حان وقت الانسحاب الأميركي من أفغانستان

نشر في 11-01-2019
آخر تحديث 11-01-2019 | 00:00
إن انسحابنا من أفغانستان يجب ألا يكون بصورة مفاجئة، ويتعين أن توفر تلك الخطوة الوقت الكافي للسفير خليل زاد للقيام بترتيبات مع حلفائنا، ومن دون جداول زمنية محددة تخدم الأعداء المتربصين في الخارج.
أثار قرار الرئيس دونالد ترامب سحب 7000 جندي من نحو 14 ألف جندي في أفغانستان– ربما بحلول الصيف المقبل– مخاوف جديدة من سلوكه المتهور، وخصوصا في ضوء قراره المماثل بسحب كل القوات الأميركية من سورية والذي خالف نصيحة وزير الدفاع جيمس ماتيس في هذا الشأن، ولكن تقليص عدد القوات الأميركية في أفغانستان كان محتماً على الأرجح، وفي حقيقة الأمر قد يكون الوقت حان بالنسبة الى الولايات المتحدة للانسحاب من ذلك البلد بصورة تامة.

ولا توجد دولة في العالم تماثل أفغانستان في تراجع الإمبراطورية الأميركية، ولا توجد بصورة فعلية إمكانية لتحقيق نصر عسكري على حركة طالبان وثمة فرصة طفيفة فقط للاحتفاظ بحكومة ديمقراطية ثابتة، وهذه حقائق لم يتمكن صناع السياسة في واشنطن من تقبلها على الأغلب.

وفي حين يتمترس العديد من الجنود الأميركيين وراء جدران إسمنتية لحماية أنفسهم من السكان الذين يفترض أن يقوم أولئك الجنود بمساعدتهم فإن اللافت هو ذلك القدر الطفيف من النقاش الذي نجم عن هذا الوضع في أوساط الحكومة والدوائر الإعلامية في العاصمة الأميركية، وعندما يتعلق الأمر بأفغانستان تصبح واشنطن مدينة تختبئ خلف جدرانها من الخجل والإحباط وخيبة الأمل.

وفي الوقت الذي تقوم فيه الصين وباكستان وإيران بتطوير مشاريع منافسة في الطاقة والتعدين على مقربة من أفغانستان يبدو أن لدى الولايات المتحدة القدر الضئيل فقط من المستقبل التجاري في ذلك البلد، على الرغم من أنها تنفق نحو 45 مليار دولار سنوياً هناك، وقد تصل تكلفة الحرب الإجمالية الى تريليوني دولار عندما يتم احتساب التكلفة الطويلة الأجل، بحسب تكلفة الحرب من جامعة براون، وكل هذا لدعم حكومة غير مستقرة يحتمل تماماً أن تتفكك إذا توقفت تلك المساعدات.

وفي حقيقة الأمر، تتكون التركيبة السكانية في أفغانستان من مجموعات متفرقة جغرافياً وتاريخياً وثقافياً وأخرى ذات توجه عرقي، كما تتصارع جماعات الباشتون والطاجيك والأوزبكيين إضافة الى شرائح اجتماعية أخرى على الأرض. وتحكم القبائل وأمراء الحرب والشبكات العاملة بنظام المافيا التي تسيطر على تجارة المخدرات مساحات واسعة من البلاد، وقد كتب الاختصاصي الإقليمي البريطاني أناتول ليفن عن الوضع في أفغانستان في ذي ناشينونال إنترست يقول «لمجرد أن تتم سرقة أموال أميركية لا يعني بالضرورة أنها هدرت لأنها ذهبت الى رؤساء قبائل لمنعهم من الانضمام الى حركة طالبان».

ولم يكن للأمور أن تتخذ هذا المسار لولا أن الولايات المتحدة اتجهت الى إهمال بناء ذلك البلد بسبب غزوها للعراق في سنة 2003 (وهو قرار أنا أخطأت في دعمي له) أو لو تمت تجربة سياسات عسكرية مختلفة، وبحسب الصحافي الباكستاني أحمد رشيد كانت هناك درجة كبيرة من التركيز على العملية الانتخابية في كابول وليس على بناء البلاد، وتحقيق البنية الأساسية والزراعة وإيصالهما الى المقاييس التي تمتع الأفغان بها منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الغزو السوفياتي في سنة 1979.

وبالتأكيد لا يوجد مكان يعتبر ميئوساً منه، لكن ذلك لا يمثل وضعنا الآن، وتستمر حركة طالبان التي ساعدت في هجمات 11 سبتمبر في تحقيق مكاسب ميدانية، وإذا حدثت مفاوضات سلام فعلية فإن طالبان سوف تكون مهيأة لتشاطر السلطة مع حكومة الرئيس أشرف غني المدعومة من قبل الولايات المتحدة إن لم تحل محلها في نهاية المطاف. ويحاول المستشار الأميركي الخاص الى أفغانستان زالماي خليل زاد التوسط لتحقيق حل دبلوماسي يسمح للولايات المتحدة بسحب قواتها من دون حدوث تفكك في الأساس السياسي في كابول على الفور.

وقد يكون ذلك هو السبب الرئيس الذي جعل الولايات المتحدة تنفق بسخاء في أفغانستان، وتملك الرعب وزارة الدفاع الأميركية بسبب تكرار حوادث عام 1975 عندما عمد الرجال من فيتنام الجنوبية الذين سيطر عليهم الهلع الى الفرار من سايغون في أعقاب انسحاب الأميركيين منها، وتقدم قوات فيتنام الشمالية اليها، وفي حقيقة الأمر لم يتمكن الجيش الأميركي من التعافي من الإذلال الذي لحق به نتيجة تلك التطورات الميدانية إلا بعد انتصاره في حرب الخليج العربي في عام 1991، ثم إن انسحاباً مفاجئاً من أفغانستان يمكن أن يطرح نموذجاً جديداً يظهر مدى تردي وهبوط القوة العسكرية الأميركية.

ويوجد أيضاً عنصر الخوف من أن انتشار الفوضى في أفغانستان قد يوفر من جديد ملاذات آمنة للمجموعة الإرهابية الدولية التي عقدت العزم على تكرار هجمات 11 سبتمبر في مدينة نيويورك، ويمكن أن توفر طبعاً دول مثل اليمن والصومال إضافة إلى عدد آخر من الأماكن المواقع اللازمة للقيام بتلك العمليات الإرهابية.

ويتمثل الجانب المهم في هذه العملية برمتها في أننا نظل في أفغانستان بدافع الخوف من حصيلة أكثر سوءاً وليس نتيجة توقعات بتحقيق نتائج أفضل، وتكتفي الولايات المتحدة الآن بالأمل في أن يتمكن زالماي خليل زاد– وهو دبلوماسي محنك من مواليد أفغانستان– من طرح فترة استقرار لائقة ومعقولة.

وفي غضون ذلك قد تتمكن الصين وباكستان وروسيا والهند وإيران من تحقيق المزيد من الفوائد والمكاسب بسبب عمليات الولايات المتحدة العسكرية في أفغانستان وبقدر يفوق حجم الفوائد التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة نفسها. وعلى سبيل المثال فإن الوجود العسكري الأميركي في ذلك البلد قد يوفر ما يكفي من الأمن لتحقيق نشاط في مجال الطاقة ونقلها، فيما يساعد ذلك أيضاً الروس في التصدي ومواجهة إرهاب تنظيمات دينية على الحدود الجنوبية لروسيا. وهكذا وبكلمات أخرى فإن الدول المنافسة لنا تقوم ببناء إمبراطوريتها على أنقاض إمبراطوريتنا.

وقد يجادل البعض في أن انهيار الحكومة الموالية للولايات المتحدة في كابول يمكن أن يسمح لمجموعة الدول السالفة الذكر بتحقيق موطئ قدم أفضل في أفغانستان، ولكن تحقيق الاستقرار في تلك الدولة المضطربة سوف يصبح مسؤولية تلك الدول.

وربما يكون في وسع دبلوماسي أميركي محنك ومدعوم من جانب إدارة متماسكة القيام بمحاولة تهدف الى إجراء مؤتمر سلام دولي يضم أفغانستان والدول المجاورة لها، ويركز على حرمان المجموعات الإرهابية من قاعدة لها في جنوب آسيا الوسطى.

وهذا هو نوع المشروع الذي كان يمكن أن يقوم به في الماضي هنري كيسنجر وريتشارد هولبروك وجيمس بيكر وجورج شولتز، ولكن هذا المشروع ليس شيئاً يمكن لشخص منطقي أن يتوقع حدوثه من خلال ادارة الرئيس دونالد ترامب التي تعصف بها الفوضى وعدم الكفاءة والأهلية والنقص في عدد الجهاز العامل، وخصوصا مع استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ببساطة: هل نحن ندين الى الشعب الأفغاني من أجل البقاء في ذلك البلد؟ والجواب هو ليس إذا كانت المثاليات التي نتحدث عنها غير قابلة للتحقيق لأن إنفاق المليارات من الدولارات ونشر الآلاف من جنودنا في ذلك البلد ومن دون نهاية في الأفق بغية احتواء فوضى تزداد حدة، هي ببساطة ليست سياسة مستدامة.

وحتى مجرد جزء بسيط من تلك الأموال يمكن أن يتم إنفاقه بشكل أفضل على مشاريع استثمار بنية تحتية في دول آسيوية مثل محطات الغاز الطبيعي المسال والموانئ الثنائية الاستخدام في فيتنام، والتي يمكن أن تنافس مبادرة الحزام والطريق الصينية.

ثم إن انسحابنا من أفغانستان يجب ألا يكون بصورة مفاجئة، ويتعين أن توفر تلك الخطوة الوقت الكافي للسفير خليل زاد للقيام بترتيبات مع حلفائنا، ومن دون جداول زمنية محددة تخدم الأعداء المتربصين في الخارج.

ولكن لنكن صادقين مع أنفسنا ونعترف أن أفغانستان هي مثل حاملات الطائرات الضخمة المكلفة التي نستمر في صنعها مع العلم أنها أصبحت عتيقة وغير مجدية في زمن تقنية الصواريخ المتقدمة وحرب الطائرات الأسرع من الصوت، وقد حان الوقت للتخلي عنها.

روبرت دي كابلان– نيويورك تايمز

لنعترف أن أفغانستان مثل حاملات الطائرات الضخمة المكلفة التي نستمر في صنعها مع العلم أنها أصبحت عتيقة وغير مجدية في زمن تقنية الصواريخ

بينما تقوم الصين وباكستان وإيران بتطوير مشاريع منافسة في الطاقة والتعدين على مقربة من أفغانستان يبدو أن نصيب الولايات المتحدة من ذلك قليل
back to top