كتابة الرواية والنشر

نشر في 30-01-2019
آخر تحديث 30-01-2019 | 00:05
 طالب الرفاعي خلال أسبوع قرأتُ عملين روائيين هما: "مقهى البسطاء" للكاتبة مريم الموسوي، عن الدار العربية للعلوم ناشرون، 2017، و"لستُ بفرح" للكاتبة هنادي الهاشمي عن دار دريم بوك.

وإذا كان ميلاد أي كاتب شاب يبعث شيئاً من الفرح في نفسي، ويبشِّر بموهبة قد يكون لها شأن في القادم من الأيام، فإن اللافت والمزعج في هاتين الروايتين، هو التقصير الأدبي الواضح الذي وقع فيه الناشر، وأساء للعمل والكاتب، ولو أن رواية "مقهى البسطاء" كانت أقل تضرراً من "لست بفرح".

رواية "مقهى البسطاء" تشير بشكل واضح إلى موهبة الكاتبة مريم الموسوي، وأنها قادرة على اصطياد حكاية روايتها من الحدث الاجتماعي اليومي الدائر من حولها، بعمق وتعقّد العلاقات الإنسانية في تلك الحكاية، ولو أنها كتبت بعض مشاهد روايتها بلغة شعرية تميل إلى الرومانسية في مواضع لا تستوجب ولا تحتمل هذه الرومانسية. الرواية في المحصلة إشارة واضحة إلى كاتبة شابة جادة في سعيها لكتابة نص روائي كويتي عربي جيد.

رواية "لست بفرح"، وبقدر ما تشير إلى وجود موهبة لدى هنادي الهاشمي، فإنها من جهة أخرى تظهر ضرورة إلمامها بالعناصر الأساسية لكتابة العمل الروائي، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، حيث إن الجزء الأخير من الرواية جاء ثقلاً على الرواية، وما كان من داعٍ لوجوده ضمن عالم النص. لكن هنادي، ومثل مريم الموسوي، تنطوي على شغف الكتابة وعلى حلم كتابة نص روائي جيد.

بالنظر إلى طبيعة المجتمعات الاستهلاكية الشرهة التي نحيا، ودور الإعلام الموجَّه، وكذلك ثورة المعلومات ومحركات البحث، ومواقع الإنترنت المتخصصة، وما لعبته جمل الكتابة الإنشائية الآنية العابرة على مواقع شبكات التواصل الاجتماعية: فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، من خلق نجوم الإعلام، وبمتابعين يصل عدد بعضهم إلى الملايين، إضافة إلى قلق الإنسان، وسعيه المشروع لتحقيق ذاته، وكون الإنسان في شتى بقاع الأرض بات يعيش عصر الاستهلاك، فقد أصبحت قراءة وكتابة الرواية حاضرة بشدة في المشهد اليومي الثقافي العالمي، وهذا ما حرَّك جمعا كبيرا من الشباب وغيرهم، لمحاولة ولوج عالم الكتابة، وعيش مغامرة كتابة رواية.

الرواية في أحد أهم أوجه وجودها وانتشارها كجنس أدبي، توحي للبعض بسهولتها، وتوهم بعضاً آخر بإمكانية أن يكتب روايته الخاصة ببساطة متناهية، وأن لا شيء يلزم الكتابة سوى جمل وذكريات ومواقف إنسانية حزينة أو سعيدة. لكن الحقيقة الفنية للرواية تقول شيئاً مختلفاً تماماً، وتؤكد في كل يوم، مع ازدياد النشر، أن الرواية جنس صعب، وصعب جداً، وأنها كأي مهارة إنسانية لا يمكن اكتسابها مجاناً، وأن لها شروطها الفنية التي تضمن نجاحها، إن هي تحققت، وأن الكثير من الكتب التي تحمل على أغلفتها كلمة رواية لا علاقة لها البتة بجنس وفن الرواية.

في صناعة الكتب الغربية هناك وظيفة المحرر الأدبي، وهي بقدر ما تفيد الكاتب، فإنها تنعكس إيجاباً على سُمعة دار النشر والناشر، فإصدار كتاب مسؤولية مشتركة بين الكاتب والناشر، ولا يصح أبداً أن تُقدِم دار نشر على إصدار كُتب مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية وعلامات التنقيط، إضافة إلى جهل كبير بأسلوب الكتابة الأدبية، فليس أقل من مصحح لغوي مختص ومتمكن يقوم بمراجعة النص وتصحيحه، وليس أقل من محرر يعرف طبيعة الجنس الأدبي، سواء كان رواية أو قصة قصيرة أو شعرا، ليقوم بمتابعة صف النص بما يجب أن يكون عليه، فكثير من الأعمال باتت تصدر بشكل مشوَّه يسيء للكاتب والناشر.

back to top