الشاعر نبيل معوّض: القصيدة تأتي كالسارق ليلاً وتقتحم الخيال

• يؤكِّد أن الطلاب بحاجة إلى تحفيز خيالهم بعيداً عن الإنترنت

نشر في 14-01-2019
آخر تحديث 14-01-2019 | 00:03
بين الشعر، تحديداً الغزل وبين كتابة قصص لطلاب المدارس، يتوزع نتاج نبيل معوّض الأدبي، هو الذي قضى سنوات طويلة متنقلاً في عواصم أوروبية ينهل الخبرة والمعرفة، ويتعمق في أعمال كبار الأدباء والكتاب، حتى تشرب الكثير من عمق ثقافتهم، فأضاف ذلك كله إلى هويته وكيانه وشخصيته، وأنتج أدباً، يقوم على احترام الإنسان، وتكريم المرأة وتقديرها، وإحياء شخصيات من التراث لتعريف الطلاب إلى جماليات كان لها حضور محبب وفاعل في المجتمع اللبناني، لا سيما في الريف لكنها اندثرت...
في هذا السياق، أصدر أخيراً قصتين للأطفال تحاكيان الخيال والواقع في آن: «شمس والحصان الأبيض» و«المكاري ملحم».
ما الذي دفعك إلى التوجه إلى الأطفال اليوم في قصتيك «شمس والحصان الأبيض» و«المكاري ملحم»؟

عندما كانت ابنتي في الخامسة من عمرها كانت تطلب إلي أن أروي لها، كل ليلة، قصة قبل النوم، فاستعنت بقصص حفظتها في طفولتي سواء من قراءتي لها أو الاستماع إليها على لسان والدتي، إلى أن استنفدتها، فلجأت إلى خيالي لتأليف قصص لابنتي، هكذا ولدت قصة «شمس والحصان الأبيض».

بعد صدورها واطلاعي على سوق قصص الأطفال لاحظت نقصاً في القصص التي تحمل أفكاراً جديدة وتحكّم دور نشر بمدارس وفرض قصص معينة عليها لأغراض تجارية بحتة.

«شمس والحصان الأبيض» قصة من نسج الخيال، برأيك هل يهتم الأطفال اليوم في عصر الإنترنت بهذا النوع؟

أطفال وطلاب اليوم بأمسّ الحاجة إلى ما يبعدهم عن الإنترنت والعالم المرئي، ولا يحصل ذلك إلا بتوجيه وتشجيع من الأهل، فنادراً ما يطالع الطلاب كتاباً لكنهم يشاهدون أفلاماً خيالية وأفلام الخيال العلمي على أجهزتهم. لا شك في أنهم سيجدون ضمن هذه القصة ما يبحثون عنه ويحفز خيالهم، إنما ضمن صفحات كتاب. في جوهرها هي قصة حب ضمن إطار خيالي ساحر. أما أحداثها الاجتماعية فهي واقعية تحصل في المجتمعات العصرية.

تعيد في «المكاري ملحم» رسم ملامح من طفولتك ومن شخصية من التراث اللبناني... ما الرسالة التي توجهها من خلالها إلى الأطفال؟

المكاري تعني الشخص الذي يملك حماراً أو بغلا، إما للتجارة أو لنقل البضائع. وقد استخدمت في قصتي عبارات عامية محلية متداولة، يجهلها الأطفال، كذلك وصفت بيت جدي وهو منزل تقليدي لبناني، وذكرت أحداثاً واجهتها في طفولتي لتعريف الأطفال إلى عالم لم يعد موجوداً، من دون إغفال هدف القصة وهو حسن معاملة الحيوانات، ذلك أن المكاري ملحم كان يكلم حميره وبغاله بلطف ورقة، كما لو أنه يكلم بشراً عاديين، إثر تعرضه لحادثة طريفة ومؤذية دفعته إلى تجنب العنف مع تلك الحيوانات اللطيفة والأليفة.

ما أبرز مقومات أدب الطفل اليوم؟

الأدب ابن بيئته، ويجب أن يكون تثقيفياً ترفيهياً في آن ويهدف إلى توعية الجيل الجديد على كل ما يواجهه، ليس من خلال التركيز على السلبيات فحسب، بل عبر الإضاءة على الأمور الإيجابية والجماليات في بيئتنا وتبسيطها وتقريبها منه، وتشجيعه على اختبار الكتابة إلى جانب القراءة بالإضافة إلى كل ما من شأنه إبراز مواهبه الإبداعية.

عامية وفصحى

أنت شاعر ولديك دواوين بالفصحى والعامية من بينها: «ألوان عمري»، و«قمر أيلول»، و«نوتة وسوناته»، و«زورق الروح»... ما المعايير التي تعتمدها لاختيار لغة التعبير في القصيدة؟

لا أختار لغة التعبير في قصائدي، لأن القصيدة تأتي كالسارق ليلاً وتدخل الخيال من دون استئذان. إلى الفصحى والعامية أكتب الشعر بأربع لغات مختلفة... كتابة الشعر إحساس يعجز الشاعر عن كبته، تماماً مثل النهر الذي يرتفع منسوبه فوق ضفتيه والعاصفة التي تخرج عن طورها وتفاجئ مراكز الأرصاد الجوية.

الكتابة تعبير عن حالة نفسية وانعكاس للتفاعل اليومي بين الشاعر وبيئته ومحيطه، وقد تكون بأية لغة لانها تفرض وجودها وتأمر وتنهي.

هل تختلف كتابة القصيدة بالعامية عن كتابة القصيدة بالفصحى؟

تختلف من ناحية اختيار المفردات. سواء في العامية أو الفصحى، اعتمد أسلوب السهل الممتنع لأنه أقرب إلى قلب القارئ وذهنه، ولا أحاول التأنق في الكتابة أو البحث عن مفردات غطاها غبار النسيان منذ قرون.

أمير الغزل

يتمحور معطم قصائدك حول المرأة حتى إنك لقبت بأمير الغزل، لماذا التركيز عليها وماذا تعني لك المرأة؟

تحتل المرأة حيزاً في حياتي وقصائدي ولها في قلبي مكانة كبرى واعتبرها جزءاً من كياني، ولا يمكنني تصوّر عالم من دونها. باختصار، المرأة ملهمتي وعالمي وعالم كثر ممن يقرون ويعترفون بفضلها على الإنسانية وصبرها وقدرتها على التحمل.

كيف تقارب الحب في شعرك؟

أكتب عن الحب بوصفه خشبة خلاص وسفينة نجاة للبشر، فهو يجعل المرء إيجابياً، وأنا شخص إيجابي إلى أبعد حد. الإيجابية هي القدرة على الحب، والحب هو محرك الكون الأكبر نحو الأفضل، أقصد الحب المجرد عن كل مصلحة، هكذا أقارب الحب في شعري.

تتناول في قصائدك قضايا اجتماعية إلى جانب قصائد الغزل، إلى أي مدى يجدر بالشاعر أن يكون واقعياً في شعره؟

الشعراء هم ذاكرة الوطن، مع أنه ليس ناشطاً سياسياً أو ما شابه، لكن الشاعر يتـألم إزاء المحن في وطنه ويعبر عنها في قصائده، وعليه أن يكون أميناً في نقل الواقع وأحياناً يمزجه بالخيال في جنوح منه نحو المثالية. بالنسبة إلي، كتبت قصائد وطنية إلى جانب الغزل.

أيهما تركز عليهما في شعرك أكثر الموضوع أم اللغة؟

أركز على الموضوع بغض النظر عن اللغة، لذلك تتناول قصائدي مواضيع قلما تطرق إليها شعراء آخرون.

درست في ألمانيا وتأثرت بشعراء ألمان وفرنسيين وبالشاعر بابلو نيرودا، كيف برز هذا التأثير في شعرك؟

الشاعر الذي يكتب غزلاً في المرأة، يكتب انطلاقاً من نظرته إليها، وكلما كان تقديره واحترامه لها عاليين سما وارتقى في شعره وغزله. تأثرت بالشاعر التشيلي العالمي بابلو نيرودا لأن ثمة قاسماً مشتركاً بيننا وهو حبنا وتقديرنا للمرأة لدرجة وضعها في مصاف الآلهة أو أشباه الآلهة. كذلك تأثرت بالشاعر الألماني هاينريش هاينه وترجمت له قصيدة غنائية إلى اللغة العامية اللبنانية.

تجربة شعرية

إلى أي مدى تؤدي البيئة التي نشأ فيها الشاعر نبيل معوض والتراكم الثقافي الذي اكتسبه في إغناء تجربته الشعرية بصور شعرية؟ يجيب: «لا شك في أن أسفاري والسنوات التي قضيتها خارج لبنان واكتسابي لغات عدة بالإضافة الى عملي في الترجمة، كل ذلك أغنى تجربتي الشعرية».

ويضيف: «أنا مع الصورة الشعرية الجديدة والمبتكرة وقد ذكرت ذلك في ديواني «زورق الروح» إذ شبهت القصيدة بعارضة أزياء والصورة الشعرية باللباس أو الزي الذي ترتديه العارضة. لا يمكن لعارضة أزياء أن تخرج من وراء الكواليس مرتدية فستاناً رآه الجمهور سابقاً، وكلما كانت الصورة الشعرية جديدة جذبت القارئ أو السامع».

مع أنه ليس ناشطاً سياسياً لكن الشاعر يتـألم إزاء المحن في وطنه ويعبر عنها في قصائده
back to top