«رجل القش» إصدار يركّز على المغالطات والانحيازات

الإنسان يقع في شركها باتباعه أساليب الخداع المستعملة في عملية الاستدلال

نشر في 07-01-2019
آخر تحديث 07-01-2019 | 00:02
غلاف «رجل القش»
غلاف «رجل القش»
تنتقي دار شفق للنشر و‎التوزيع إصدارات قيمة تُعنى بالفكر؛ رغبة في إيضاح مزالق العقول ونقائصها.
تقدم دار شفق للنشر و‎التوزيع إصداراً جديداً بعنوان "رجل القش"، يركز على المغالطات المنطقية والانحيازات الإدراكية التي يقع الإنسان في شركها من خلال اتباعه أساليب الخداع المستعملة في عملية الاستدلال، ومواطن الخلل المرافقة لها في عملية التفكير.

ويتضمن محتوى "رجل القش" مدخلا إلى المنطق اللاصوري مع شرح نقاط عدة مهمة حول مختلف جوانب الموضوع، ثم التمهيد لباقي أجزاء الكتاب: جزء أول يجمع مختلف المغالطات المنطقية مرتبة حسب الأولوية ومدى الانتشار، ثم جزء ثانٍ يجمع أهم الانحيازات الإدراكية التي توضح مزالق العقول ونقائصها.

عملية الاستدلال

ويقول مؤلف الإصدار يوسف صامت بوحايك عن الكتاب: "حاولتُ أن أجعل هذا الكتاب مرجعًا بسيطًا لكلّ شخص يهتمّ بما يكفي لكي يفكّر، ولكلّ تلميذ أصرّ على أن يبقى تلميذًا مخلصًا للحقيقة، أجمع فيه ما تيسّر جمعه- بما يكفي الحاجة ويخدم الضرورة- من مغالطات منطقية وانحيازات إدراكية، تكشف لنا أساليب الخداع المستعملة في عمليّة الاستدلال، ومواطن الخلل المرافقة لها في عملية التفكير".

ويشير بوحايك إلى أنه تحمس كثيرا لهذا الإصدار؛ "لأنني مؤمن بضرورة مضمونه في مجتمعاتنا العربية خصوصًا، وفي مختلف النقاشات الفكرية على وجه العموم، ذلك أنّ عالَم المُحَاجّة والجدل زلق ومخادع، وأنّ البشر كائنات معقّدة ومتذبذبة، تعتريها الكثير من العاطفة والذاتية، وهذا ما يجعل سلامة التواصل وفاعلية الاستدلال تتعلّق فوق المضمون بطبيعة أطراف النقاش وقابليّتهم للإيصال والاستقبال، لذلك قال أفلاطون في محاورة جورجياس: في جدال يدور أمام جمهور من الأطفال عن الغذاء، فإنّ الحلوانيّ كفيل بأن يهزم الطبيب، وفي جدال أمام جمهور من الكبار، فإنّ سياسيًّا تَسلّح بالقدرة الخطابية وحِيَل الإقناع كفيل بأن يهزم أيّ مهندس أو عسكريّ حتى لو كان موضوع الجدال هو من تخصّص هذين الأخيرين. إنّ دغدغة عواطف الجمهور ورغباته أشد إقناعاً من أيّ احتكام إلى العقل".

مغالطة التحريف

ومن النماذج التي يقدمها الإصدار عن المغالطات المنطقية، مغالطة رجل القش وتسمى أيضا: مغالطة التحريف، أو مغالطة التشويه، أو مغالطة التسميم، وهي أن يحرف الشخص كلام مناقشة وينسب إليه حججا أخرى هشة وكلاما آخر واضح الضعف ثم يرد هذا الكلام الذي نسبه هو نفسه له ويبين خطأه".

ويرى المؤلف أن "هذه المغالطة ربما تكون من أكثر المغالطات شيوعاً، إذ تجد صراعات وهمية مع أمور لا أحد يقول بها، فيضيع الوقت والجهد في محاولة تبرئة أنفسنا مما شوّهه الآخر أكثر من محاولة الاستدلال. وتقوم هذه المغالطة على المبالغة، أو تشويه الحجج وربطها بنتائج أو أفكار لا يقول بها الطرف الآخر، أو بقصد حين لا يستطيع الشخص الرد على حجج الآخر، ويحس بضعف حججه وردوده، فيستعمل هذا الأسلوب - غير الأخلاقي- في تناول حجج الآخر وإضعافها".

ويقال إن سبب هذا الاسم هو من الدمية المملوءة بالقش التي توضع في المزارع لخداع الطيور غالباً، إذ تتصارع الطيور مع إنسان وهمي (رجل قش)، وهو ما يفعله من يقوم بهذه المغالطة، حين يبذل جهده في النقاش والرد على حجج وهمية اخترعها بنفسه بعيداً عن حقيقة النقاش وموضوعه الأصلي.

الاحتكام إلى الجهل

ويستعرض الإصدار مغالطات أخرى منها، مغالطة الاحتكام إلى الجهل، وتسمى كذلك الحجة من الجهل، أو الاستدلال بالجهل، أو حجة غياب الدليل، وهي أن يعتقد الشخص أن فكرة ما صحيحة لأنه لا يوجد إثبات على خطئها، أو العكس، كأن يعتقد أنها خاطئة لأنه لا يوجد إثبات على صحتها، وبالتالي يتم الاعتماد على جهل الطرف الآخر أو البشر عموماً لإثبات فكرة أخرى لا دليل عليها. وهذه مغالطة لأن غياب دليل الوجود ليس دليلا على العدم، وهذه المغالطة لها علاقة بمغالطة عبء الإثبات ومغالطة الأبيض والأسود، التي يرى أصحابها وجود بعدين فقط لعالم الأفكار، إما أبيض أو أسود، إما معي أو ضدي، إما الإيمان بوجود الشيء أو الإيمان بعدمه، حتى لو لم يتوافر العلم الكافي لإثبات كليهما، فبدل أن يتواضع للجهل ويبقى على الحياد إلى حين توافر الأدلة الكافية، يعتمد كلاهما على عدم توافر الأدلة أو تشوهها عند الطرف الآخر كدليل على قضيته، في حين قد تكون هناك أبعاد أخرى.

ومن الضروري التفريق بين الخيار العلمي والحكم النظري، فكل شيء ليس له دليل هو عملياً في حكم الموجود، ولا يمكن بناء أي حكم أو نتائج على وجوده، فيكون عبء الإثبات دوماً على من يرى بالموجود لأنه يستلزم وجود تبعات وأحكام متعلقة به، والأصل أنه لا يوجد شيء دون إثبات، أما نظرياً فيبقى الحكم بوجود الشيء حيادياً، ولا يمكن الحكم بعدم وجوده يقينا دون دليل أيضاً على ذلك، لأن كليهما سواء النفي أو الإثبات، هو دعوى لا تقبل إلا بدليل.

مع ذلك، فعملياً قد يكون الاحتكام للجهل حكيماً وليس مغالطة، كما في اختيار الخيار الأكثر أمانا وسلامة، مثل أن تجهل إن كان المسدس مشحونا بالرصاص أم لا، فمن الحكمة أن تفترض أنه مشحون لأنه الخيار الأسلم، وإن كان الخيار هناك كترجيح للاختيار الأسلم، ولكنك تعلم في قرارة نفسك أنه ليس حكماً يقينياً، بل بالأحرى، وقائياً. أما مغالطة التقسيم التي تسمى أيضا المغالطة التقسيمية، أو التقسيم المخطئ، او الاستنتاج المخطئ، وهي عكس مغالطة التركيب، أي أن يعتقد الشخص أن ما ينطبق على الكل ينطبق بالضرورة على أجزائه أو أفراده، وبتعبير آخر، أن يعتقد أنه إذا كان حكمه على شيء أو فئة صحيحاً، فالحكم على أجزاء أو أفراد هذه الفئة صحيح.

ومن الانحيازات التي يسلط الكتاب الضوء عليها انحياز البقاء، ويسمى كذلك انحياز الديمومة أو انحياز النجاة أو انحياز السفينة الناجية، وهو ميل الإنسان إلى التركيز على التجارب الناجحة وإغفال التجارب الفاشلة، مما يجعله يبني معلومات منحازة وغير موضوعية تلوث أحكامه على مختلف الأمور. وتكمن مشكلة الانحياز في أنه يعمينا عن رؤية كل جوانب الموضوع، مما يسبب خللا في توازن الأحكام، ويدفعنا لأخذ صورة ناقصة لا تمثل الواقع الكامل للموضوع.

انحياز البقاء يدفع الإنسان إلى التركيز على التجارب الناجحة وإغفال «الفاشلة»
back to top