كيف تحقق الشعبوية في أوروبا الفوز بالخسارة؟

نشر في 13-02-2019
آخر تحديث 13-02-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت هل تؤدي انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر مايو إلى ثورة سياسية؟ هذا ما تأمله بالتأكيد الأحزاب الشعبية والقومية. لا تعِد هذه الأحزاب بانقلاب تام في المؤسسة الحاكمة في بروكسل، بل بإنهاء حرية انتقال الناس أيضاً، ورفع العقوبات عن روسيا، والتخلي عن حلف شمال الأطلسي، والابتعاد عن أي صفقات تجارة حرة مستقبلية، وعكس سياسات محاربة التبدل المناخي، ومنع زواج مثليي الجنس.

لطالما شملت البرامج الانتخابية، التي تبنتها الأحزاب الهامشية المناهضة للوحدة الأوروبية، الكثير من هذه الأفكار. لكن مسحاً واسعاً للمسارح السياسية الوطنية السبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي، قادته سوسي دينيسون وباول زركا من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وسيُنشر خلال أيام، يُظهر أن الناخبين قد يكونون أكثر تفاعلاً مع اقتراحات مماثلة هذه السنة مقارنةً بالسنوات الماضية.

في الماضي، شكّلت الانتخابات الأوروبية عموماً مسائل وطنية لا تشمل مخاطر كبيرة ولا تحظى بإقبال واسع من الناخبين، لكن تلك الأيام ولّت، فقد تحوّل موسم الحملة الانتخابية اليوم إلى حدث عابر للحدود يعني عموم أوروبا. وبينما يسعى الأميركي الشعبوي مثير الاضطرابات ستيف بانون إلى بناء ائتلاف من الحكومات الوطنية اليمينية، أنشأ رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني ائتلافاً شعبوياً يجمع بين اليسار المناهض للتقشف واليمين المناهض للهجرة. هدف أوربان وسالفيني السيطرة على مؤسسات الاتحاد الأوروبي وعكس الاندماج الأوروبي من الداخل، ولا تشمل رؤيتهما ما يقل عن إعادة تأسيس الغرب على قيم غير ليبرالية.

علاوة على ذلك، من المؤكد أن إقبال الناخبين سيكون أعلى بكثير من نسبة 20% إلى 40% المعتادة، فكما نجح مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تحفيز ثلاثة ملايين بريطاني يمتنعون عادةً عن التصويت، كذلك قد يستقطب الشعبويون في القارة الأوروبيين الذين يشعرون بأن الأحزاب الرئيسة نسيت أمرهم، وإذا أقبل هؤلاء الناخبون على صناديق الاقتراع فيما بقي مؤيدو القادة المعتدلين أمثال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المنزل، فقد تحقق الأحزاب الشعبوية بكل سهولة أداء أفضل بكثير مما تعكسه استطلاعات الرأي اليوم. اكتشف أيضاً المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن تجمّع الأحزاب المناهضة للوحدة الأوروبية، حتى لو شكّل أقلية برلمانية، قد يقلّص إلى حد كبير قدرة الاتحاد الأوروبي على معالجة مخاوف الناخبين، فضلاً عن أنه يهدد مبادئه الأساسية في الحكم. على سبيل المثال، مع ثلث المقاعد البرلمانية، يستطيع الشعبويون عرقلة فرض عقوبات ضد دول أعضاء تنتهك قواعد الاتحاد الأوروبي وحكم القانون، علماً أن الاتحاد الأوروبي يسعى اليوم إلى اتخاذ تدابير مماثلة ضد حكومة حزب القانون والعدالة في بولندا وحكومة أوربان في هنغاريا على حد سواء.

قد ينجح المتمردون الشعبويون أيضاً في عرقلة مفاوضات ميزانية الاتحاد الأوروبي أو حتى دفع الاتحاد الأوروبي نحو "تعطيل للحكومة" بمنع التصديق على إطار العمل المالي المتعدد السنوات لأعوام 2021 حتى 2027، إذا تمكنوا من الفوز بالأكثرية. ومع أقلية معرقلة أو السيطرة على بعض اللجان البرلمانية، قد يتمكن عدد من المناهضين للوحدة الأوروبية من الوقوف في درب صفقات التجارة الدولية والتعيينات في المفوضية الأوروبية. كذلك سيكون الشعبويون الذين يفوزون بمقاعد في البرلمان الأوروبي تواقين إلى زعزعة سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، إما بالتحكم في الأموال أو بتعديل قرارات هذه السياسة، وإن أحزاباً شعبوية أوروبية كثيرة تملك روابط مالية مع الكرملين، سيكون هدفها التخفيف من العقوبات المفروضة على روسيا، فضلاً عن ذلك سيسعى الشعبويون إلى إحباط جهود السياسة البيئية مثل اتفاق باريس للمناخ.

بالإضافة إلى ذلك، تتزامن الانتخابات البرلمانية الأوروبية مع إعادة اصطفاف سياسي واسع داخل دول أعضاء الاتحاد الأوروبي، لذلك، سيعني النجاح الانتخابي في شهر مايو، بالنسبة إلى الشعبويين والمعتدلين على حد سواء، نجاحاً على المستوى الوطني، وستعقد إستونيا وسلوفاكيا انتخابات عامة قبل الانتخابات البرلمانية الأوروبية، في حين ستنظم بلجيكا والدنمارك انتخابات في وقت لاحق من السنة. وفي كل هذه الحالات قد تصل الأحزاب الشعبوية إلى السلطة كشركاء في الائتلاف الحاكم.

وما يزيد الطين بلة وقوع الأحزاب المؤيدة للوحدة الأوروبية في الشرك الذي تنصبه الأحزاب المناهضة لهذه الوحدة، ففي مختلف أنحاء أوروبا، يتعاطى الليبراليون، والخضر، والكثير من الأحزاب اليسارية مع الانتخابات كما لو أنها صراع بين العالميين وأنصار الملكية الشيوعية أو بين مؤيدي العولمة والوطنيين. لكن هذا الإطار السياسي يعود بالفائدة على المتمردين المناهضين للوحدة الأوروبية دون سواهم.

لم تُحسَم هذه المسألة بعد، ولكن كي نتفادى الفشل، على مؤيدي الوحدة الأوروبية الكف عن التصرف بطرق تثبت الأفكار النمطية التي ينشرها الشعبويون عنهم مصورين إياهم كداعمين للوضع القائم في بروكسل، ويعني هذا تقديم انتقاد صريح وصادق لعيوب الاتحاد الأوروبي مع تفادي النوع الخطأ من الاستقطاب وخصوصاً في مسائل لا يملكون فيها دعم أكثرية واضحة.

في الوقت عينه، على الأوروبيين المؤيدين للوحدة الأوروبية أن يبدؤوا بنشر أسباب "شقاق" خاصة بهم. على سبيل المثال، في مسألة الهجرة البالغة الأهمية، يبدو جلياً أن مصالح أوربان وسالفيني لا تتلاقى، فبينما يريد أوربان التخلص من كل المهاجرين، يدعو سالفيني إلى توزيع طالبي اللجوء الذين يصلون إلى إيطاليا على كامل دول الاتحاد الأوروبي، وينبغي لمؤيدي الوحدة الأوروبية أن يبرزوا هذه التناقضات لناخبي هنغاريا وإيطاليا. لنضع جانباً كل المصاعب الأخرى التي يواجهها ماكرون، يبدو الرئيس الفرنسي مدركاً على الأقل للشرك الشعبوي. ففي الخطاب الذي ألقاه في شهر نوفمبر الماضي في ذكرى يوم الهدنة، وصف القومية كنقيض للوطنية، رافضاً الرواية القائلة إن الوطنيين الحقيقيين يعارضون "العولمة"، لكنه لم يبذل أي جهد ليُظهر كيف يمكن لسياساته أن تجعل "ناخبي اليسار" يشعرون بالطمأنينة حيال العولمة والدمج الأوروبي. من الناحية النظرية على الأقل، ما زالت الماكرونية تمثّل بديل القومية الرجعية المؤيد للوحدة الأوروبية الأفضل. ولكن بغية تفادي ثورة شعبوية في شهر مايو المقبل، ينبغي لماكرون والقادة الآخرين السعي لتوسيع اهتمامهم إلى خارج دائرتهم المغلقة من النخب العالمية، وألا يكونون قد وقعوا في شرك المناهضين للوحدة الأوروبية.

* مارك ليونارد*

*أستاذ في العلوم السياسية ومدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

«بروجيكت سنديكيت، 2019»،

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top