سدانيات: تعليم على وحدة ونص!

نشر في 15-02-2019
آخر تحديث 15-02-2019 | 00:06
 محمد السداني بعد مهمة غبت فيها عن الفصول الدراسية عدت مرة أخرى؛ لأقف أمام طلابي ولكن لم يكن الوقوف مشابها لما كان في السابق، ولم يكن الحديث يحمل روح السابق، شعرت أنني مشلول ولا أقدر على ممارسة التعليم بعد الآن، أعتقد أنَّ الوقت حان لأشد الرحال بعيدا عن الأفعال المضارعة وأجعلها ماضية وأن كون الحال جملة فعلية تفيد الرحيل عن التعليم وما به من مآس وجمود.

سنوات من النضال في قطاع التعليم أحاول فيها أن أغير مفهوم "التلقين" الذي دمر مجتمعا بأكمله، فسطَّحه وتفَّه تطلعاته وأعدم ثقافته، وما زاد الطين بِلة هو تشوُّه مفهوم تطوير التعليم، فبدلا من أن يثور أهل الميدان منتفضين ضد ممارسات الوزارة المتخبطة في عدم وجود استراتيجية للتعليم، نجدهم يفسرون الماء بعد جهد بالماء، فتعقد دروس التقوية "مجانا" وتتبارى المدارس بإقامة هذه الفعاليات دون علم أو بعلم أنَّهم يجملون العملية التعليمية الشوهاء بمساحيق لن تدوم طويلا، ولن تداري سوءة التخبطات المتتالية للوزارة.

أعتقد أن مثلي الكثير ممن فقد الأمل في إصلاح التعليم ومنظومته التي تفتقر إلى أبسط خطوات التطوير لكي نصبح دولة محترمة تملك تعليما يرقى إلى ما نقدمه من مليارات تدفع في سبيل التعليم، وهي في الحقيقة رواتب تدفع من أجل موظفين.

إن التعليم من المهن التي لا يمكن أن يقدم المعلم فيها خطوة واحدة دون رغبة حقيقية منه وبيئة تسانده وتشجعه في هذه الرغبة، وإلا فالرحيل عن التعليم أسلم الحلول التي من شأنها أن تكون أضعف الإيمان في هذه العملية غير الحقيقية والهزلية، والتي تبدأ من بداية العام الدراسي، ومشكلة المكيفات إلى نهاية العام ومشكلة درجات الطلبة وتدوير مديري المدارس.

وما يزيد الطين بلَّة أخرى أن ثقافة جديدة دخلت على مجتمعنا، فأصبح الغش حقا مكتسبا للطلاب وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي منبرا للشكوى والمطالبة بالتخفيف عن الطلبة في المراقبة، ولم أنس مشهد اعتصام الطلاب الذين طالبوا وزير التربية بإلغاء لائحة الغش، مشهد مؤلم لم أكن أتخيل أن أراه في دولة متحضرة مثل الكويت، إن مشكلة الغش التي نحاربها لا تقتصر على شهادة ثانوية أو غيرها، ولكنها ثقافة من الخطير أن يتم تأصيلها أو أن تصبح نهجا للأفراد في الحصول على مكتسباتهم أو غير مكتسباتهم.

إننا ونحن نقف أمام مشكلة التعليم وتراجعه يجب علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا يفتح لنا باب الإجابة على مصراعيه، هل فعلا تحتاج هذه الدولة إلى أشخاص متعلمين؟! وهل وفرت الدولة بيئة تنافسية حقيقية للمواطن ليمارس دوره ويبرز قدراته في سوق العمل؟! في الحقيقة إننا بنينا منظومة من الفساد والبطالة المقنعة والتي حولت التعليم إلى جهاز إصدار شهادات جامعية تبلغ قيمة الواحدة منه ألف دينار كويتي، وهو الراتب الذي يحصل عليه المواطن بعد تعيينه بوظيفة بطالة مقنعة في إحدى وزارات الدولة التي لن تحتاجه.

حفلات الرقص التي نشاهدها هذه الأيام بمناسبة الأعياد الوطنية لن تقدم التعليم خطوة واحدة للأمام، ولن تستفيد الدولة من حملات الأعلام والأغاني الوطنية التي صدَّعت رؤوسنا ليل نهار بوطنية كاذبة لا تتعدى حناجر ناقلها، أو لا تتمثل إلا بإنجاز وهمي لا يمثل أي تقدم لعملية التعليم التي عانت الأمرَّين بسبب إهمال الحكومة لها وعدم وعي الشعب بأهمية وجود تعليم حقيقي ينهض بهذه الدولة بدلا من الرقص على نغمات وطن سيختفي من الوجود إذا لم نعد العدة للقادم من الأيام، وأقولها صادقا ومؤمنا بها من لم يستطع إدارة الحكومة في الرخاء فلن يستطيع إدارتها في ظل العجز.

خارج النص:

• أعتقد والله أعلم أن الدولة لا تملك نصا يضبط فساد الفاسدين في كل القطاعات وخصوصا الشوارع التي كسَّرت ما تبقى من الأمل في هذه الحكومة.

back to top