الفحم النشيط... بين الزيف والحقيقة

نشر في 23-01-2019
آخر تحديث 23-01-2019 | 00:00
No Image Caption
تلقى صور البرغر المصبوغة بالأسود، وأوعية العصائر الملونة بالأسود، والمثلجات المتشحة بالسواد، رواجاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن ما هو هذا المسحوق الأسود الذي يشغل الجميع؟ يُدعى الفحم النشيط وقد اقتحم ساحة الصحة بزخم.
يشكل الفحم النشيط موضة غذائية جديدة بين جمهور «الإنستغرام». ولكن هل فوائده جلية إلى هذا الحد؟
لا يُستخدم الفحم النشيط الأسود، الذي يبدو شبيهاً بالرمل مع كثافة أقرب إلى السكر الناعم، في المأكولات فحسب، بل صار يُباع اليوم في المتاجر الصحية ويُضاف إلى منتجات النظافة الشخصية مثل معجون الأسنان وأقنعة الوجه. عندما تقرر تناول الفحم مع قطعة برغر أو وضعه على فرشاة تنظيف الأسنان، تبقى الفكرة عينها: يتحد الفحم بالسموم، سواء في الأمعاء أو على الجسم، علماً بأن هذه النظرية تدعم عملياتنا الطبيعية للتخلص من السموم. يُصنع هذا الفحم غالباً من قشور جوز الهند، وقصب البامبو، وغيرهما من مواد تحتوي على الكاربون. تُسخَّن هذه المواد إلى درجة حرارة عالية لتتحول إلى فحم، ثم تخضع لعملية أكسدة لتصبح نشطة. نراه في المتاجر الصحية بشكله الخام قبل طحنه وتحويله إلى مسحوق.

للفحم النشيط تركيبة كثيرة المسام شبيهة بالإسفنج. ويسود الاعتقاد بأن هذه الثقوب الصغيرة هي ما يعزز قدرته على التنقية.

ولكن رغم الاهتمام الجديد الذي يحظى به، فإنه لا يُعتبر مساعداً صحياً جديداً. فلطالما استُخدم في الأطر الطبية لمعالجة جرعات الأدوية الزائدة والتسمم، بما أن قدرته على الارتباط بمواد أخرى تعوق امتصاص بعض السموم في الأمعاء. إلا أن تصويره أخيراً كمنتج يعزز عافية الإنسان يتعرض لانتقادات كثيرة. إليك لمحة عن وجهي هذه القصة.

هل يحمل فوائد كبيرة؟

صحيح أن عدداً قليلاً من الدراسات العلمية يتناول فوائد الفحم النشيط في الطعام، إلا أن مؤيديه يؤكدون أن قوى التنقية والترابط التي يتمتع بها تمنحه خصائص مضادة للشيخوخة. كذلك يسهم في خفض الكولسترول، ويقلل من السموم التي تؤدي إلى الانتفاخ واضطرابات الأمعاء، حسبما يزعمون.

كذلك كان معززاً للعافية واسع الاستعمال في الطب الأيروفيدي والطب الشرقي التقليدي. فقد استُخدم لتبييض الأسنان وتنظيف الجسم من أبواغ العفن.

ولكن في الآونة الأخيرة، أسهم ترويج المشاهير للفحم النشيط في إعادته إلى الواجهة مع ثناء مثيلات غوينث بالثرو، وكيم كارداشيان، وكايت هادسون على فوائد هذا المسحوق الأسود. ولكن رغم هذه الضجة الكبيرة التي تُثار حوله، من الصعب التوصل إلى أدلة علمية تثبت فاعلية الفحم النشيط. في دراسة عام 2012، طُلب إلى مجموعة صغيرة من المتطوعين، الذين يعانون جميعاً تاريخاً من المشاكل المعوية، أخذ أقراص الفحم النشيط ثلاث مرات يومياً ليومين متتاليين.

أخضع الباحثون بعد ذلك المشاركين للتصوير بالموجات ما فوق الصوتية، فاكتشفوا أن الجهاز الهضمي لكل مشارك صار أكثر نظافة مما كان عليه قبل أخذ الفحم النشيط مع تراجع الإنزيمات التي تسبب الغازات والانتفاخ.

على نحو مماثل، أشارت دراسة نُشرت عام 7102 في المجلة الطبية enO solP إلى قدرة الفحم النشيط على التخفيف من الانتفاخ.

ففي الدراسة التي دامت عشرة أيام، أفاد المتطوعون الذين تناولوه ثلاث مرات يومياً عن تراجع تلبكات البطن. وشدد الباحثون على أن هذه النتائج «واعدة»

هل هذه موجة زائفة؟

لا تتوافر أدلة حتى اليوم تثبت أن استخدام الفحم النشيط خارج الاستعمال الطبي المحترف يمتص السموم. ويذكر خبراء كثر أن من المستبعد أن يكون للمقدار الصغير المستخدم في العصائر، والخبز، والمثلجات الملونة تأثير في المواد الملوثة في الجسم.

في الأطر الطبية، لا شك في أن للفحم النشيط تأثيراً في الأمعاء. لكنه يتحد فحسب مع بعض أنواع السموم والأدوية لا بمجموعة واسعة من السموم. صحيح أنه يستطيع «امتصاص» بعض الجزيئات أثناء انتقاله، إلا أنه يعجز عن التمييز بين المركبات «الجيدة» و«السيئة». إذاً، ماذا عن عصير الفاكهة مع الفحم المكلف ذاك الذي ظننت أنه محمّل بالفيتامين C؟

قد يكون ماء ملوناً أكثر منه إكسيراً مغذياً.

هل يتّحد مع الأدوية

يشير بعض الأدلة إلى أن الفحم النشيط يتحد أيضاً بعدد من الفيتامينات، مثل الكالسيوم والبوتاسيوم، مضعفاً إلى حد كبير فاعليتها في الجسم. وينطبق الأمر عينه على بعض الأدوية. فيحد الفحم النشيط من فاعلية الإيبوبروفين، فضلاً عن عدد من حبوب منع الحمل، ومضادات الالتهاب، وأدوية الربو. أما عن تناوله مع وجبات الغداء، فيذكر الخبراء أن الطعام الداكن لا يؤذيك على الأرجح، غير أنه لا يعالج عللك الصحية أيضاً. وعلى غرار كثير من علاجات التخلص من السموم التي تقوم بها في المنزل، يُجمع العالم الطبي على أن الجسم، في حالة معظم الأشخاص الأصحاء، يبرع في تخليص نفسه من السموم من دون الحاجة إلى عصائر سوداء.

back to top