سدانيات: جمهورية الحرير!

نشر في 01-02-2019
آخر تحديث 01-02-2019 | 00:07
 محمد السداني وأنا أفكر في بداية صياغة كلماتي الأولى للحديث عن "إقليم الحرير" أعرف أن شلالا من الانتقادات والتشكيك والشتائم سينهال علي لما يحمله هذا العنوان من إرث سيئ عند الكثير من الأفراد في المجتمع، والذين شبعوا وعودا وشعارات خادعة لم تصدقهم في سنوات طويلة عاشوها وهم يسمعون أن للحرير مدينة، وأن الكويت ستكون شيئا آخر!

الحقيقة أنَّ بعض ما يشعر به المواطنون صحيح– نوعا ما– والسبب ليس لأنَّ المشروع عصيٌ على الكويت وعلى قدراتها ولكنْ– والله أعلم- لم تكن هناك رغبة حقيقية وحاجة ملحة لتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم لأسباب كثيرة منها الوفرة المالية التي كنا نعيش فيها والإضراب السياسي الذي شهدته الكويت من سنة 86 إلى الآن، ولكنْ الوضع في هذه السنوات تغير وصارت الأحلام الوردية، التي سميناها سابقا الحرير، حاجة ملحة للتحولات الاقتصادية الصعبة التي سنواجهها في السنوات القادمة، وللتغير الكبير الذي سيطرأ على نمط الطاقة والاقتصاد العالمي بشكل عام.

إنَّ الأرقام الأخيرة التي عرضها وزير المالية نايف الحجرف عن ازدياد الإنفاق الحكومي وتضخم الباب الأول للدولة بمعدل أسرع من المتوقع، والذي سيسبب عجزا أكبر كل عام، تعطينا مؤشرا مهما عن سياسة الدولة التي يجب أن تعي جيدا إلى أين سنذهب إذا استمرت بنظامها الرعوي الذي يعتمد على الرعاية الاجتماعية المقنعة بقناع الرواتب، النظام الرعوي الذي سلب الدولة كل عوامل النهضة التي لن تستطيع أن تبني مترا واحدا من الحرير إلا عن طريق أبناء هذا الوطن المؤمنين بالدولة المستدامة الحقيقية التي ستبقى لنا ولأبنائنا وأجيالنا القادمة.

إن كان هناك حفنة من الناس يعتقدون أنَّ المارد الأسود سيبقى مارداً طوال حياته فأبشرك بأنَّ المارد صار قزماً، وسيصغر يوما بعد يوم ونحن نشاهد هذه الدولة تخرج من عجز وتدخل عجزاً آخر، وأهم مكان من المفترض أن يناقش هذا الأمر هو مجلس الأمة الذي تفرغ أعضاؤه لمناقشة مَنْ معزّب مَنْ! وكأن الناس انتخبوهم لكي يصرِّحوا عن معسكراتهم السياسية وانتماءاتهم وولاءاتهم!

أمرٌ غريب من أشخاص من المفترض بهم أنهم رجال دولة يحملون همها ويسعون إلى نهضتها، ويحاولون ليل نهار أن يجعلوها مستدامة لهم ولأجيالهم، والمضحك أنَّ أكثر ما يُسوق ضد هذا المشروع الضخم هو أنَّ البعض يريد أن يجعل الحرير دولة داخل دولة، وكأننا سنقيم جمهورية للحرير شمال الكويت! وهذا الذي يستغرب من بعض من ائتمنتهم الأمة على مالها ومصيرها ومستقبلها بأن يفترضوا شيئا غير موجود من بنات أفكارهم، ولا ألوم أحدا منهم فكما قال بعض الحكماء: الأفهام منوطة بعقول أصحابها، وهذا حدُّ فهم بعضهم، فالعقول التي أضاعت وقت الأمة في سجالات ونقاشات لا طائل منها لا يمكن أن تعي مشروعا نهضويا لدولة وأجيال بأسرها. قد نكون متأخرين جداً في تطبيق مشاريع تنويع مصادر الدخل وتحويل الكويت إلى مركز مالي واقتصادي لكن حان الوقت لنؤمن جميعا أنَّ الكويت وصلت إلى مرحلة توجب علينا جميعا أن نتحمل مسؤولياتنا كمواطنين ومسؤولين في الحفاظ على هذه الأرض الطيبة التي كانت تعيش بلا مورد اقتصادي واحد، حتى حباها الله خيراته وجعلها من أغنى دول العالم.

خارج النص:

- مفاهيم النهضة المجتمعية هي مفاهيم نظرية جميلة وتحتاج إلى شيئين: بناء معرفي علمي صحيح، وقائد قدوة ينفذ هذه الرؤية، فالرؤية بلا قائد مجرد كلمات رنانة ينتهي بريقها مع انتهاء آخر حرف منطوق منها.

back to top