سدانيات: الجماعة «مُش إخوان»!

نشر في 08-02-2019
آخر تحديث 08-02-2019 | 00:06
 محمد السداني في جلسة من جلساتنا الأسبوعية التي نتجاذب فيها أطراف الحديث عن كل شيء بدءا بالسياسة وانتهاء بأزمات الدولة المتتالية مثل البيض وغيرها، كان أحد موضوعاتنا عن الإخوان المسلمين، وسألت سؤالا عابرا لأحد الجالسين الذي لن تَشُكَّ قيد أنملة أنه منهم بسبب تاريخه الأسري العريق معهم وانصهاره بينهم، فقلت له: لماذا لا يصرح أحدا بانتمائه إلى الإخوان المسلمين؟ فقال بكل بساطة لأنَّ كثيرا من الأفراد ليسوا منهم إنما يميلون فكريا أو اجتماعيا لهم ولا يتعدى الأمر ذلك.

والحقيقة أنَّ صديقي العزيز صدق في وصف الحال، ولكن لم يشخصه تشخيصا دقيقا، فالواقع أنَّ التنظيم الذي ملأ الدنيا جدلا حول صحته من عدمه لم يعد موجودا في الحقيقة، ولأكون دقيقا على الأقل في الكويت انتهى هذا التنظيم بنمطه القديم الذي اعتدنا أن نراه في المسلسلات وفي القصص التي نسمعها عنهم، فالأفكار التي يحملها الإخوان المسلمون "نظريا" لا أعتقد أنها تتخالف وأي تيار محافظ معتدل له مرجعية دينية، ولكن الأزمة التي يعانيها الإخوان تكمن في شقين، الأول في انفراط الرؤية البعيدة المدى التي أدت بهم إلى تخبطات كثيرة على جميع المستويات، فكأنك وأنت تتابعهم في كل الأنشطة التي يمارسونها يناقضون أنفسهم، وهذا أمر واضح لا يحتاج نظرة عميقة كي تكتشفه، فالانفصام الذي نشأ بين النظريات والسلوكيات جعلَ منهم مادة دسمة لكل متربص للفكر السياسي الديني، فانعدام الرؤية أدى بهم إلى خلق منهج سلوكي مع كل حالة أو أزمة يواجهونها، وأما الشق الآخر فيكمن في انقسام المشهد الداخلي بين صقور وحمائم، مما جعل الصراع الداخلي يطفو على سطح المجتمع وتظهر آثاره في الكثير من المحافل، مثل انتخابات مجلس الأمة، والمجلس البلدي، وجمعيات النفع العام التي تجد فيها قوائم عدة مطعمة ببعض عناصر الجماعة أو التنظيم، فانفراط عقد الالتزام السياسي بقرار الجماعة هو إحدى نتائج الصراع المحتدم بين المدرسة القديمة المسيطرة على المشهد والتي تعتقد "خطأ" أنها تنظيم يتحكم بآلاف الناس، وبين المدرسة الجديدة ذات الفصلين، فالفصل الأول معارض قافز على جميع الأعراف والقوانين وشقَّ طريقه في المجتمع، فتجد نوابا في مجلس الأمة "إخوان" وفي الوقت نفسه "مُش إخوان"، والفصل الآخر هو الفصل المطيع الذي يؤمن بالمثل الكويتي "العوض ولا القطيعة".

إنَّ الفوضى السياسية التي يعيشها الشارع الكويتي ألقت بظلالها على الكثير من الرموز السياسية، فأسقطت من أسقطت منها، وأبعدت من حفظ ما تبقى من ماء وجهه السياسي، ولم تتوقف الفوضى وتأثيراتها على الأفراد بل امتدت إلى تيارات عريقة، وحطَّمتها إلى أجزاء، ولك في التيار السلفي خير مثال ودليل والتكتل الشعبي وغيرهم الكثير، ولم يكن الإخوان أحسن حالا إلا شكليا، فبعد الهجمات الداخلية والخارجية على فكرهم بدأت الكتل القوية تستقل لتمثل مجاميع شبابية تعمل منفردة تبحث عن أي مهرب لتصيح عاليا "إحنا مش إخوان"، والحقيقة أنهم لا يتعارضون مع النظريات والأدبيات التي يحملها الإخوان، لكنهم يريدون الهرب من فوضى الممارسة السياسية التي حدثت وستحدث في السنوات المقبلة.

خارج النص:

- ما زال بعض النواب يمارسون العمل البرلماني من باب المونولوج، وللأسف لم تكن ممارستهم مضحكة بل سخيفة إلى حد الإعياء، وشيئا فشيئا يفقد مجلس الأمة دوره الرقابي والتشريعي حتى فرغ تماما من مضمونه، وأصبح ساحة للصراع بين الكراسي الخضراء ومنصة الرئاسة.

- من يتابع عملية نقل القيود في الدائرة الثانية والثالثة يعرف أنَّ الممارسات الفكرية بدأت تُغزى من طالبي الفوز باكتساح والراغبين بالفوز الهين اللين.

- الحمدلله الذي لم يجعل للدستور بطنا حتى لا يداس ببطنه!

back to top