«اقتصاديات المونديال»... الكويت غير مؤهلة للاستفادة منها!

• لا نظام ضريبياً ولا هدف سياحياً أو تسويقياً... وأثرها سلبي على التركيبة السكانية
• يجب ألا يطغى بريق التنظيم على قواعد القانون وجودة المشاريع والكلفة المالية

نشر في 14-03-2019
آخر تحديث 14-03-2019 | 00:06
محمد البغلي
محمد البغلي
استضافة كأس العالم في النسخ الثلاث السابقة بجنوب إفريقيا، والبرازيل، وروسيا جاءت ضمن مشروع أكبر من المونديال، هو تسويق تلك البلدان كمقاصد سياحية.
رغم بريق دخول الكويت كمنظم ثانوي لمونديال 2022، إلى جانب قطر الدولة الرئيسية المنظمة للبطولة، بعدما رشحها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وسلطنة عمان لاستضافة مجموعات من كأس العالم إذا تم إقرار زيادة عدد المنتخبات المشاركة في البطولة، التي يحلم العديد من دول العالم بتنظيمها، إلى 48 بدلاً من 32، فإنه من الحصافة عدم رفع التوقعات الخاصة بالعوائد، وخصوصاً الاقتصادية منها.

فما يصح من تعدد الفوائد، التي يُطلق عليها "اقتصاديات المونديال"، على دول نظمت كأس العالم في نسخها الأخيرة مثل جنوب إفريقيا أو البرازيل أو روسيا، لا يمكن انطباقه على دولة مثل الكويت؛ لأسباب متنوعة، منها مثلاً أن الميزانية التي ستنفق على البنى التحتية لن تحقق استفادة أو عوائد، مثلما حققت الدول التي استضافت المونديال سابقاً؛ لعدم وجود نظم ضريبية تحصل الأموال من القطاعات الخاصة المستفيدة من إيرادات البطولة، مثل الفنادق و"التجزئة" والنقل والأغذية والدعاية، لمصلحة ميزانية الدولة، فضلاً عن أن القطاعات الأخرى التي تحتاج إلى إنفاق مالي إضافي كالمطارات وشبكات الطرق هي حكومية ومجانية أو ذات رسوم زهيدة، بل إن الملاعب المتوقع بناؤها أو تطويرها لن تكون إيرادات المباريات التي ستستضيفها، أو نقلها التلفزيوني، للكويت وحدها، بل بالدرجة الأولى لـ "الفيفا" صاحب نصيب الأسد منها.

عوائد غير متحققة

وبناء عليه، فإن العوائد المالية التي ستحقق من المونديال على الكويت ستصب في معظمها لدى القطاع الخاص الذي لا يدفع الضريبة للدولة، مما يجعل أثرها شبه معدوم على الاقتصاد، فضلاً عن أن "اقتصاديات المونديال" في العديد من الدول تعني خلق آلاف فرص العمل للشباب في القطاعات الخدمية والإنشائية على المديين المتوسط والطويل، لكنها في الكويت ستعني، وفقاً لما هو سائد في سوق العمل، إضافة إلى عبء اختلال التركيبة السكانية من حيث زيادة العمالة الوافدة، في وقت تعتمد دول العالم الأخرى على عمالتها الوطنية.

مشروع أكبر

والأهم من ذلك كله أن استضافة كأس العالم في الدول الثلاث السابقة (جنوب إفريقيا ـــ البرازيل ـــ وروسيا) جاءت ضمن مشروع أكبر من المونديال، وهو تسويق هذه البلدان كمقاصد سياحية على المدى الطويل، ومن ثم فإن ما يدفع للاستضافة من مبالغ مالية يعد استثماراً مستقبلياً، وهذا التوجه بالطبع غير موجود لدى الكويت كدولة تفتقر إلى أبسط البنى التحتية السياحية، فضلاً عن تعقيدات استقبال الزوار، حتى قطر التي تنفق المليارات على استضافة المونديال، تأتي استضافتها للبطولة ضمن مشروع سيادي أكثر منه اقتصادياً، يتعلق بجعل الدوحة وجهة للأحداث والفعاليات العالمية، وهو توجه غير موجود كذلك لدى الكويت، بل إن الدول التي تنظم المونديال تسعى من ضمن أهدافها إلى تطوير الرياضة، وخصوصاً كرة القدم، وهذا هدف لا يتسق مع ترتيب منتخبنا الوطني عالمياً، الذي يحل حسب آخر تصنيف لـ "الفيفا" الشهر الماضي في المرتبة الـ 158 عالمياً.

بريق وجودة

وفيما يتعلق بكلفة الاستضافة، فإن ثمة مخاوف، تدعمها العديد من الشواهد الخاصة بتعثر وسوء تنفيذ المشاريع في الكويت، من أن يطغى بريق المشاركة في تنظيم المونديال على أمور مستحقة مثل سلامة إجراءات الترسية أو الرقابة السابقة واللاحقة على الأعمال والتنفيذ، حتى التهاون في الأكلاف المالية بعذر تسريع أعمال الإنشاءات والمقاولات على حساب القانون والجودة.

ليست مجرد أموال

الحديث عن اقتصاديات المونديال متشعب ومعقد ويتجاوز بساطة الإنفاق المالي على التنظيم وترقب الإيرادات من البطولة، ولا يعني بالضرورة تحقيق المكاسب الاقتصادية، فالتحدي الحقيقي يكون في مدى استمرارية الإيجابيات المرتقبة خلال السنوات القادمة، وخصوصاً أن الجانب الأكبر من الإنفاق يتعلق بالبنى التحتية لا في الملاعب والمنشآت الرياضية فقط، بل في خطوط النقل والمواصلات وتطوير منظومات مساندة كالأمن والخدمات التكنولوجية وغيرهما، أي انه استثمار طويل الأجل يتطلب نجاحات في قطاعات متعددة، وهو الأمر الذي لم تنجح فيه العديد من الدول التي نظمت بطولات عالمية كالمونديال، فالبرازيل حققت نجاحاً نسبياً من تنظيم المونديال، لم تحققه جنوب إفريقيا، إذ إن مونديال 2014 جلب للاقتصاد البرازيلي إيرادات وعوائد وفرص عمل شكلت قيمتها الإجمالية 70 مليار دولار في عام واحد، وسرعان ما تغلبت البلاد على التضخم الذي تصاعد مع تنظيم المونديال، لا سيما في أسعار المواد الاستهلاكية والعقارات، لتحافظ على مستوياته دون 3 في المئة، ومع ذلك تصاعد معدل البطالة من 7.8 في المئة عام 2012 إلى 12.4 في المئة نهاية 2017.

أما جنوب إفريقيا فلم تكن استفادتها كبيرة، فقد أنفقت ما يعادل 3.5 مليارات دولار لتنظيم البطولة، وحصدت عوائد مماثلة، ولكن على صعيد الاقتصاد نما التضخم بما يعادل 10.9 في المئة خلال فعاليات البطولة، وهو ما يفوق كثيراً هدف الحكومة البالغ 6 في المئة. وعلى صعيد البطالة، فالمونديال وفر 50 ألف فرصة عمل فقط وقتذاك لجنوب إفريقيا مقابل 220 ألف فرصة لمونديال روسيا و170 ألفاً لمونديال البرازيل.

المكاسب لـ «الفيفا»

الأكثر تحقيقاً للمكاسب من كأس العالم هو الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي حقق إيرادات تجاوزت 5.6 مليارات دولار من مونديالي البرازيل وروسيا، مدعومة من تدفقات مالية متنوعة مثل بيع حقوق البث التلفزيوني وحقوق التسويق وبيع التذاكر.

ضرر ومنفعة

نحن لا نرفض تحقيق الفائدة من تنظيم حدث عالمي كبير، لكن علينا تجنب جلب الضرر من مقصد المنفعة... والقلق أن تكون الاستضافة وأهدافها جزءاً من المناكفة والصراع في الرياضة الكويتية التي استنزفت فرص إصلاحها، وفي كل الأحوال يجب الإيمان بأن استضافة المونديال، ولو جزئياً، هي تتويج لجهود سنوات طويلة من العمل في تسويق البلاد وسياحتها ورياضتها وليست عملاً منفصلاً بحد ذاته.

الاستضافة تعني خلق فرص عمل لكنها في الكويت ستزيد الأعباء على التركيبة السكانية

ما تدفعه الدول للاستضافة يعد استثماراً مستقبلياً وهو غير موجود لدى الكويت التي تفتقر للبنى السياحية فضلاً عن تعقيدات استقبال الزوار
back to top