العالم أمام عصر جديد من عدم الاستقرار النووي

نشر في 15-02-2019
آخر تحديث 15-02-2019 | 00:01
ترامب موقعاً على الانسحاب من الاتفاق النووي
ترامب موقعاً على الانسحاب من الاتفاق النووي
من شأن الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى والنأي عن اتفاقيات الرقابة على الأسلحة تعريض العالم لأخطر أسوأ أنواع الأسلحة على كوكب الأرض، والتحضير لموجة جديدة من التقنية الخطرة بما في ذلك الأسلحة السيبرانية التي تستطيع مهاجمة مراكز القيادة النووية وأنظمة التحكم والرقابة، والتي تتطور بسرعة.
أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أسبوعين انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، وذلك في خطوة أثارت قلق العالم بأسره، وكانت هذه المعاهدة جعلت العالم أكثر أمناً كما كانت أول معاهدة نووية تحظر فئة كاملة من الأسلحة.

وكانت إدارة الرئيس ترامب استبعدت هذه المعاهدة باعتبارها غير ذات صلة لأن روسيا عمدت الى تطوير عملية اعتراض صواريخ كروز من جانب واحد منتهكة التزاماتها في هذا الصدد، ويقول الروس من جانبهم إن الولايات المتحدة هي التي بدأت هذا السباق من خلال إعلان انسحابها من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في عام 2001 وبناء أنظمة صواريخ دفاعية على مقربة من الحدود الروسية.

وتجدر الإشارة إلى أن النأي عن اتفاقيات الرقابة على الأسلحة لا يحدث من فراغ، وكانت الإدارة الوطنية للأمن النووي وهي القسم الذي يشرف على إنتاج الأسلحة في وزارة الطاقة الأميركية قد أعلنت في الأسبوع الماضي أنها بدأت بإنتاج قنبلة نووية جديدة تعادل في قوتها نحو ثلث القنبلة التي استخدمت في قصف هيروشيما. وتعتبر هذه القنابل «صغيرة بما يكفي من أجل الاستخدام» وستكون جاهزة للنشر بحلول نهاية هذه السنة.

ومن شأن الانسحاب من هذه المعاهدات تعريض العالم لأخطر أسوأ أنواع الأسلحة على كوكب الأرض، والتحضير لموجة جديدة من التقنية الخطرة بما في ذلك الأسلحة السيبرانية التي تستطيع مهاجمة مراكز القيادة النووية وأنظمة التحكم والرقابة، والتي تتطور بسرعة، كما أن احتمال حدوث خطأ نووي يبدو أنه يزداد في كل يوم.

وتستثمر الدول النووية الرئيسة بشدة في الوقت الراهن ترسانتها من هذه الأسلحة، فلدى باكستان على سبيل المثال أسرع ترسانة في العالم، كما أن الولايات المتحدة تخطط لإنفاق أكثر من 1.2 تريليون دولار خلال الثلاثين عاماً المقبلة على الأسلحة التي تزيد استهداف الأسلحة النووية، وتستمر الصين أيضاً في تحديث ترسانتها النووية في البر والبحر والجو.

ومما يضاعف من سوء الأوضاع أن ثمة قنوات قليلة للاتصالات بين الخصوم- وخصوصا الولايات المتحدة وروسيا– ولديهما أكثر من 90 في المئة من أسلحة العالم النووية، ويوجد أيضاً اعتقاد متجدد في إمكانية استخدام الأسلحة النووية، وتعتمد عقيدة روسيا العسكرية بازدياد على تلك الأسلحة في استراتيجية المستقبل.

خطر النزاع بين الدول

واعترف تقرير صدر من مدير الاستخبارات الوطنية في شهر يناير الماضي أن «خطر النزاع بين الدول- بما فيها بين القوى العظمى– أعلى من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة، وأن خطر استخدام أسلحة الدمار الشامل سوف يستمر في الازدياد»، ولكن الأنباء الجيدة هي أن في الإمكان وقف هذا المسار السلبي المقلق.

في غضون ذلك يوجد لدى الكونغرس الأميركي دوره المهم للقيام به، وفي هذا الشأن قال آدم سميث وهو رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب إن خطط الإنفاق النووي لدى إدارة ترامب ليست ضرورية من أجل الردع كما أنها غير محتملة، وسوف تقرر لجنته نوعية الأنظمة الدفاعية التي يتعين توفير التمويل لها، وفي وسعه إبطاء خطط نشر تلك الأسلحة الجديدة بصورة كبيرة وبارزة.

ويتعين على الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب عقد جلسات استماع حول ما إذا كان يجب عرض بدائل استراتيجية مماثلة للأسلحة التقليدية، مع عرض قدر أكبر من المرونة في كيفية استخدامها، والكثير من الخبراء، بمن فيهم وزير الدفاع السابق وليم بيري يعتقدون أن الرد التقليدي يمكن أن يكون على القدر ذاته من الفعالية، وربما أكثر من ذلك، وبالتأكيد يتعين على صناع القرار في الولايات المتحدة طرح هذه المسألة للنقاش قبل إنفاق مبالغ كبيرة ومن دون ضرورة من أجل الإسهام في سباق تسلح جديد.

من جهة أخرى يتعين على إدارة ترامب النظر في عرض روسيا البدء بمفاوضات حول تمديد اتفاقية ستارت الجديدة للرقابة على الأسلحة التي تنتهي في عام 2021، وكانت إدارة ترامب استبعدت هذا العرض بشكل شبه فوري بعد تسلمها السلطة. وفي حقيقة الأمر هناك سبب وجيه للتشكيك في هذا العرض، لكن تفادي المحادثات يوفر لروسيا دعاية رخيصة، كما يسمح لها بالاستمرار في انتهاك القلة المتبقية من التزامات هذه الاتفاقية، ومن جهتها يتعين على موسكو إرسال وفد مفاوض موثوق إلى هذه المحادثات لا مجموعة من المسؤولين السياسيين الذين لا يملكون سلطة اتخاذ قرار كما حدث في السابق.

وفي وسع الكونغرس المساعدة في إيجاد سبل لإعادة بدء المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا بما فيها مشاركة وفد عسكري يركز إلى حد كبير على الأسلحة النووية، وكانت مثل هذه المحادثات شائعة إبان الحرب الباردة، لكنها غابت الى حد كبير في الوقت الراهن. ويتعين استئناف هذه المحادثات اليوم مع ازدياد احتمالات وقوع الحوادث النووية وسوء التقدير، وكان الجانبان تشاطرا المصلحة في حماية مستقبل البشرية، ولكن مثل هذا الحوار أصبح أكثر صعوبة مع مواجهة الرئيس ترامب اتهامات بعدم الكشف عن علاقاته مع روسيا، وسوف يكون الحوار مع روسيا هدفاً مجزياً بالنسبة الى الديمقراطيين من أجل استخدامه ضد الحزب الجمهوري في فترة الانتخابات المقبلة.

ويتعين على كل الأطراف في الجانبين من جمهوريين وديمقراطيين وأميركيين وروس العمل كمسؤولين ناضجين عندما يتعلق الأمر بالأمن النووي، فقد دخل العالم في عصر جديد وخطير من عدم الاستقرار وتصرفات إدارة ترامب مثل صنع أسلحة نووية صغيرة، والانسحاب من اتفاقيات الرقابة على الأسلحة، تجعل الأمور أكثر سوءاً فقط.

back to top