أتقصد بالي؟ استمتع!

نشر في 22-02-2019
آخر تحديث 22-02-2019 | 00:02
أوبود، إندونيسيا — كنت أتحرك بأسرع ما يمكن نظراً للوضع الراهن.

كنت أسير بحذر على حاجز ترابي بعرض 30 سنتمتراً يفصل بين حقول الرز المغمورة بالماء. راح كيس نفايات أربطه حول جسمي يصطدم بوركي فيما كنت أتشبث بعمود طوله 1.82 متر تقريباً مزود برأس معدني مستدق. كانت شلالات من العرق تنهمر على ظهري فيما رحت أطعن أكواب اللبن، أغلفة السكاكر، والأكياس البلاستيكية برمحي.

ثم فقدت توازني.

كان هذا أول يوم كامل لنا في جزيرة بالي الإندونيسية. انطلقت تسع منا في «مسيرة النفايات» قرب بلدة أوبود المرتفعة في قلب الجزيرة. نظمت هذه المسيرةَ سنثيا هاردي، صديقة دعتنا إلى بالي. انتقلت سنثيا إلى الجزيرة في ثمانينيات القرن الماضي وقد أقامت فيها لفترات متقطعة منذ ذلك الحين. فيما كانت سنثيا تقودنا، رحنا نتنقل بخفَّة بين حقول الرز الأخضر المرصوفة على طول ضفاف أنهر بنية زلقة ومجاري مياه عمرها قرون. كنا نبحث عن وحش النفايات. اجتزنا رجالاً، نساء، وأولاداً يستحمون في قنوات الري، التي تشكّل قلب نظام الري في بالي. يُدعى هذا النظام «سوباك»، ويُعتبر فريداً من نوعه، حتى إن اليونسكو أدرجته على لائحتها للتراث العالمي.

التقينا نحو نهاية مسيرتنا بامرأة تبيع دوريان، وهي فاكهة بحجم كرة القدم الأميركية لها قوقعة صلبة مليئة بالأشواك. اشترت سنثيا واحدة، كسرتها، فتحتها، وحاولت حضنا على تناول هذه الفاكهة التي بدت رائحتها شبيهة بخليط مقزز من النفايات المتعفنة والجوارب المليئة بالعرق. لكنها أكّدت لنا أننا إذا تمكنا من تجاهل الرائحة، سنتناول ما يشبه قطعة من العلكة الغنية بنكهة الفاكهة.

حاولت إلا أنني شعرت أنني أختنق فبصقتها.

ثمن الشهرة

ترسم كلمة «بالي» صورة جميلة من الاحتمالات، اللمحات الساحرة، والروحانية. إنها جزيرة من معابد الهندوس وآلهتهم في أمة تضم المجتمع الإسلامي الأكبر في العالم.

لكن ما نغفل عنه في تخيلاتنا عن بالي أن هذه الجزيرة تناضل للحفاظ على هويتها فيما تتحول إلى جنة سياحية وهدف نادر للإرهابيين الإسلاميين.

أدت ثروة بالي الجديدة إلى امتلاء طرقاتها بالدراجات النارية. كذلك تختنق ممراتها المائية وحقولها من الرز بالنفايات التي حوّلت هذه الجزيرة، التي كانت في الماضي مثال الجمال، إلى رواية تحذيرية عن مخاطر البلاستيك والاستهلاك في مجتمع زراعي غير مجهز لتحدٍّ مماثل.

يمكنك تجاهل هذه المشاكل أو السعي إلى حلها، كما حاولنا في مسيرة النفايات التي خضناها. ولكن مهما كانت تجربتك في بالي، فسيسحرك بالتأكيد شعبها الروحاني، جمالها الشديد، وخليطها الاستوائي من الخصوبة والفساد.

طبول في الليل

كانت زيارتي إلى الجزيرة، التي دامت تسعة أيام، استثنائية، إلا أن أي شخص يستطيع أن يخوض رحلة مماثلة. قصدت إندونيسيا بسبب صداقتي مع أسرة هاردي. لكنني سددت تكاليف إقامتي، بطاقة سفري، وسائر رحلتي، تماشياً مع سياسة صحيفة «لوس أنجليس تايمز».

قدمت تسع نساء، معظمهن صديقات لسنثيا منذ طفولتها في مقاطعة مارين، لزيارة هذا المكان الذي دعته موطنها طوال الثلاثين سنة الماضية. لذلك اعتمدنا على خبرتها الواسعة، فرتبت لنا الجولات، الرحلات اليومية، نزهات التبضع، مآدب الطعام، وصفوف اليوغا بالتأكيد.

بُني منتجع «بامبو إنداه» على جرف يطل على نهر أيونغ. تزين مساحة الهكتار الواحد التي يشغلها حدائق الخضر، أشجار جوز الهند والفتنة، وأحواض السباحة التي تحدها الصخور والتي تبدو أشبه ببرك طبيعية.

أما مساكنه، فتتألف من 11 مسكن عرائس جاوي تراثي، مساكن تقليدية ساحرة مع أنها تضم برادات، مكيفات هواء، إضاءة جيدة، وإمدادات صحية. كذلك يقع عدد من أكواخ البامبو الجديدة، التي صممتها إلورا هاردي، على النهر وتحيط بها الأدغال.

قبل تناول العشاء ذات ليلة، كنت مسترخية في كوخي الفسيح «المنزل الأفريقي». تمددت خلف ستائر سرير إسلامي بيضاء في مأمن من البعوض.

كانت الضفادع قد بدأت لتوها معزوفتها الليلية عندما اخترقت غرفتي ألحان أجراس وطبول. كان ذلك النغم الغامض يرتفع، يخفت، ليعاود الارتفاع. فشعرت أن قوة غريبة تشدني.

خرجتُ من كوخي وتوجهت إلى مطعم الفندق الذي لا جدران له. فعثرت هناك على نحو 12 عازفاً بالياً يجلسون على الأرض ويطلقون موسيقى ساحرة من آلات ميتالوفون شبيهة بسيلوفون، بونانغ شبيهة بركاوي نحاس، وطبول. كانت فرقة غاميلان موسيقية بالية تقليدية، وكانت تلك الموسيقى الإيقاعية آسرة.

بعدما انتهينا من تناول مأدبة الطعام، رافقت هذه الفرقة الموسيقية رقصة مقنعة أدى فيها راقصون يرتدون أزياء منمقة بإتقان ويضعون أقنعة بشعة قصصاً فلكلورية بالية.

مع أننا كنا نجهل القصص التي تروى، سهل علينا رؤية أن الخير انتصر على الشر.

مجتمع مغلق

لا يستأجر معظم الزوار سيارات في بالي بل يستخدمون سائقين، علماً أن هذه خطوة سهلة من خلال الفنادق والشركات المحلية. كذلك يُعتبر هذا الخيار الأكثر أماناً لأن شوارع بالي تكتظ بالدراجات النارية الصغيرة، فضلاً عن أن القيادة إلى اليسار. وتجعل العوائق على أي طريق (الشاحنات، حافلات الجولات، الحافلات الصغيرة، الدجاج، وأحياناً البقر) القيادة مهمة شاقة.

اصطحبنا سائقونا في بامبو إنداه ذات يوم من أوبود إلى كارانقاسيم في رحلة دامت ساعتين بالسيارة إلى ساحل بالي الشرقي، حيث خططنا لقضاء ليلة واحدة.

على الطريق زرنا قرية تنغانان القديمة حيث يُعرف السكان بآغا بالي أو سكان بالي الأصليين. مجتمعهم مغلق، فلا يمكنك أن تعيش في المدينة إلا إذا وُلدت فيها. أما إذا تزوجت غريباً، فترحل.

دفعنا رسوماً بسيطة لندخل القرية التي تمتد على طول ممر عريض معشوشب. تضاعفت المنازل على كلا الجانبين، شأنها شأن المشاغل والمتاجر. في أحدها شاهدنا نساء يحكن قماش إيكات مزدوجاً، وهذه عملية قديمة مضنية تنتج نسيجاً جميلاً يتمتع بقيمة عالية بين جامعي النسيج.

لكن سعر هذا النسيج كان باهظاً جداً: 600 دولار لقطعة من قماش إيكات بحجم وشاح طويل عريض. لذلك اشتريتُ بدلاً من ذلك عدداً من سلال الخيزران المحبوكة والبيض الفارغ المزين برسوم لآلهة هندوسية. كان البيض ملفوفاً بعناية وموضوعاً برقة في علب بامبو محبوكة، ما جعلها هدايا مناسبة.

back to top