خاص

تعليقاً على دراسة المقاطع المنشورة بـ الجريدة• أمس الأول

تنفيذ حكم «الدستورية» وفقاً لمقصوده يقتضي فوراً إعلان خلو مقعدَي الطبطبائي والحربش
قرار إسقاط عضوية النائبين بموجب هذا الحكم منعدم وساقط دون قرار من المجلس

نشر في 15-01-2019
آخر تحديث 15-01-2019 | 00:06
No Image Caption
في دراسة طال انتظارها للخبير الدستوري وأستاذ القانون العام د. محمد المقاطع، نشرت على صفحات «الجريدة»، الأحد الماضي، حول الحكم الصادر بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ووجه فيها الأستاذ الدكتور نقده إلى هذا الحكم بقوله:

• إن قضاء الحكم بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ينحدر إلى العمل المادي الذي ليس له وجود أو قيمة ولا ينتج أثرا، لخروج هذا القضاء كاملا عن أحكام الدستور.

• لا رقابة للمحكمة الدستورية على الأعمال البرلمانية، التي تتمثـل في قرار مجلـس الأمــة برفـض إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، والذي لا يتسم بالصفة التشريعية.

• اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لا تخضع لرقابة المحكمة الدستورية لسببين: أولهما أنها في مرتبة الدستور بحكم أنها صدرت بتفويض من الدستور نصت عليه المادة (117)، وثانيهما أنها عمل برلماني بحكم هذا التفويض.

انتهى د. المقاطع من هذه المقدمات إلى النتائج التالية:

1 - أن اللائحة الداخلية عمل برلماني خالص ولا ولاية للمحكمة الدستورية عليها، بحكم التوزيع الدستوري للاختصاصات.

2 - أن انهاء وجود المادة (16) من يوم صدورها، والغاءها بموجب الحكم القاضي بعدم دستورية هذه المادة، إحياء لأحكام المادة (50) من قانون انتخابات مجلس الأمة، التي كانت قد ألغيت بصدور اللائحة الداخلية متضمنة المادة (16) التي تتعارض معها.

3 - أن قرار مجلس الأمة الصادر بجلسة 30/10/2018 برفـــــض إسقـــــاط عضويـــــة النائبـيــن د. وليد ود. جمعان صدر صحيحا ومنتجاً لآثاره، ويستمر صحيحا استنادا الى المادة (50) من قانون الانتخاب، التي حلّت تلقائيا محل المادة (16)، بعد القضاء بعدم دستوريتها.

وأرى في هذه النتائج أن صاحبها -وله ثواب الاجتهاد- بعد طول انتظار لرأيه في تنفيذ حكم القضاء الدستوري وهو عنوان الحقيقة، وقول القضاء هو الكلمة الحاسمة الفاصلة فيما نحن فيه مختلفون، من حيث أراد أن يحقن أزمة دستورية بين السلطات الثلاث، وأن يطفئ جذوتها؛ قد زاد الأزمة تأزيماً، وعقّد الأمور أكثر مما هي معقدة، وهو ما حدا بنا إلى أن نستكمل بحثنا الذي عقدناه في هذه المسألة، منذ صدور قرار مجلس الأمة سالف الذكر، راجياً من المولى عزوجل، أن يعيننا عندما نستقصي نصوص الدستور فنحسن الاستقصاء، وعندما نقرأ نصوص اللائحة الداخلية للمجلس فنجيد القراءة، وعندما نحاول فهم هذه النصوص وتلك فنتقن الفهم، وأن يوفقنا إلى الصواب فيما نستنبط من كل هذا.

وفي سياق تقدير هذه النتائج نسوق ما يلي:

أولاً - انعدام قرار إسقاط العضوية

وبادئ ذي بدء، فإن ما جاء في هذه الدراسة من أن قرار رفض إسقاط العضوية قد صدر صحيحاً، وفقا لأحكام المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وإن القضاء بعدم دستوريتها قد جاء في حكم قضائي معيب، ومع ذلك يستمر القرار صحيحاً، حتى بافتراض صحة الحكم، على سند من المادة (50) من قانون انتخابات مجلس الأمة، التي أحياها هذا الحكم.

والبادي أن صاحب الدراسة المشار إليها قد فاته في قراءته لقرار المجلس من ناحية، وللمادة (50) من ناحية أخرى ما يلى:

1 - أن تقرير إسقاط العضوية عن النائبين المذكورين اعتبر مرفوضاً، لعدم حصوله على موافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.

2 - أن المادة (50) من قانون الانتخابات التي أحياها الحكم، وفقا لهذه الدارسة، تنص على أنه: «تسقط العضوية عن عضو مجلس الأمة إذا فقد أحد الشروط المشترطة في العضو...... بقرار من المجلس».

3 - أن هذه المادة لم تشترط سوى الأغلبية العادية المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، وهي اغلبية الحاضرين، فكيف يستمر قرار رفض اسقاط العضوية صحيحا، والعكس هو الصحيح، ذلك أن المادة (50) سالفة الذكر، لم تتطلب سوى موافقة اغلبية الحاضرين، وقد وافقت هذه الأغلبية في جلسة المجلس المعقودة بتاريخ 30/10 على إسقاط عضوية النائبين عندما صوت بالموافقة على إسقاطها (31) عضواً ورفض 29 عضواً إسقاطها.

ومن المستقر في فقه القضاء الإداري أن القرارات الصادرة من إحدى السلطات الثلاث في الدولة غصبا لاختصاص سلطة أخرى هي قرارات معدومة، حيث يعتبر الخطأ فيها خطيئة لمخالفتها للقانون وللدستور فيما نص عليه من مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، حيث يفقد القرار في مثل الحالة الأخيرة صفة وطبيعة القرار الإداري، وينحدر إلى مجرد العمل المادي الذي لا يتمتع بأي حصانة، ولا يتقيد الطعن فيه بأي ميعاد. (المحكمة الإدارية العليا في مصر جلسة 2/ 1/ 1966- طعن 1520 لسنة 7ق).

وقد أفاض الحكم الصادر بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية، في بيان مخالفة القرار سالف الذكر لمبدأ الفصل بين السلطات، فضلا عن اهداره لحكم قضائي نهائي وباتّ صادر من محكمة التمييز، وفي تفصيل ذلك يرجى الرجوع الى مقالنا المنشور، أمس، على صفحات «الجريدة» تحت عنوان «الدستورية بين تحصين عضوية الطبطبائي والحربش وإعدامها بعد أسبوع».

ثانياً- ليست هناك سلطة مطلقة في القانون العام

وتقوم سلامة قرار مجلس الأمة برفض اسقاط عضوية النائبين المذكورين في هذه الدراسة على أن لمجلس الأمة سلطة مطلقة في تقرير ذلك، على عكس ما هو مقرر فقها وقضاءً من ان كل سلطة وكل اختصاص منحه الدستور او القانون فيه التقدير والتقييد معا، ولا يجوز تفسير نص تشريعي بمعزل عن النصوص التشريعية الأخرى التي تكوّن النظام القانوني للدول.

وقد دللنا على نفي السلطة المطلقة لمجلس الأمة في تقرير اسقاط العضوية، في دراستنا المنشورة على صفحات «الجريدة» في عددها الصادر في 6 يناير الجاري تحت عنوان «دراسة حول حصانة العضوية»، تعليقا على ما جاء في الحكم القاضي بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بأن عبارات هذه المادة التي جاءت عامة ومطلقة، هي السبب في إطلاق سلطة المجلس في امر اسقاط عضوية النائب، إذ قلت بالحرف الواحد: «الإطلاق في العبارة لا يعني إطلاق السلطة، بل شمول النص لكل الحالات وكل الوقائع التي يتناولها النص ويشملها خطابه، فليست هناك سلطة مطلقة.

فقد جاءت ممارسة الدولة لسيادتها، وممارسة كافة السلطات لوظائفها، وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات مع تعاونها محكومة ومقيدة بنصوص الدستور لا تطرف عنها عين أحد المسؤولين في السلطات الثلاث، وليس بالضرورة أن يتكرر النص على هذه الحوكمة الدستورية في كل مادة من مواد الدستور، وفي كل نص تشريعي من نصوص اللائحة الداخلية».

ولمزيد من التفاصيل يرجى الرجوع الى هذه الدراسة.

ثالثاً- خضوع اللائحة الداخلية لرقابة «الدستورية»

إن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وإن كانت مكملة للدستور ووثيقة دستورية وفقا للوصف الذي خلعه عليها قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 26 لسنة 1996، لصدورها بناء على تفويض من المادة (117) من الدستور، إلا أن ذلك ليس معناه ان تخالف اللائحة احكام الدستور، أو ان تتعارض معها، فلا يمكن للسلطة التي تضع الدستور أن تعهد الى سلطة ادنى منها بإهدار الاحكام التي وضعتها بنفسها وارتضتها لإرساء القواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في الدستور.

بل إن قانون توارث الامارة ذاته، الذي أقر الحكم الصادر بعدم دستورية المادة (16)، بأنه الوحيد الذي له صفة دستورية، يخضع أيضا لرقابة دستورية القوانين، إذ خالف احكام المادة (4) من الدستور، التي فوضت المجلس في إصداره .

لذلك فإنه يتعين ان توزن احكام المادة (16) من اللائحة الداخلية بميزان اتفاقها او اختلافها مع احكام الدستور.

والمادة (16) بالضمانات الدستورية التي قررتها لحصانة العضوية تأتي استكمالاً للضمانات الدستورية في الحصانة النيابية وغيرها، الأمر الذي يوجب أن تؤخذ هذه الحصانات جميعاً، سواء تبوأت موقعها في الدستور، أو في اللائحة، باعتبارها متكاملة ومترابطة فيما تحمله من معان، وأن يقوم في مجموعها ذلك البنيان الكامل في حماية النائب من أي عسف او تعسف قد يقصيه عن ممارسة مسؤولياته الدستورية، وقد يصل هذا العسف او التعسف الى اقصائه عن عضوية المجلس التي اكتسبها بثقة الناخبين، فأصبح باكتسابها يمثل الأمة بأسرها (المادة 108 من الدستور).

رابعاً- اللائحة الداخلية ليست عملاً برلمانياً

ولعل ما ساقته هذه الدراسة من ان اللائحة الداخلية هي عمل برلماني، وهو تأويل للأعمال البرلمانية على غير ما يحتمله هذا الاصطلاح الذي يعبر عن نظرية من خلق القضاء الدستوري ذاته، عندما أراد أن يتخفف من نظرية اعمال السيادة التي تحجب القضاء بوجه عام عن رقابته لهذه الأعمال بنصوص تشريعية صريحة أو بغير نص تشريعي. ومن أعمال السيادة، فيما استقرت عليه احكام المحاكم في تطبيق هذه النظرية، العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

فهذه النظرية من خلق القضاء الدستوري ذاته، استمدتها المحكمة الدستورية من ولايتها رقابة دستورية القوانين فيما تنص عليه المادة 173 من الدستور من أن:

«يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها والاجراءات التي تتبعها».

وفيما تنص عليه المادة الأولى من قانون انشاء المحكمة رقم 14 لسنة 1973 من أنه:

«تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية، وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين اللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزما للكافة ولسائر المحاكم».

وما استقر عليه قضاؤها من أنه:

لا يدخل في نطاق هذه الرقابة القضائية الأعمال البرلمانية، وهي جميع الأعمال القانونية والمادية التي لا تتصف بصفتي العمومية والتجريد، والتي يمارسها مجلس الأمة أو إحدى لجانه أو أحد أعضائه، وهم بصدد القيام بوظائفهم... قرار مجلس الأمة أو إحدى لجانه أو أحد أعضائه وهم بصدد القيام بوظائفهم... قرار مجلس الأمة بعدم إقرار مرسوم بقانون عمل برلماني وليس تشريعياً، (جلسة 17/5/1994 في الطعن رقم 1 لسنة 94).

وأن الأعمال البرلمانية هي جميع الأعمال القانونية والمادية التي ليس لها صفتا العمومية والتجريد، والتي تصدر من المجلس التشريعي او من احدى لجانه او احد أعضائه، وهم بصدد القيام بوظائفهم المخولة لهم بموجب الدستور خارج نطاق وظيفة التشريع (جلسة 29/6/1994 في الطعن رقم 3 لسنة 94).

خامساً- حكم المحكمة الدستورية عنوان الحقيقة وواجب النفاذ

وهو استجلاء لصحة ما انتهت اليه هذه الدراسة من ان حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ينحدر الى العمل المادي الذي ليس له وجود او قيمة، ولا ينتج أثرا، لخروج هذا القضاء كاملا عن احكام الدستور.

ولعل أشد ما يؤخذ على دراسة د. المقاطع هو ما انتهت إليه من إهدار حكم المحكمة الدستورية واعتباره لا أثر له ولا قيمة.

ذلك أن قاعدة «حجية الأمر المقضي تعتبر من القواعد المتعلقة بالنظام العام»، وتعني هذه القاعدة أن ما قال به الحكم القضائي، إذا صار باتّا، أي غير قابل للطعن فيه بأي وجه من الوجوه، صار عنوانا للحقيقة، بمعنى ان ما قال به الحكم هو الحق بعينه وأن ما يناقضه بعيد عن الحقيقة. (د. محمد ميرغني، القضاء وحجية الأحكام في مصر والعالم المتحضر، جريدة الوفد في 23/7/1989).

ويضيــــف الزميـــــل الصديـــــق العزيــــــز الراحل د. عبدالمنعم جيره، أن القضاء إذا قال كلمة فإنه يقولها منزها عن الميل والهوى، وأن ما نطق به هو الحق والصواب أو هو الأقرب إلى الحق والصواب، وان الحكم عندما يصير باتا فإنه لا يقبل طعنا ولا مراجعة، وانه يمثل -وفقا لقاعدة حجية الأمر المقضي- الحقيقة المطلقة التي لا تحتمل جدلا ولا نقاشا.

وأن القيمة القانونية لأي التزام قانوني تتحدد بقدر الجزاء الذي يحمي هذا الالتزام والذي يمكن توقيعه عند مخالفته. لذلك كان سعي الفقه والقضاء مستمرا في سبيل الوصول إلى جزاءات فعالة يمكن توقيعها على الإدارة عند مخالفتها للالتزامات التي يفرضها حكم الإلغاء. (د. عبدالمنعم جيره، آثار الحكم بالإلغاء ط 1971 ص 555).

وإذا كان الخطأ في الأحكام وارداً فإن البشرية على الرغم من ذلك قد ارتضت قبول قاعدة حجية الحكم القضائي، لأسباب أهمها الرغبة في وضع حد للخصومات.

لذلك سلمنا بهذه الحجية المطلقة لحكم المحكمة الدستورية، وحملنا قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية على واقعة لها خصوصيتها، وهي التي بنى عليها الحكم قضاءه سالف الذكر، وهي صدور حكم قضائي نهائي باتّ، بعقوبة جناية في حق النائبين، فيكون القرار الذي أصدره مجلس الامة في 30/10/2018 برفض إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، هو المخاطب بالعوار الدستوري الذي كشف عنه الحكم القاضي بعدم دستورية المادة (16)، ولم يكن الخطاب موجها لهذه المادة، ويكون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية في خصوص السبب الذي بنت عليه المحكمة قضاءها، ومن واجب مجلس الامة ان يتقيد في ممارسة اختصاصه سالف الذكر بوجوب احترام أحكام القضاء وعدم عرقلتها او عرقلة تنفيذها، وهو ما كان يتوجب على مجلس الأمة الالتزام به في القرار سالف الذكر، احتراما لمبدأ استقلال القضاء، وجوهره تنفيذ الأحكام القضائية.

سادساً- الخطأ في أحكام القضاء وارد واحترامها وتنفيذها واجب

وهذا هو سيد الخلق الذي لا ينطق عن الهوى عندما يشرع للناس أمور دينهم ودنياهم، يقول: «إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وإذا كان الخطأ وارداً فى أحكام القضاة فإن احترام هذه الأحكام واجب على الكافة، وأوجبُ على كافة سلطات الدولة احترامها وكفالة تنفيذها، لذلك ألزم الدستور في المادة (167)، النيابة العامة، بالسهر على تنفيذ القوانين الجزائية وبتنفيذ الأحكام الصادرة طبقا لها.

ويعاقب القانون رقم 2 لسنة 1996 كل موظف عام مختص امتنع عن تنفيذ حكم قضائي بعقوبة تصل الى الحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبالعزل من الوظيفة العامة.

سابعاً- الأحكام القضائية مظهر لسيادة الدول وحضارتها

إن إهدار أحكام القضاء، في أي بلد في العالم، معناه ان هذا البلد يستبيح حرمة سيادته، عندما يفقد العالم ثقته في التزام الدولة بمبدأ سيادة القانون، بما يعنيه هذا المبدأ من خضوع الجميع حكاما ومحكومين للقانون، ودولة لا تحترم أحكام القضاء فيها، ليست جديرة بالاحترام أو التعامل معها من كل دول العالم وجماعاته وأفراده، فإذا حاز حكم قضائي قوة الأمر المقضي فيه فإن على كافة سلطات الدولة ان تعمل على تنفيذه.

ولعل من أروع ما يساق في هذا المقام، ما قاله تشرشل رئيس الحكومة البريطانية وأحد أقطاب العالم أثناء الحرب العالمية الثانية لوزير حربيته، وهو يأمره بتنفيذ حكم القضاء، ولو خسرت بريطانيا الحرب: إنه خير لبريطانيا ان تخسر الحرب من إهانة قضائها، وعدم الامتثال لقرار المحكمة فيه اهانة للقضاء البريطاني لن يمحوها الزمن وسوف يلحق العار ببريطانيا العظمى الى أبد الدهر، أما الحروب فيوم علينا ويوم لنا.

وكانت محكمة بريطانية قد أصدرت قرارا بمنع الطائرات العسكرية من التحليق قرب مقر المحكمة، والتي يشوش أزيزها على المحاكمات التي تجرى أمامها، وكانت الحرب العالمية الثانية قد قضت على الأخضر واليابس في بريطانيا، ولم يكن هناك شغل شاغل لكافة سلطات الدولة ومرافقها العامة إلا تقديم كافة الخدمات اللوجستية للحرب، ومع ذلك لم يتردد شرشل في اصدار امره سالف الذكر بتنفيذ قرار المحكمة، ولم يكن حكما قضائيا حائزاً حجية او قوة الامر المقضي فيه.

وقد سجل تاريخ القضاء الأميركي للرئيس ايزنهاور انه اصدر قراراً بإرسال قوة من الجيش الأميركي إلى ولاية اركنساس، تحملها الطائرات لتنفيذ حكم المحكمة العليا الأميركية.

وكان حاكم ولاية أركنساس قد أصدر أوامره الى قوات الحرس الوطني للولاية والشرطة بمنع تنفيذ الحكم الصادر لصالح الطالب الأسود جون ميرديث، بأن من حقه ان يلتحق بالجامعة التي قصرت الالتحاق بها على البيض. وحبست أميركا أنفاسها والمشاعر تغلي.

وما إن رأى حاكم الولاية قوات الجيش الاميركي تتقدم من أبواب الجامعة، وهي تحمل العلم الاميركي، حتى أذعن لحكم المحكمة وتنحى مرافقوه عن أبواب الجامعة، ليدخل إليها الطالب الأسود.

عدم دستورية المادة (16) هو سبب العوار الدستوري الذي شاب التطبيق

وجوب التزام المجلس بتفادي هذا العوار الدستوري في ممارسة صلاحياته مستقبلاً

اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تخضع لرقابة دستورية القوانين وفقاً لأحكام المادة (173) من الدستور

اللائحة الداخلية ليست عملاً برلمانياً... وأحكامها ذات طبيعة تشريعية

تشرشل أمر وزير حربيته بتنفيذ قرار المحكمة ولو خسرت بريطانيا الحرب

إيزنهاور أصدر قراراً بإرسال الجيش الأميركي إلى ولاية أركنساس لتنفيذ حكم قضائي امتنع حاكم الولاية عن تنفيذه
back to top