هل الديمقراطية إلى زوال؟

نشر في 16-01-2019
آخر تحديث 16-01-2019 | 00:25
 أ.د. غانم النجار أصدرت "إيكونوميست إنتلجنس يونيت" البريطانية تقريرها السنوي لـ2018 عن مؤشرات الديمقراطية في العالم، والذي خلص إلى أن تراجعاً تاريخياً ديمقراطياً قد حدث، إذ تراجعت 89 دولة في مراكزها وترتيبها الديمقراطي، بما في ذلك دول غربية.

ورغم أنه ليس التقرير الوحيد، فإنه من أكثرها شهرة ورصانة منهجية، ربما لأنه يتطور ويمارس نقداً ذاتياً. التقرير ليس شهادة جودة للديمقراطية، ولكنه مؤشر لحالها، صعوداً أو تراجعاً، استناداً إلى أن الديمقراطية هي أفضل الموجود، فقديماً قيل "الديمقراطية هي أسوأ أنواع الحكم، إذا استثنينا كل أصناف الحكم الأخرى".

درس التقرير 167 دولة، وصنفها إلى 4 مجموعات، الأولى ديمقراطية كاملة، وبها 19 دولة، ونسبتها 11.4%، والثانية، ومنها أميركا، ديمقراطية منقوصة، وبها 57 دولة، ونسبتها 34.1%، أما الثالثة فهي أنظمة هجين، وبها 39 دولة بنسبة 23.4%، والرابعة هي الأنظمة التسلطية أو الاستبدادية، وبها 52 دولة بنسبة 31.1%.

المقاعد العليا احتلتها الدول الإسكندنافية، مع تراجع ملحوظ لدول غربية كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وغيرها، أما الدول العربية فواحدة فقط، وهي تونس، التي جاءت بالمجموعة الثانية، أما البقية ففي المجموعتين الثالثة والرابعة.

حالة الانحسار الديمقراطي عالمياً هي حالة عامة ولها أسبابها، ومن مظاهرها التوجه الشعبوي، وبروز اليمين المتطرف العنصري، والحكام الفرديين الذين يفضلون البعد الشخصي الكاريزماتي للحكم، بدلاً من العمل المؤسسي، يضاف إلى ذلك حالة التباين الحادة في توزيع الموارد بالعالم، حيث مازال 1% يملكون أكثر من 80% من الموارد، وفشل الدولة القومية.

السؤال الأهم هنا هو هل هذا التراجع الديمقراطي يمثل حالة عابرة أم حالة مرضية استفحلت وصار علاجها مستحيلاً، كسرطان يتنامى بشكل متسارع؟

النظرة المتشائمة هي السائدة، وصدرت حولها العديد من الدراسات تشير إلى أن الديمقراطية تتصحر، والنماذج التي ستحل محلها إما أنظمة شمولية كالصين مثلاً، أو أنظمة هجين، أو أنظمة دكتاتورية بديكور ديمقراطي. وينافس ذلك أن الدول الأكثر استقراراً والأكثر سعادة، وانضباطية وأمناً، هي دول ديمقراطية كالدول الإسكندنافية.

كان الصراع بين نماذج الحكم محتدماً إبان الحرب الباردة أيديولوجي النكهة، أما الجديد اليوم فصراع النماذج الحاكمة الحاد مختلف، حيث تغلب عليه القومية والحنين للماضي. الواضح هنا أنه وحتى هذه اللحظة لا يوجد نظام سياسي يتوخى فيه قيم العدالة، وتكافؤ الفرص، وحقوق الإنسان، وفصل السلطات، وتغيير الحكومات، وحرية التعبير، غير الديمقراطية، والواضح أيضاً أن الديمقراطية التي نعرفها اليوم لم تأت على طبق من ذهب أو حتى فضة، بل وصلت إلينا عبر صراعات دامية لكي ينعم الناس بالكرامة والعدل والمشاركة في اتخاذ القرار. هل الديمقراطية مثالية؟ بالطبع لا، ولكنها هي ذاتها قادرة على تجديد نفسها.

back to top