سدانيات: الله يرحم «الربعي»

نشر في 18-01-2019
آخر تحديث 18-01-2019 | 00:07
 محمد السداني نادرا ما أتأثر بمقاطع الفيديو التي تصلني في برنامج الواتساب، ولكن مقطع الفيديو الذي شاهدت فيه العراق كما لم أعرفه وكما لم يعرفه التاريخ من قبل، فالمذيع يسأل أشخاصاً مختلفين عن أي سنة نحن؟ وما تاريخ اليوم؟ ولا حياة لمن تسأل أو تنادي، لم يقف فكري عند حدود الثواني التي انتهى بها المقطع، لكني تساءلت عن سبب وصول العراق إلى هذا الحد من التخلف!

فعراق بابل وآشور ونبوخذ نصّر ودار السلام وعراق العباسيين لا يمكن أن ينتج حالا مثل هذه الحال، والحقيقة أن العراق درسٌ لدول كثيرة محيطة وغير محيطة، درسٌ لدولة تملك كل موارد الحياة ماء وزراعة ونفطاً ومعادن وعقولاً بشرية، لكنها تملك في المقابل ما يجعل كل عوامل التنمية غباراً لا قيمة له، فالفساد الذي يملكه العراق جعل من غناه نقمة عليه، وجعل من موارده لعنة له، فهدم ما بناه العراقيون على مر التاريخ ولوَّث نهري الحضارة والحياة، دجلة والفرات. أثناء الغزو الأميركي للعراق كنت متيقناً أن العراق لن تقوم له قائمة بعد تفكيكه، نعم كان سقوط الطاغية صدام حسين ثمرة هذا الغزو على دولة عربية مسلمة وجارة، لكننا الآن نتجرع سموم باقي الغزو الأميركي من دمار وجهل وتخلف لدولة كان مقدراً لها أن تكون أعظم دول العالم، ولعل الطامة الكبرى التي فعلها الأميركيون ولم نحسب لها حساباً هي حل الجيش العراقي الذي خلع صداماً واحداً ونصّب ألف صدّام تحت ألوية طائفية ودينية وقبلية وأيديولوجية. لعل بضعة كيلومترات تفصلنا عن العراق هي نوع من العظة والعبرة لنا، فالمتفحص جيداً في سلوكياتنا السياسية يجدنا نعيش في دوامة خادعة تسمى الديمقراطية الكاذبة أو ديمقراطية الإلهاء التي أنتجت لنا مجموعة سياسيين احتكروا المشهد السياسي لسنوات، ولوثوا سلوك الدولة بصفقاتهم السياسية التي راح ضحيتها الشعب وحده، وجعلونا نعيش حياتنا في دوامة انتخابات كل شيء من الجمعيات التعاونية إلى مجلس الأمة، وكلها إلهاء للشعب؛ لأنها مفرغة من محتواها وبعيدة عن مضمونها، وكلما كبرت دائرة الانتخابات كبرت دائرة الفساد، وكأنهما أختان في الدم والمصير. العبرة من هذا الفيديو أنك مهما امتلكت من موارد ونفط وطاقة وأموال فلن تكون بلداً عظيما مستداماً على خريطة الزمن إذا كان مقابل هذه الموارد منظومة فساد تأكل الأخضر واليابس، فبدلا من أن نراضي أشخاصا أكل عليهم الدهر وشرب، بمناصب وعطايا ومناقصات يجب علينا أن نستثمر في أبناء الوطن، وأن نخرِّج أجيالا تعرف معنى الوطن قيمة ومعنى، لا مصدرا مالياً ومنظومة اجتماعية ترعاهم من المهد إلى اللحد.

خارج النص: • كنت أتناقش مع أحد الإخوة الخليجيين في لندن عن جدوى التغييرات المتسارعة في بلده وعدم اتساقها مع طبيعة المجتمع وعاداته وثقافته، وأنكم تتجهون إلى مجهول وأنتم لا تعلمون، لم يطل الرد عليّ لأنه لم يُعجب بما قلت فقال مغادراً: الله يرحم صدام! لم أستغرب من ردة فعله، فبعض الشعوب تفضل أن يكون الحاكم ظالماً لغيرها قوياً عليها، ولكن هذا الخليجي لو كان كويتياً أو كردياً أو أحد الذين عذبهم صدام في سجونه للعنه صباح مساء. • أتذكر دائما مقولة المرحوم أحمد الربعي: "إذا المواطن يشكي والوزير يشكي والنائب يشكي والشيخ يشكي والتاجر يشكي.. عيل منو مرتاح في هالبلد؟!".

back to top