابقة، منذ بداية المسيرات المناهضة لبقاء بوتفليقة في الحكم، منذ شهر.

من جانب آخر، أعلنت المديرية العامة للأمن إصابة 11 شرطياً بجروح طفيفة وتوقيف 75 شخصا "المخبرين" خلال مسيرات الجمعة في العاصمة الجزائر.

وأضافت أن عملية التوقيف جاءت على خلفية أحداث عنف وشغب وتكسير للممتلكات العمومية والخاصة في بعض أحياء العاصمة.

لعمامرة وموسكو

في هذه الأثناء، أثار إعلان المتحدثة باسم "الخارجية" الروسية ماريا زاخاروفا، عن زيارة مرتقبة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية رمطان لعمامرة، بعد غد إلى موسكو لإجراء مباحثات مع نظيره سيرغي لافروف، الكثير من التساؤلات بالأوساط الجزائرية، خاصة أن اللقاء يتزامن مع دخول الحراك الشعبي "منعرج حاسم"، بعدما رفع المحتجون سقف مطالبهم إلى "رحيل بوتفليقة وكل رموز النظام".

وقالت المسؤولة الروسية "ستُجرى مباحثات بين لافروف ولعمامرة"، دون أن تشير إذا ما كانت الدعوة جاءت بطلب من بلادها أو الطرف الجزائري، لكن المثير في تصريحها أنها عبّرت عن أمل بلادها بـ "الحصول على معلومات من مصدر مباشر عن الوضع في الجزائر".

ويَعني التصريح أن "الكرملين" غيّر من مواقفه بخصوص الأزمة الجزائرية، لأنه في أول تعليق روسي على الحراك، قالت زاخاروفا، إن ما يحدث في الجزائر شأن داخلي لدولة صديقة لروسيا، معربة عن أمل بلادها، بأن تُحل المشاكل بنهج بناء ومسؤول.

وتعتبر موسكو أول محطة خارجية يتنقل إليها لعمامرة، عقب تنصيبه نائبًا لرئيس الحكومة الجديد، وهو المنصب الذي تم استحداثه من خلال مرسوم ضمن مبادرة بوتفليقة.

والخميس الماضي، اتهمت أقطاب المعارضة، في بيان، السلطة بـ "السعي إلى الاستعانة بالخارج، عقب عجزها في مواجهة الحراك الشعبي، ورفضها التجاوب معه وفهم الرسائل الموجهة لها".

ضربات وتنسيق

وتزامن ذلك مع تلقي النظام ضربات جديدة، بانضمام عمال حقول النفط والغاز للحراك الشعبي، في حين فشلت محاولاته لدفع شخصيات إلى الواجهة لتتولى حلحلة الأزمة والحوار مع الحراك والمعارضة، في وقت تستعد فيه المعارضة لعقد اجتماع حاسم، غدا، يُنتظر أن تعلن فيه عن خطة انتقالية محددة موازية للخطة التي طرحها بوتفليقة.

ولاحقاً، تواصلت الاحتجاجات أمس في عدة مناطق بالعاصمة وبعض الولايات للمطالبة بـ "تغيير فوري".

ورفع المتظاهرون العديد من الشّعارات التي بدا من خلالها الشّارع أكثر وضوحا ودقّة في مطالبه، مثل "التّغيير الجذري للنّظام في البلاد".

ورفع متظاهرون آخرون شعارات "لا للتمديد"، "ترحلوا الآن قبل غد، أين هو حقي من مداخيل البترول؟".

احتفاء الصحافة

في غضون ذلك، تناولت أغلب الصحف الجزائرية الصادرة أمس احتجاجات الجمعة ووصفتها بأنها "رسالة صريحة برفض مبادرة بوتفليقة" عبر استفتاء شعبي.

وكتبت صحيفة "الخبر" تحت عنوان "لن تزيد دقيقة يا بوتفليقة" أن الجزائريين خرجوا بـ "الملايين رفضا لاستمرارك في الحكم بعد انتهاء عهدتك".

وتساءل موقع "كل شيء عن الجزائر" الإخباري "هل ستتوقف السلطة عن المناورة؟" بعد "الرد القوي والواضح من الشعب على الإجراءات الترقيعية التي اتخذها الرئيس".

وحتى وسائل الإعلام الرسمية المقربة تقليديا من النظام تحدثت عن الاستياء الشعبي حيال السلطة، فعنونت وكالة الأنباء الرسمية على موقعها الإلكتروني "المطالبة بتغيير النظام واحترام الدستور في صلب شعارات المسيرات الحاشدة".

وبثت قناتا "التلفزيون الجزائري" و"كانال ألجيري" العامتان مشاهد من التظاهرات ظهرت فيها لافتات تحمل شعارات معادية للنظام، مثل "ارحلوا"، وكذاك خصصت الإذاعة المملوكة للدولة تغطية واسعة للتظاهرات، ونقلت تصريحات محتجين يطالبون برحيل بوتفليقة.

لكن بالنسبة لصحيفة "ليبرتي" فإنه "لا مجال للصلح بين النظام والشعب، فقد دقت ساعة رحيل النظام".

back to top