د. درية فرحات: «احكي يا شهرزاد» بوح لشجون المرأة وهواجسها

• ترى أن الأدب يحتاج إلى تلميح وإيماء كي لا يتحوّل إلى تعليم وتوجيه

نشر في 18-02-2019
آخر تحديث 18-02-2019 | 00:03
في مجموعتها القصصية الصادرة حديثاً «احكي يا شهرزاد» تحفر الدكتورة دريّة فرحات عميقاً في وضع المرأة اليوم وتصور معاناتها في مجتمع ذكوري لم يتغيّر رغم التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات، لذا تجعل من شهرزاد (بطلة ألف ليلة وليلة) امرأة جديدة تناضل في الليل والنهار في سبيل التغيير، من دون أن تتخلى بالطبع عن القيم والمبادئ التي تشكل أساس البناء القصصي عند الكاتبة.
شهرزاد درية فرحات امرأة رؤيوية، متمردة، قوية، تحكي في 34 قصة شجون المرأة ومعاناتها من دون أن تستسلم للواقع بل تسعى إلى تغيير صورتها ودورها من مكمل إلى رئيس.
د. درية فرحات حائزة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية (2013). لها أبحاث ومؤلفات ومنشورات من بينها: «التمرد في شعر الشاعرات البحرينيات»، و«طرق تدريس قواعد اللغة العربية ودورها في تنمية التحصيل اللغوي»، و«الرغيف وطواحين بيروت نموذج لوطنية توفيق يوسف عواد».
لماذا اخترت «احكي يا شهرزاد» عنواناً لمجموعتك القصصية؟

لرمزية اسم شهرزاد، فهي المرأة التي كان عليها أن تسكت عن الكلام المباح كلّ صباح، فأنقذت بني جنسها من الموت، لكن شهرزاد اليوم عليها أن تحكي في الصّباح والمساء، في الخفاء والعلن، في ريعان شبابها وفي أرذل العمر، فالحياة ملك يديها، والوقت حان أن تعبّر عمّا في خاطرها وما في قلبها من شجون.

أبطال قصصك شخصيات من صميم الواقع، فهل هم صدى لكل واحد منا في حياته وهواجسه؟

يقوم البناء الفنيّ لأي قصّة على خلق الشّخصيات التي تُسند إليها أعباء كثيرة، فالشّخصية تعمل على تقوية الجانب الأدبيّ في القصة، وعبرها تتأّزم حبكة القصّ، وينتقي الكاتب عادة أبطاله من الواقع، وتكون لديه قدرة على رسمها مستنداً إلى مهارته في استخدام تقنيات السّرد. وهكذا أرسم شخصياتي، هي من أرض الواقع، انتقيها من زوايا متعدّدة، ومن الطرقات والأزقة، من حولي وممّا أحتكّ به من النّاس.

لا يعني ذلك أنّني أنسخ ما أراه في الواقع كما هو، إنّما أنقل هذا الواقع وأرسمه بعد أن يخاطب الحرف الإحساس فيجيبه ببسط مداده، ويخرج من قوقعته ويعلن الخبايا. قد تكون اللحظة الأولى هي الأصعب، لكن ما إن ينطلق حتّى تكرّ سبحة الإحساس بهذه الشّخصيات، ولأنّها ترسم الواقع فحكماً ستكون صدىً لمن حولنا، وقد يرى كلّ قارئ للقصص أنّها مرآته يرى نفسه فيها.

تمرّد وانكسارات

في قصصك انتقاد وتمرد على العادات والتقاليد، فهل قصدت توعية المرأة بالذات وحثها على رفض هذه العادات؟

لحظة الكتابة هي لحظة عفوية، فتأتي ولادة الكلمات مرتبطة بالأحاسيس والمشاعر، ومن خلال انصهار الكاتب مع تجربته، والانغماس فيها، لذا لا أتقصد من الكتابة توعية ثقافيّة واجتماعيّة. من جهة أخرى، ليست كتاباتي عبثيّة وفوضويّة، إنما تنطلق من تجربة تمتزج بالنّضج والمبادئ التي اعتنقها، من هنا يمكن القول إن في قصصي تبرز القضية الاجتماعيّة، وفيها أرفض بعض العادات التي تصوّر المرأة سلعة أو من كماليات البيت. أمّا التّوعية فهي عند وصول النّص إلى المتلقي، عندها يُصبح ملكاً له، يتناغم ويتماهى معه وفق إحساسه وتجربته وفكره.

ما الذي أردت قوله لها؟

أن تنشل نفسها من هذا الانكسار، فالمرأة التي قيل فيها إنّها نصف المجتمع، والمرأة التي دعت الدّيانات إلى تمجيدها، والمرأة التي أنجبت العظماء، ليس عليها أن تخضع لذكورية المجتمع، ولرغباته ونزواته، وألّا تكتفي بكونها لوحة جميلة تزدان بالألوان البهية التي تجذب ذكورية الرّجل، بل عليها أن تقتنع بعقلها وحسنها. وكلّما انزوت في قيود المجتمع غير السّليمة، دمّرت المجتمع، وأوصلته إلى الانكسار. وفي الحقيقة هي رسالة إلى الرّجل أيضاً، لأنّه إذا أراد بناء مجتمع سليم فلن يكون ذلك بمفرده.

لماذا قصدت استعمال أسلوب الأسئلة والرموز من دون تسمية الأمور بأسمائها؟

يقال إنَّ أجمل الكتب هي التي تثير التساؤلات، من هنا تركت للقارئ أن يُشغل عقله ليكتشف الخبايا في القصة، وفي ذلك ابتعاد عن المباشرة والوضوح، فالعمل الأدبي يحتاج إلى التّلميح والإيماء إلى كثيرٍ من المعاني التي يكتملُ بناؤها في ذهن المتلقّي الفطِن، وإلّا يتحوّل إلى تعليم وتوجيه.

شهرزاد أمس واليوم

هل ثمة رابط بين شهرزاد «ألف ليلة وليلة» وشهرزاد قصصك؟

انطلاقاً من رمزية شهرزاد التي ذكرتها سابقاً، فإنّ الرّابط بين شهرزاد ألف ليلة وليلة وشهرزاد قصصي، هو الرّغبة في التّغيير، ولكن شهرزاد التّراث عند الصّباح سكتت عن الكلام المباح، فالكلامُ مباحٌ سرّاً ... أمّا في العلنِ فهو كلامٌ غير مباح. أمّا شهرزاد حكاياتي فهذا وقتُها لتقول ما في خاطرها وما في قلبها من شجونِ الحبِّ والألم ... منَ الانتماءِ إلى الوطنِ والإنسانيّة ... منْ أحاسيسِ الطّفولة.

قصصك غير محددة بمكان معين، فهل هي محاكاة للإنسان إلى أي مجتمع انتمى؟

في ثنايا الكتابِ حكاياتٌ لشهرزادَ منْ هنَا ومنْ هناكَ... مواقفٌ من معاناتِها ومن أزمتِها في مجتمعِها بقالبٍ فنيّ سرديّ، وإذا كان المكان غير محدّد في قصصي فلأنها تتماهى مع تجربة المرأة في كلّ مكان، وربما لأنّ المجتمع العربيّ فيه الكثير من الصّفات المشتركة، فإنّ هذه الحكايات قد تكون لأي امرأة من المحيط إلى الخليج، لكن لا يعني ذلك انتفاء الرّبط بين الحدث والمكان والزّمان في قصصي، فقد نلمح إشارات تدلّ على موقع معين، أو تُشير إلى زمن ما.

أين انت في قصصك؟

أنا في كلّ شهقة من شهقات الحرف، في كل همسة من همسات الكلام في قصصي، هي تعبير عن الذات، وعن الأنا عندي، لكن ما إن تنطلق هذه الأنا معبّرة عن مكنوناتها وما يختلج فيها من مشاعر، فتصل إلى أنا الآخر فيقرأ ما كتبته الأنا عندي، أي يحدث التّداخل بين الأنا / والنّحن، عندها أخرج من قصصي ولا أعود فيها كمنتجة للنّصّ، إنّما كقارئة له.

ما الجديد الذي تحضرينه راهناً؟

ثمة تحضير يومي تقريباً لعملي الأكاديمي الجامعي الذي يفرض عليّ أن أقوم بالعمل البحثي النقديّ، وإعداد ما يناسب من محاضرات في الجامعة. أمّا بما يتعلّق بالكتابة الإبداعيّة فحكماً ينطلق الحرف معبّراً عن أشجاني بين الفينة والفينة، أجمعها بين طيّات أوراقي، إلى أن تبصر النّور لاحقًا.

أدب القصة والأدب الوجيز

حول التنوع في أسلوبها بين أدب القصة والأدب الوجيز وهل للفكرة دور في ذلك، توضح د. دريّة فرحات: «الأدب الوجيز هو الكلام القصير السريع الوصول إلى الفهم، وهو صياغة كلام قصير يدلّ على معنى كثير وافٍ بالمقصود. من هنا يمكن أن يكون للفكرة دور في التّنويع بين أدب القصة والأدب الوجيز، فمتى انتهت الفكرة فلا حاجة إلى الاستطراد والإطالة حبّاً في التوسيع وتضخيم الحجم».

تضيف: «من خصائص هذا النّوع أنّه يتميّز بالحفاظ على الطبيعة السرديّة، من خلال اعتماد عناصر السرد أي الحدث والشّخصيّة والمكان والزمان وما فيه من استرجاع واستباق والحوار أو المونولوج ولغة وأسلوب وسارد وزاوية رؤية أو تبئير. لكنّه يتّصف بقصر الحجم والاعتماد على الإيحاء المكثف، بالإضافة إلى سمتي التّلميح والاقتضاب، واعتماد النّفس الجمليّ القصصيّ المرتبط بالحركة والتوتر مع الميل إلى الحذف والإضمار. أمّا لغة القصة فقد تميل إلى لغة فيها الانزياح والصورة والخيال».

تتابع: «لأجل ذلك كان توجّهي نحو التّنويع بين القصة والقصة القصيرة جداً. ويمكن أن نشير إلى ملتقى الأدب الوجيز الذي أنتمي إليه في لبنان، وهو ملتقى يسعى إلى تأطير هوية القصة القصيرة جداً، وشعر الومضة».

لحظة الكتابة هي لحظة عفوية فتأتي ولادة الكلمات مرتبطة بالأحاسيس والمشاعر
back to top