ديوان أبي نواس

نشر في 12-02-2019
آخر تحديث 12-02-2019 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم تقدَّم عددٌ من المحافظين المتزمتين في بغداد بطلبٍ لتغيير اسم أشهر شوارعها (شارع أبو نواس)، واستبداله باسم أحد العلماء أو الأتقياء أو الفلاسفة، نظراً لما كُتب عن تاريخ هذا الشاعر، وعن فسقه ومجونه، لكن هذا الطلب استثار حفيظة الذين يسهرون في شارعهم الأشهر من العراقيين، واحتدم السجال بين المحافظين المتزمتين والذين يعارضون تغيير اسم الشارع.

• خبرٌ كهذا دفعني إلى أن أعود لقراءة ديوان أبي نواس، الذي صار اسمه يرمز إلى المجون والفسق، في حين يراه الكثير من المفكرين المعاصرين واحداً من كبار المجددين في القصيدة العربية، ومنهم المفكر أدونيس وغيره. ولما بدأت رحلتي مع الديوان النواسي تأكد لي مما قرأت عن هذا الشاعر أنه ملَك ناصية اللغة والأدب، ونهل من العلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث ومعرفة بأحكام القرآن الكريم، وألمَّ بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، بل إن ابن المعتز، في كتابه "طبقات الشعراء"، يَعُدُّ أبا نواس فقيهاً عارفاً بالأحكام، بصيراً بالاختلاف، وصاحب حفظ ونظر، ومعرفة بطرق الحديث.

***

• دفعت أبا نواس طموحاتُه إلى ترك مدينته (البصرة)، ليتجه إلى بغداد عاصمة الخلافة، ومحط آمال الشعراء، وهناك امتدح الرشيد، كما أسرف في شعره بالخمريات، مما جعله أكثر شهرة فيها، وقد نال من الرشيد مكانة مرموقة، لكنه لم يتوقف عن الزج به في السجن بين الحين والآخر، عقاباً له على ما يحويه شعره من مباذل. ولما مات الرشيد صار أبو نواس نديماً للخليفة الأمين، الذي قام بحبسه هو الآخر عدة مرات، بسبب إسرافه في الأشعار الخارجة عن الحدود الاجتماعية.

***

• ولستُ هنا بصدد الوقوف على تاريخ الشاعر أبي نواس، وهو تاريخ حافل بالأحداث، لكنني أريد أن أقف معكم قليلاً على بعض أشعاره، من خلال ديوانه، ليتبيَّن لنا أنه ليس صحيحاً أن معظم شعر الرجل كان مقتصراً فيما قاله من قصائد على الفسق والمجون فقط، بل كانت قصائده تعبِّر عن الكثير مما كان يسود في عصره، ويشارك المجتمع أفراحاً وأتراحاً وزهداً وتعبداً، فهو يخاطب ربه بالقول:

إلهنا ما أعدلكْ... مليكَ كل مَن ملك

لبيك قد لبيتُ لك... لبيك إن الحمد لك

والملك لا شريك لك

ما خاب عبدٌ أمّلك... أنت له حيث سلك

لولاك يا رب هلك... لبيك إن الحمد لك

والملك لا شريك لك

والليل لمّا أنْ حلَك... والسابحات في الفلك

على مجاري المنسلك... لبيك إن الحمد لك

والملك لا شريك لك

ومع أن القصائد التي يستغفر فيها أبو نواس ربه كثيرة، إلا أن المزاج العام في عصره كان أكثر ترديداً، في الأمسيات والمجالس، لأشعاره ذات الطابع الأكثر خروجاً عن المألوف، بينما هو يخاطب ربه بالقول:

إلهيَ لستُ للفردوس أهلاً

ولا أقوى على النّار الجحيم

فهبْ لي توبةً واغفر ذنوبي

فإنك غافرُ الذنب العظيم

وهو يفخر بنفسه في إحدى قصائده، حيث يقول:

وقد زادني تيهاً على الناس أنني

أرانيَ أغناهم وإن كنت ذا فقر

فوالله لا يبدي لسانيَ حاجةً

إلى أحدٍ حتى أُغيَّب في قبري

فلو لم أرث فخراً لكانت صيانتي

فمي عن سؤال الناس حسبيَ مِن فخر

وقد عُرف عن أبي نواس إسرافه في الهجاء، فتكلم عن إحداهن بقوله:

أيها السائل عنها

اسمع اللفظ المحلِّي

شخصها شخص قبيح

ولها وجه مولِّي

رِدفها طستٌ ولكن

بطنها زكرة خلِّ

***

• مطالبة المتزمتين بتغيير اسم شارع أبو نواس في بغداد يذكِّرنا بأولئك الذين طالبوا بتنقيح كتاب "ألف ليلة وليلة" في مصر... قاتل الله التزمت!

back to top