التسامي فوق الجراح

نشر في 05-02-2019
آخر تحديث 05-02-2019 | 00:09
في الثاني من أغسطس عام 1990 غزا النظام العراقي السابق الكويت، فهبّت دول العالم متحدة للدفاع عنها وتحريرها، ما عدا بعض الدول التي اصطلح على تسميتها "دول الضد"، ولأن الكويت كبيرة بمواقفها ويتميز قادتها بالحكمة وبعد نظر استطاعت التسامي فوق الجراح وإعادة العلاقات.
 يوسف عبدالله العنيزي عاد الزمان يحمل رايات العز، وعاد شهر فبراير، وازدانت الديرة، وصدحت في أركانها القصائد وأناشيد الحب والولاء لهذا الوطن الغالي، وعادت إلى الذاكرة لقاءات يأبى الزمان أن يغيبها، فغدت جزءاً يشعرني بالفخر والحمد لرب العالمين لانتمائي إلى هذا الوطن، ففي الثاني من أغسطس عام 1990 قام النظام العراقي السابق بغزو غادر لدولة الكويت، فهبّت دول العالم متحدة للدفاع عن الكويت وتحريرها، ما عدا بعض الدول التي اصطلح على تسميتها "دول الضد"، ونؤكد هنا أننا لسنا في مجال فتح جراحات الماضي، فالكويت كبيرة بمواقفها، فقد حباها الرحمن بقيادة تتميز بالحكمة وبعد النظر وقدرة على التسامي فوق الجراح.

أثناء الغزو والاحتلال كنت أتولى مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية في جمهورية الجزائر الشقيقة، وقد عانينا الكثير من المواقف السلبية، وفي تلك الفترة سعدنا باستقبال الوفد الشعبي الذي كان برئاسة العم الفاضل أحمد السعدون "بو عبدالعزيز"، وعضوية كل من السفير عبدالعزيز الصرعاوي، رحمه الله، والدكتور إسماعيل الشطي والشيخ أحمد القطان، والدكتور ناصر الصانع، والأخ سعد السعد، وقد كان لهذا الوفد دور بارز ومميز في ساحة كانت حكراً للنظام العراقي، وقد عقد الوفد العديد من اللقاءات المهمة.

وبعد التحرير مباشرة عدت للكويت الحبيبة، وفي عام 2000 صدر مرسوم كريم بتعييني سفيرا لدى اليمن الشقيق، وذلك بعد انقطاع للعلاقات لمدة تناهز عشر سنوات، وعند تشرفي بلقاء سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وذلك للاستئذان بالسفر سمعت من سموه، رحمه الله، نصائحه الغالية التي كانت نبراسا لي في أداء عملي قائلا: "سعادة السفير أنت ذاهب لليمن مو علشان تصلح جسور العلاقات التي دُمرت بل من أجل بناء جسور جديدة وراسخة، فلا يستفزك مقال أو ندوة أو تجمع، ولا تنظر للخلف".

يا لها من كلمات رائعة، وعند تقديمي أوراق اعتمادي للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، رحمه الله، نقلت له هذه الكلمات، فأبدى حماسا قائلا "نعم صدق أخي الشيخ جابر فعجلة العلاقات دارت وبقوة"، وقد شهدت تلك الفترة تميزاً في العلاقة، وأقيم أسبوع ثقافي كويتي رأس الوفد حينها الأخ الدكتور محمد الرميحي وضم الوفد الفنانة الرائعة سعاد عبدالله والأخ العزيز الفنان محمد المنصور، وقد تخلل الأسبوع زيارة لديوان الصديق العزيز عبدالرحمن الأخفش في مدينة "كوكبان"، وبحضور وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي ووزير الثقافة عبدالوهاب الروحاني ووزير الإعلام حسين العواضي.

بعد قضاء ما يناهز ثلاث سنوات في اليمن الشقيق نقلت رئيسا للبعثة الدبلوماسية في الأردن الشقيق، حيث شهدت العلاقات تطوراً ملحوظاً، وفي كل المجالات، وبدعم كريم من قيادتي البلدين، وأثناء عملي في عمان تلقيت من رام الله مكالمة من الرئيس ياسر عرفات، رحمه الله، كما التقيت بالرئيس محمود عباس الذي أبدى رغبة في زيارة دولة الكويت، وقد لقيت تلك الرغبة ترحيباً من القيادة السياسية الحكيمة، وكانت تلك الزيارة فاتحة خير لإعادة العلاقات الطيبة بين الشعبين الشقيقين.

وتتويجا لهذا التحرك الكريم من الكويت في طريق التسامي فوق الجراح تمت الدعوة لعقد مؤتمر إعادة إعمار العراق الشقيق، تلك الدعوة التي كان لها أثرها الطيب في كل أرجاء الدنيا.

هذه الكويت كبيرة بمواقفها عظيمة بعطائها، ودعاء من القلب ليحفظها الله هي وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top