كيفية إعادة الديمقراطية إلى فنزويلا

نشر في 28-02-2019
آخر تحديث 28-02-2019 | 00:00
 ريل كلير منذ إعلان خوان غوايدو تسلمه منصب رئيس فنزويلا، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لتدعّم قيادته وتُرغم الدكتاتور نيكولاس مادورو على الخروج من السلطة. فقد تعاونت الخزانة الأميركية مع حلفائها لقطع العائدات عن شركة التوزيع الأميركية «سيتغو» التابعة لشركة «نفط فنزويلا» التي تديرها الدولة، كذلك فرضت عقوبات مالية كي تجمّد أصول القادة الفاسدين، سحبت تأشيرات الدخول الأميركية من مسؤولي النظام، واعترفت بمن عينهم غوايدو سفراء الحكومة المؤقتة في كاراكاس، ونشرت المساعدة الإنسانية التي تبدو فنزويلا بأمس الحاجة إليها على طول الحدود الكولومبية والبرازيلية بغية إيصالها إلى الفنزويليين اليائسين.

رغم ذلك، يبدو مادورو راسخاً في منصبه، متحدياً التوقعات المتفائلة (على طريقة بشار الأسد) عن أن أيامه معدودة، ففي هذه المرحلة تخطى عدد الدول التي تعترف بغوايدو (أكثر من 50) عدد المنشقين الرفيعي الشأن، ولم نشهد حتى اليوم الثورة العسكرية التي يأملها صانعو السياسات الأميركيون. وتشير التقارير الأولية إلى أن واشنطن تواصلت مع عدد من الجنرالات، إلا أن مسؤولي إدارة ترامب أنكروا علانية هذه الاستراتيجية كي لا يُتهموا بالتدخل في القوى الأمنية.

صار الجنرال المتقاعد هوغو كارفاخال، الذي وجهت إليه الولايات المتحدة تهما بتهريب المخدرات، المسؤول الأكثر أهمية الذي انشق عن مادورو، ولكن مع تقدّم الأحداث، من الضروري أن تركّز تكتيكات الولايات المتحدة خصوصاً على جذب مسؤولين عسكريين فنزويليين يملكون جنوداً مقاتلين تحت قيادتهم. كذلك على واشنطن أن تضمن مقاومة سياسيي المعارضة ميلهم إلى القبول بخوض حوار مثمر مع النظام.

من الواضح أن غوايدو من جهته يدرك الدور العسكري في إبقاء مادورو في السلطة أو تنظيم عملية انتقالية إلى الديمقراطية. لذلك عقدت الجمعية الوطنية اجتماعات سرية مع المسؤولين العسكريين والأمنيين وعرضت عليهم عفواً شاملاً عن معظم الجرائم البشعة وانتهاكات حقوق الإنسان، لكن العفو وحده قد لا يشكّل حافزاً كافياً بالنسبة إلى مَن يعملون بدافع الخوف والجشع.

صحيح أن الصف الأول في الجيش يبدو موالياً لمادورو في الظاهر، إلا أن هذا الأخير يدرك أنه لا يمكنه التعويل على الجزء الأكبر من القوى المسلحة، فبعدما تحدت تظاهرات في الشارع نظام مادورو في عامَي 2014 و2017، لم يتصدَّ الجيش النظامي مطلقاً للمتظاهرين، حتى مع ظهور علامات الاستنفاد على قوى الحرس الوطني. وبما أن مادورو يدرك أنه لا يستطيع الاعتماد على الجيش، ويستخدم عصابات مسلحة ووحدة شرطة خاصة، وقوات المهمات الخاصة، ليرعب المجتمعات: تنفيذ مداهمات من باب إلى باب، وإطلاق النار عشوائياً على الناس، واعتقال مَن يُشتبه في مشاركتهم في التظاهرات، وقد عانت الأحياء الشعبية الفقيرة على جانب التلة، التي شكّلت سابقاً حصناً لدعم الشافزية، الوقع الأكبر لعملية القمع هذه.

يعكس الاعتماد على قوات المهمات الخاصة تفاقم عدم الثقة بين مادورو وقواته المسلحة، ففي معظم الدول الدكتاتورية التي تواجه تظاهرات واسعة النطاق، يأتي وقت يُصدر فيه الحاكم المستبد الأمر بسحق المنشقين، وهنا ينشأ السؤال: هل يستخدم الجيش القوة المميتة ضد متظاهرين أبرياء أم يحوّل بنادقه ضد الحاكم المستبد نفسه؟ في الوقت الراهن، يعفي نجاح جماعات متشددة شبه عسكرية تُدعى «كوليكتيفوس» وقوات المهمات الخاصة مادورو من الاعتماد على الجيش للبقاء في السلطة، فمن الممكن لأي عملية عصيان جماعية في صفوف الجيش أن تشكّل إشارة إلى ضعف مميت وتحفز انتفاضة.

علاوة على ذلك، تصطدم مساعي الولايات المتحدة لتحفيز عمليات الانشقاق بصعوبة كبيرة بسبب حلقة المراقبة الكوبية التي تحيط بالجيش الفنزويلي والتي تتجسس على الجنود في أصغر الرتب إلى أعلى القيادات، وتحمل أدنى محاولة للانشقاق كلفة شخصية عالية للجندي وعائلته. نتيجة لذلك يدفع هذا الواقع كل مَن يفكّر في الانشقاق إلى إصدار إشارات كاذبة والمراوغة علانية، مما يعني أن على الولايات المتحدة التنبه إلى أن الجنرالات الفنزويليين قد يكونون أكثر انفتاحاً على الانشقاق مما توحيه تصريحاتهم العلنية.

ينبغي للولايات المتحدة أيضاً العمل مع غوايدو والمعارضة لاستهداف جنرالات محددين بدل الاعتماد على محاولات الاستمالة العامة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وفي سعيه إلى تسهيل عودة سريعة إلى الديمقراطية، يمكن للتدخل الأميركي أن يقدّم ضمانات على عدم تجاهل المطالبات بعدالة انتقالية بالحرص على مواجهة اللصوص، ومهربي المخدرات، ومنتهكي حقوق الإنسان الأكثر سوءاً العدالة.

من المهم أن نتذكر أن عام 2019 يشكّل السنة الأخيرة التي سيتلقى فيها معظم الجنرالات الفنزويليين بعض التدريب العسكري من نظرائهم الأميركيين، فبعد هذا العام، لن يصل إلى هذه المناصب إلا ضباط دربتهم كوبا فحسب، لذلك قد يكون الجنرالات الأكبر سناً الذين يملكون روابط مع الولايات المتحدة أكثر انفتاحاً على الانشقاق، في حين أن نظراءهم الذين دربتهم كوبا سيكونون أكثر ميلاً إلى رفض إغراء مماثل.

لا تشكّل حملة الولايات المتحدة للحض على الانشقاق دعوة إلى تنفيذ انقلاب عسكري، كما وصفها بعض اليساريين. على العكس تمثل اعترافاً صريحاً بأن الجيش يؤدي دوراً أساسياً في تحديد ما إذا كانت رئاسة غوايدو الدستورية ستنجح في تسهيل عملية انتقال سلمية. لن تساعد الولايات المتحدة المعارضة على الاتخاذ من الانشقاق وسيلة لتحقيق النصر، غير أن الجهود الحثيثة لاستمالة الجنرالات قد تزعزع الوضع القائم كفاية وتؤدي دوراً حاسماً في دفع البلد نحو عملية انتقال إلى الديمقراطية، فقد خاطرت واشنطن بالكثير بوضع ثقتها في غوايدو، لذلك لا يُعتبر الفشل خياراً في هذه المرحلة.

* «ريان بيرغ»

back to top