سليمان يوسف ابراهيم: مشكلة المبدع مع مجتمع لا يقدِّره

• «المجاملة مقيتة في الكتابة النقدية لأنها تميت الحقيقة»

نشر في 24-01-2019
آخر تحديث 24-01-2019 | 00:05
سليمان يوسف ابراهيم، أديب لبناني آل على نفسه المساهمة في بناء عمارة الثقافة في لبنان، من خلال مؤلفاته ومن خلال حضوره الفاعل في الندوات الأدبية والأمسيات الشعرية وعلى صفحات الجرائد والمجلات، قارئاً الدواوين والكتب التي يرسلها أصحابها إليه، لتشريحها وإبداء الرأي فيها، بقدر ما أوتي من معارف استقاها عبر الزمن من اختصاصه باللغة العربية وشغفه بها... ويوماً بعد يوم جمع غلاله في كتاب «معاصر الحبر» الذي صدر الجزء الأول منه عام 2013 والجزء الثاني أخيراً.

«معاصر الحبر2» لماذا هذا العنوان؟

ببساطة؛ أفاض الكتاب والشعراء بحبرهم فكراً ووجداناً فوق أشرعة الورق؛ فكان مني أن عصرت الجيد منها خمرة أقلام تبقى للزمن: عندهم العصير ولي أن أتخير عصارة ما صدفني.

جاء الكتاب بعد جهود ليال من عمر، قراءة تلتها كتابة للمقالات التي كنت أنشرها تباعاً بين 2009 و2018، وهي دراسات أدبية نقدية حول الكتب والدواوين، أتقدم بها ﻷصحابها؛ كي أعبر لهم عن المباركة الفعلية في نتاجاتهم التي تتعدى شراء الكتاب...أخذ الصور... ووضعه في مكان ما من المكتبة مكتفياً؛ بأنني كنت هناك...

كيف تحدِّد النقد اليوم؟

النقد أساساً؛ هو نقد الطير وتخيره للأفضل من الحَبّ. من هنا؛ فالنقد هو حديث في سبيل إصلاح ما فسد أو تلافياً لهنات. أما في زماننا، فأرى معظمه تهشيماً. لا يجوز الانتقاد تهشيماً، كما لا يحق لنا دخول عالم النقد من غير التعرف بـ «الغربال» و«الغربال الجديد» لميخائيل نعيمة؛ وكتابات عباس محمود العقاد والاطلاع على حركة المدارس النقدية. على الناقد أن ينقد المنقود بمحبة تصحيحاً لا تهشيماً.

معايير النقد

عندما تكتب، هل يسيطر العقل أم القلب على قلمك؟

برأيي، الكتابة في النقد يجب أن تقيم توازناً بين الاثنين، لكن، ضمن أطر فكرية علمية محددة وواضحة. أدفع بقلمي للبوح بحقيقة ما صادفني بكل صدق وشفافية. فإن صادف وجود هنات في اﻷثر، ألفت إليها بلياقة اﻷديب المؤدب، من غير تقذيع. مقالاتي باﻷساس؛ دراسات وضعتها، مباركاً ﻷصحاب اﻷقلام بنتاجاتهم، أكثر منها ميادين للنقد والاستشاطة... فجاء نقدي محباً، على رأي من تحدث بأدبي.

ما أبرز معايير الكتابة النقدية؟

أهم معايير الكتابة النقدية: أولاً؛ الثقافة وسعة اﻹلمام. ثانياً؛ حب النوع المنقود، لنقاربه بمحبة، كي يأتي كلامنا به مصلحاً وليس مقرعاً! ثالثاً، الصبر على تحقيق الهدف اﻷسمى من الكتابة النقدية، من غير مغروضية ولا تحيز. رابعاً، قبول نقاش مختلف النظرات للمنقود. وخامساً؛ تحديد الناقد لعدة ومواد نقده والغاية من هذا النقد، كي لا يضيع جهده سدى وينتفي تحقيق الهدف المرجو.

إلى أي مدى يجب أن يبتعد الناقد عن المجاملة؟

من أهم صفات الباحث الموضوعية؛ كي لا تطغى عواطفه على عمله فتسيء إليه وتبخسه جهده. ومتى قلنا دراسة نقدية؛ نقول: إمعان الفكر في ما اكتنز من معارف ﻹبراز مواطن الجمال والصواب في فكر المنقود. وهذا كله، يرتكز إلى قياس المعرفة التي يختزنها الكتاب أو الديوان، بعيداً عن رأي الناقد بكاتبه أو شاعره وموقفه العاطفي منه. المجاملة جد مقيتة في الكتابة النقدية. فهي قاتلة للهدف الذي يصبو إليه قارئ النقد، ﻷن المجاملة تميت الحقيقة؛ وما نفع نقد لا يوصلنا إلى معرفة حقيقية عن اﻷثر المنقود؟

إشكالية الإبداع

تتوزع محاور الكتاب بين الشعر والنثر والوطنيات، ما القاسم المشترك بينها؟

البساطة إبرازاً وشرحاً لمضامين كتب قرأتها عن قارئ. فأبرزت له عنها فكرة واضحة، وبات يقرأ ببضع صفحات كتاباً بأكمله. فضلاً عن إبداء رأيي بالكتاب وصاحبه بمنتهى الموضوعية، خصوصاً أن غالبية الكتب التي كتبت عنها لم أكن أعرف أصحابها إلا عبر ما دبجت أقلامهم.

برأيك ما هي إشكاليات الإبداع والمبدعين في لبنان؟

الاتفاق حول ماهية الإبداع: أهو ابتكار لما ليس موجوداً، أم استعمال واستنباط معارف مكتسبة بطريقة شخصية مميزة تجعل اﻷثر متمايزاً؟ أم خليط من الاثنين معاً في معجن الذاتية الذي يخرج للناس دقيقاً طازجاً جديداً، يقيت فكرهم وروحهم وميولهم؟

أما إشكاليات المبدعين؛ فأولها يبرز في الجهات التي تحتضن إبداعهم: أين تتوافر في بلادنا؟ ما المواصفات التي يجب أن تتمتع بها كي تكون حاضنة صالحة للإبداع والمبدع معاً؟

ويبقى أن أعظم إشكالية عند المبدع؛ نظرة سواد العامة لعظمة إبداعه، في مختلف الميادين: بطرحهم أسئلة، من مثل: ما نفع هذا؟ ما قيمة هذا؟ لمن هذا؟ ما هذا الهراء واللهو؟ ما يثبط عزيمة المبدع لو يلقي بالا لرأيهم.

مشكلة المبدع تبقى مع المجتمع الذي لا يقدر قيمة إبداعه. للأسف نحيا وسط مجتمع جوعوه وأمرضوه ولم يعد من قيمة بالنسبة إليه إلا في مادة تسد عوزه!! ويبقى التعويل على الطغمة المثقفة؛ العالمة؛ الفنانة؛ في متشعب الميادين؛ هي التي تواكب عظمة المبدعين من مفكرين وأدباء وشعراء وفنانين؛ من دون أن نغفل دور وزارة الثقافة اللبنانية في شتى ميادين الثقافة والذي لا يتعدى تقديم الرعاية المعنوية في معظم اﻷحيان.

شراع ومرشد

برأيك هل ثمة علاقة بين الأديب والناقد؟

بالطبع، ويفترض بهذه العلاقة أن تكون ودية ومرضية: فاﻷول يبث أشرعة الورق أنوار إبداعاته وشغاف فكره؛ والثاني ينير مرشداً القراء إلى مناهل المعرفة والجمال من ناحية، ويصوب ما اعوجّ أو أهمل في مسيرة قلم اﻷديب ليغدو أكثر إشراقاً في إطلالته. فاﻷديب زارع، أما الناقد فهو فاصل القمح عن الزؤان ومعمر أهراء فكر العامة بإشارته إلى المفيد النير.

«معاصر الحبر2» هل هو تكملة لمؤلفاتك من بينها: «نضال الحبر»، و«عود وعوّاد»، و«أشرعة بلا مراسٍ»، و«راحات المسك»، و«معاصر الحبر1»، أم مرحلة جديدة في مسيرتك الأدبية؟

هو خطوة من خطواتي على درب الكلمة. رغم توالي الخطوات لم أهلل لواحدة منها، فلم أرض عن أية خطوة الرضا التام؛ ولم ولن أعتبر أية منها قمة اﻹنجازات. فأنا في سعي دؤوب على طريق تحقيق اﻷفضل من ذاتي ولها ولقارئي الذي أحترمه فكراً وقلباً في كل ما أقدم له. أليس هو من يعطي من وقته ليعمل فكره في ما يقدم له فكري؟ هو هذا احترامي لقارئي. ﻷن كلمتي بقراءته لها تحيا.

ما الجديد الذي تعمل عليه راهناً؟

يبقى في البال أحلام ومنى وفيرة. فاليوم الذي لا أكتب فيه ليس من عمري. الكتابة شغف حياتي. في جعبتي كتاب في المقالة الاجتماعية، ومجموعة مقابلات صحافية أجريتها تباعاً مع مبدعين وأسياد كلمة سأضمها في كتاب ثان... كلها مشاريع تهجع في ذاكرة صندوقي اﻷزرق، أطلقها متى حان أوان قطاف الثمر.

وجدانية الكاتب

كشاعر، أين هو سليمان يوسف ابراهيم في «معاصر الحبر»؟ يجيب: «يقول عباس محمود العقاد؛ في إحدى مقالاته: «إنما الشعر شعور». فأنا في «معاصر الحبر» لم أكتب كلمة لم أشعر بها ألف مرة قبل تدوينها».

يضيف: «كتبت كتابي من غير محاباة ولا مداجاة. كتبته ﻷحفظ جمالات فكر سواي، الجديرة بأن تحفظ للأجيال. ولكن كوني أديباً، في مواضع كثيرة نحا بي قلمي منحى الشاعر بشعوري نحو اﻷثر المنقود أو من خلال موقفي من واضعه».

يتابع: «مهما تعددت أسباب الكتابة؛ يبقى أبرزها وجدانية الكاتب التي تنطلق من ذاته لتصب في معينها أولا، إرضاء لنفسه؛ وبثها في قلوب وعقول الناس عامة من بعد».

على الناقد أن ينقد المنقود بمحبة تصحيحاً لا تهشيماً
back to top