دولة دينية... بامتياز! (1-2)

نشر في 11-01-2019
آخر تحديث 11-01-2019 | 00:06
 د. محمد بن عصّام السبيعي يثور بين الحين والآخر سجال حول ملمح رئيس من ملامح هذه الدولة، مؤدى ذلك أن دولة الكويت، تلك الواقعة في المشرق العربي والمتشرب مجتمعها بالتقاليد، تلك دولة علمانية، أو مدنية على حد الزعم أحيانا. فإن كان أمر كذلك، أنكون بصدد نموذج مغاير للملكيات المحافظة في الجزيرة العربية؟ الحق أنه لا يوجد في تصنيف النظم السياسية ما يمكن أن يطلق عليه دولة مدنية. فالمدنية صفة نسبية لتطور مجتمعات بشرية، تتجاوز الأطوار التقليدية لعيش الإنسان، تتسم بالتقسيم الواضح للعمل والتوظيف الواسع لفنون التقنية والحضور الكثيف للدولة في حياة الفرد. وما تداول مركب الدولة المدنية هنا سوى التفاف على تداعيات مفهوم الدولة العلمانية وما يقتضيه من دعوة صريحة لإزاحة الدين عن موقع تكييف مخرجات النظام السياسي، ولعل ما يجعل من تلك الحيلة سببا لإثارة اللغط والفوضى الفكرية أن كثيراً مما نعرف من مدنيات قام على أساس الدين، وما المدنية الإسلامية هنا استثناء.

على أن استناد ذلك السجال إلى وثيقة الدستور وما يرد فيها من نصوص يجعلنا نراجع فهمنا لتلك الوثيقة ونعرض ذلك على القارئ، فبحسب ما يرصده المراقب حول هذا الشأن في وسائل الإعلام وما يدور على الألسن فإن القول بمدنية الدولة أو قل علمانيتها ينبني على حجتين: أولاهما تتخذ من بعض نصوص الدستور سندا، لاسيما ذلك الجدل الذي لا ينتهي حول تفسير الشطر الثاني من المادة الثانية، حيث يرد بأن "الشريعة الإسلامية مصدر (وليس المصدر) الرئيس للتشريع". وبما أن الشرع الإسلامي يقف على قدم المساواة مع غيره من المصادر فذلك يتضمن سمو الدولة على الدين مما يؤكد طابعها اللاديني على الأقل. وهناك أيضا من يسوق المادة الخامسة والثلاثين التي تنص على إطلاق حرية الاعتقاد وممارسة شعائر الأديان. وفي هاتين المادتين يبدو جليا غلبة الدين والشرع الإسلامي مقارنة بسائر العقائد الأخرى، فالنص صراحة على الشريعة الإسلامية كمصدر أساس للتشريع يأتي في مقدمة الدستور، أي في المادة الثانية، متأخرا فحسب عن المادة الأولى التي تعرف ما يدور الأمر، أي عن دولة الكويت. كما أن وصفه بالمصدر الأساس دون ذكر مصدر رئيس آخر يشير بما لا تخطئه العين إلى علاقة خاصة وممتازة بين هذه الدولة وشرع الإسلام. أما مدلول المادة الخامسة والثلاثين التي تتأخر إلى فصل الحقوق والواجبات، فلا يغير في رأيي في منزلة الإسلام شيئا. فحرية الاعتقاد الخافية في السرائر لا حيلة فيها لا للمشرع ولا الشرع أو أي كان بها، فإطلاقها في حكم البدهي. أما ممارسة العبادات، الجانب الظاهر من الاعتقاد، فيكون شريطة عدم إخلال ذلك بالعادات المرعية، النظام العام أو الآداب، ولا شك هنا أن التقاليد الإسلامية هي الحكم هنا فيما يخص العادات المرعية أو الآداب.

على أن ما يثير العجب في هذه المحاجة التي تجهد في إثبات علمانية الدولة هو انشغالها بما جاء في الشطر الثاني من المادة (2) وما إذا كانت أداة التعريف تحسم الأمر، وتخطيه لما جاء في الشطر الأول من نص لا لبس فيه من أن لهذه الدولة ديناً، ودينها الإسلام. فالنص هنا ليس من قبيل أن الإسلام دين للشعب الكويتي، أو دين الأكثرية الفلانية، أو الإثنية الأقلوية، بل دين الدولة بأسرها، أي بكل ما يحويه مفهوم الدولة من حكومة ومؤسسات متنوعة وأقطاب عديدة لصنع السياسة. ولو جاز للمرء أن يسترسل فذلك يستتبع بأن لو ارتد شعب الكويت عن دين الإسلام، لصبأ أو بدّل دينه، فإن الدولة بهياكلها وآلتها تبقى مسلمة حتى إشعار آخر.

وفي ضوء ذلك فالانشغال بتأويل الشطر الثاني من المادة الثانية لانتزاع الدولة من المرجعية الدينية يبدو لي فائضا عن الحاجة وبغير نتيجة مبتغاة، لا سيما بعد النظر إلى ما ورد بشأن ذلك في المذكرة التفسيرية، وما جاء في مواد لاحقة من واجب الدولة في رعاية التراث الإسلامي. أجل، إذا كان الأمر غير ذلك فما مبرر الإلقاء على كاهل الدولة بالتزام صون تراث الإسلام دون غيره من الأديان كما تملي المادة الثانية عشرة؟

back to top