مستقبل المرأة في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)

نشر في 01-03-2019
آخر تحديث 01-03-2019 | 00:00
 دور النساء في «داعش» ازداد فاعلية في آخر سنتين
دور النساء في «داعش» ازداد فاعلية في آخر سنتين
كنت أجلس مع مجموعة من قوات العمليات الخاصة العراقية في منزل تعرض للحرق والهدم في عام 2017 ونحن نستعرض باستغراب شخصيتين من تنظيم «داعش» على مقطع مصور حي من آلة تصوير أمنية، كانت الشخصيتان تستعدان لإطلاق قذائف (آر بي جي) نحونا، ولكن بدلاً من أن يكونا من الرجال من ذوي اللحى الطويلة كانتا ترتديان الملابس النسائية من عباءة سوداء اللون ونقاب وظهرتا مثل نساء.

وبعد أن خسر السلطة والأرض خلال عام ونصف العام حوّل تنظيم داعش بهدوء إصراره المشدد على الرجال ليسمح بمشاركة النساء في أدوار عسكرية، ومن المستحيل احتساب عدد النساء المقاتلات في هذا التنظيم، لكن على الرغم من ذلك تشير مقابلات أجريت مع قوات شرطة في مدينة الموصل الى أن حضور المرأة لم يعد مستغرباً كما كان الحال قبل عامين، وقد أبلغني رئيس بلدية الموصل زهير محسن محمد العرجي هذا الشهر أنه «بعد سقوط داعش في الموصل نحن نشعر بقلق متزايد من نساء التنظيم».

وكانت دعاية داعش خلال السنوات القليلة الماضية ألمحت الى هذا التغيير ومهدت الأرضية له: وفي شهر أكتوبر من عام 2017 دعت صحيفة التنظيم النساء إلى الاستعداد لخوض المعركة، وبحلول مطلع العام الماضي كان التنظيم يمتدح فقط مقاتلاته في مقطع مصور أظهر امرأة تحمل بندقية قائلاً «لقد صعدت إلى خالقها وهي تسعى الى الانتقام لديانتها وشرف أخواتها».

ويمثل صعود النساء على شكل مقاتلات تحولاً بارزاً في الدور المتشدد للمرأة، حيث كان يفترض في الرجال أن يقاتلوا فيما يفترض في النساء البقاء في المنزل وتربية أكبر عدد ممكن من الأطفال، وفي مقاييس أخرى لم يكن التغيير مدهشاً كما يبدو في الظاهر. وقد تزعم المرأة التي تزوجت من أحد مقاتلي التنظيم وهي تسعى اليوم الى العودة الى الغرب أنها ببساطة مجرد ربة منزل، ولكن منذ بداية ظهور التنظيم كانت بعض النساء أكثر راديكالية من أزواجهن، وسبق لمقاتل من داغستان أن أخبرني أنه يعرف إصرار نساء على انضمام أزواجهن أو أبنائهن الى التنظيم، وأنه يعلم أيضاً نساء يرفضن الزواج من غير مقاتلي خط الجبهة «لرغبتهن في تكوين عائلة مجاهدين حقيقيين».

وبالنسبة إلى نساء أخريات كانت الرغبة في المشاركة مدفوعة بعامل الانتقام أو الحاجة أو الاثنين معاً، وقد أعقب معركة الموصل المدمرة فورة من جانب قوى الأمن العراقية التي اغتصبت النساء ونهبت بيوتهن، ويساعد الكثير من الأرامل الآن التمرد بدافع الرغبة في استهداف عناصر الحكومة بحسب ما علمته من أشخاص أجريت مقابلات معهم في مخيمات اللاجئين. ويوجد أيضاً الكثير من الأرامل اللواتي لم يعد لديهن دخل ويعشن في ظروف بائسة وفظيعة في مخيمات اللاجئين، ويشعرن بأنه لم يعد لديهن خيار آخر سوى العمل مع داعش من أجل بقاء عائلاتهن.

وعلى الرغم من أن دعاية تنظيم داعش تصف هذا التغيير بأنه «حملة تمهد لعصر جديد من الغزو» فإن الخطوة المتمثلة بالسماح بمشاركة نساء مقاتلات تشير الى عامل يأس، وقد خسر التنظيم بشكل أساسي كل الأراضي التي كانت تحت سيطرته، وبحسب رائد حميد وهو كبير قضاة التحقيق في محكمة محاربة الإرهاب في الموصل فإن معظم مقاتلي التنظيم تعرضوا للقتل أو الإصابة أو الاعتقال.

لكنّ عدداً متزايداً من الأصوات حذر من أن التنظيم يملك القدرة على أن يكون أكثر خطورة، وضمن هذا السياق يحصل على ميزة من خلال صعود المرأة على شكل مقاتلة أو عميلة سرية، وعندما كان داعش يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي كان لديه الكثير من الرجال في ملابس عسكرية، لكن التنظيم الذي يعطي الأولوية للتخفي يعتبر المرأة العميلة سلاحاً عالي القيمة.

وبعد سقوط الموصل، على سبيل المثال، شاهدت القوات التي اختلطت معها نساء تحمل الطعام والماء وسط الركام وهو تصرف كان يمكن أن يثير الشك لدى الشرطة لو تم من قبل رجال، ولكن ذلك لا ينسحب على النساء، ونتيجة لذلك تمكن الرجال من البقاء في المخابئ والنجاة بأرواحهم.

ولا يسعى بعض رجال الأمن دائماً الى معالجة هذه التغيرات في ديمغرافية داعش، وفي حين توجد نساء تقاتل داعش في سورية لا توجد امرأة واحدة للقيام بهذا العمل في العراق.

وتحول غيابهن الى مشكلة أمنية خلال عملية استعادة الموصل، وفي حين حمل الجنود وقاموا بضرب الرجال القادمين من مناطق سيطرة داعش وتفتيشهم بحثاً عن أسلحة أو متفجرات بعد استسلامهم لم يرغب الجنود بالقيام بهذا العمل مع النساء.

ولذلك كان مفهوماً أن هذا يجعلهن أكثر خطورة من الرجال بحسب حسين محمود، وهو ضابط في الشرطة الفدرالية، وكانت المرأة مسؤولة عن الكثير من التفجيرات الانتحارية التي وقعت بشكل شبه يومي في مراكز الجيش العراقي خلال عملية الموصل، بحسب الجنرال عبدالوهاب السعدي وهو أحد قادة العراق ضد تنظيم داعش.

وقال رئيس بلدية الموصل العرجي إن قوى الأمن التي توفر اليوم معظم الأمن للمدينة تعمل على خطط لتجنيد مزيد من النساء في صفوفها وإضافة غرف مغلقة لتفتيش أماكن عبور النساء لكنه أعرب عن تشاؤمه من الجدول الزمني لتحقيق هذا الهدف.

يعلم المدنيون بالتأكيد الوجه الجديد لتنظيم داعش، وبحسب دراسة أجريتها مع زميل في الموصل في شهر ديسمبر الماضي فإن 85 في المئة من بين 400 شخص شملتهم الدراسة قالوا إن النساء في تنظيم داعش كنّ في الماضي على القدر نفسه من الراديكالية مثل الرجال، ووافق 80 في المئة على أنهن أدين دوراً مهماً في التنظيم، كما قال 82 في المئة إنهم يوافقون على أن النساء في التنظيم سيشكلن خطراً على الموصل في المستقبل.

وإذا كانت أدوار المرأة في العراق مصدر قلق يتعلق بحقوق الإنسان في الماضي فقد أصبحت الآن مصدر قلق أمني أيضاً، ولن يكون أمام العراق خيار سوى إعادة التفكير في أفكاره الخاصة حول الدور بين الجنسين والأمن ومن يمكن أن يشكل خطراً إذا كان يهدف إلى الأمان.

back to top