تعريب الديمقراطية

نشر في 04-02-2019
آخر تحديث 04-02-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار الديمقراطية كنظام حكم ليست نظاماً قديماً، بل هي نتاج للتحولات الاجتماعية في العالم، وجزء منها، وخلاصة زمنية. كما أن الديمقراطية ليست نهاية للتاريخ، ولكنها جزء من سيرورته، وهي آخر ما توصل إليه الفكر البشري في كيفية الحكم الرشيد، وهي ليست أفضل أشكال الحكم، ففيها مثالب كثيرة، ولكنها أفضل الموجود.

استغرق تشكيلها زمناً طويلاً، وهي في حالة تغير مستمر، فمبادئ كالعدالة والمساواة وفصل السلطات وسيادة القانون والمشاركة السياسية والانتخابات وبالضرورة حقوق الإنسان، كلها مفاهيم جديدة في عمر التاريخ، إلا أن الناس يتعاملون معها كأنها مُسلَّمات، وعلى أنها هي الأصل، مع أنها نتاج لتطور البشر، وحاجتهم إلى تحسين الأداء.

وإن كانت الديمقراطية تبدو عليها الملامح الغربية، فهذا أيضاً ليس بالأمر القديم، فالغرب لم يُخلَق ديمقراطياً، ولم يظهر إلى الوجود عادلاً، ولم تكن سلطاته مفصولة إلا في عهد قريب، وهو، أي الغرب، يعاني الأمرّين من تحديات جدية تواجه الديمقراطية في هذه الحقبة، ولذلك تراجعت العديد من الدول الغربية مؤخراً في مؤشرات الديمقراطية. بل ظل الغرب، أكثر من غيره، يخوض حروباً لا هوادة فيها، لتثبيت الديكتاتورية ومعطياتها كالنازية والفاشية والفرانكوية وغيرها حتى عهد قريب، ولم تكن الحروب حول الديمقراطية بل كانت حول الهيمنة والسيطرة على الموارد، مهما كان الادعاء بغير ذلك.

لم تبدأ مبادئ الديمقراطية تتشكل وتستقر إلا في الحقبة المتوسطة من القرن الماضي، ثم تعرضت لانتكاسة حادة خلال الحربين العالميتين، وما إن انتهت الحرب الكونية الثانية حتى غرقت الديمقراطية في وحل الحرب الباردة، وانتشار قيم اللاديمقراطية كالمكارثية في أميركا.

عندما تلقى العرب الديمقراطية تعاملوا معها كمنتج أجنبي، بينما هي منتج بشري، حوله صراع في الغرب كما في الشرق.

أصرّ العرب حفاظاً على شكل أنظمتهم الحاكمة، وبمبررات متعددة كالهوية مثلاً، على محاولة مستحيلة وهي "تعريب الديمقراطية"، بمعنى آخر، القبول شكلياً بالهيكل الخارجي، ورفض المكينة الداخلية القيمية، كالعدالة والمساواة وفصل السلطات والحريات العامة والخاصة وتداول السلطة وغيرها.

وكان قد سبقتها محاولات أخرى لتعريب الاشتراكية فكانت "الاشتراكية العربية"، ومازلنا- نحن العرب- نسعى في محاولات التعريب، كذلك الغراب الذي حاول تقليد الحمامة في مشيتها، فلم ينجح في ذلك ونسي مشيته، ولذلك ظل العرب في قاع مؤشرات الديمقراطية، ولا يبدو أنهم سيبرحونه في المدى المنظور كما سنرى.

back to top