محمد إقبال حرب: رسالتي الأدبية لا عرق لها ولا لون ولا دين

• يستعدّ لإصدار رواية «العرّافة ذات المنقار الأسود»

نشر في 02-01-2019
آخر تحديث 02-01-2019 | 00:02
تخصص في علوم البصريات وجال في مجال الأدب في فروعه كافة: الشعر والرواية والقصة... هو الذي عشق الكتابة منذ طفولته ولكن محمد إقبال حرب اختار مهنة بعيدة عنه من دون أن يسقطه من حسابه، وإذا به بعدما اطمأن إلى مستقبله، يعود إليه كاتباً، يرفع لواء الدفاع عن الحق والحقيقة في وجه الظلم والاستعباد، لا يخشى التعبير عن آرائه خدمة للإنسان والإنسانية.
له دواوين شعرية ومجموعات قصصية وروايات، وهو عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين وعضو مؤسس في أكثر من صحيفة ومؤسسة ومنتدى...
آخر نتاجه «العميان الجدد»، مجموعة قصصية تدق جرس الإنذار للتحذير من أن تتآكل التكنولوجيا الإنسانية، فتصبح الأخيرة عبدة لها مما يؤدي إلى خرابها وبالتالي تدميرها. وفي اللقاء التالي مزيد من التفاصيل:

«العميان الجدد» عنوان مجموعتك القصصية الجديدة، هل تنعي من خلالها الحضارة والإنسانية؟

لا أستطيع أن أنعي الحضارة التي كابدنا من أجلها مذ وُجد الإنسان العاقل. لكنني أنعي نفسي أولاً قبل كل البشر الذين باتوا في حصار انكماش الذات، يتجرعون سُم الانحطاط الأخلاقي والتمزق الاجتماعي، وهم سكارى بنشوة سلاف عتّقه بشر من بقايا أخيه الإنسان الذي قضى تنكيلاً وطغياناً عبر العصور. العميان الجدد هم الذين قادوا هذا العالم إلى الهاوية ببصرهم قبل أن يصابوا بالعمى ويدركوا بصيرتهم.

ما الذي دفعك إلى كتابة هذه المجموعة القصصية؟

الألم والحزن. ألم إنسانيتي التي تُنتهك كل يوم باسم العدالة النافقة والعنصرية المتأججة. وحزني على مجتمع يعيش على فتات ماضٍ عفّنته رطوبة دهاليز الكذب والتدجيل. سرعة تهويد وتدمير المناقب والقيم الأخلاقية حول العالم في العقود الماضية بخطط ممنهجة ووتيرة أسرع من أي وقت مضى أفضت إلى واقع مرير تعانيه البشرية جمعاء ولو بدرجات متفاوتة.

موت المشاعر

هل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لها دور في هذا التراجع على صعيد الإنسانية؟

التكنولوجيا وسيلة كأية سلعة يقتنيها البشر يمكنك استخدامها للخير والشر. مثلها كمثل النار التي تنير حياتنا باستعمالاتها العدة، لكن متى أسأنا استخدامها نحرق أنفسنا وما حولنا. أعتقد بأن رفاهية التكنولوجيا وسرعة التواصل استبدلتا بالعالم الحقيقي العالم الافتراضي كونه أقل إلحاحاً ويتمتع بخاصية فريدة تتسم بموت المشاعر، ألا وهي خاصية التخلص من أي شخص بضغط مفتاح واحد. وعلينا ألّا ننسى بأننا حرقنا أناملنا وبيوتنا مرات على مر العصور حتى تعلمنا استخدام النار استخداماً سليماً. لذلك ستمرّ فترات طويلة من حرق الذات قبل ارتداد الإنسان اجتماعياً من الانهيار العظيم الذي نشهد بدايته.

برأيك، لماذا ضلت البشرية طريقها؟

هذا ما حاولت الإجابة عن بعض جوانبه في مجموعتي القصصية. فالاعتماد على البصر من دون البصيرة ضلالة، وندب مسؤولياتنا في تربية أطفالنا إلى الخدم ضلالة، وتقديمنا طقوس العبادة للخالق مع تقديس أصحاب السلطان ضلالة، والإسراف في الغيبيات دون المعلوم ضلالة، والإسراف المادي على حساب الروحانيات ضلالة... دروب الضلالة كثيرة وروّادها كثر لذلك ضلّت البشرية.

من خلال مجموعتك القصصية الجديدة ما هي الرسالة التي توجهها إلى القارئ؟

تحمل «العميان الجدد» رسائل ورؤى حول واقع الإنسان المعاصر من خلال تفكيك البنية الاجتماعية. فالبصيرة هي السبيل الوحيد للرؤية السليمة والتحرر من خداع البصر الذي أدى إلى الكراهية والعنصرية. تبدل المفاهيم الاجتماعية والأسرية بسرعة فائقة استجابة للطفرة التكنولوجية ضلالة، كما الموروثات الاجتماعية التي تنهش وجودنا تحت عناوين القداسة من دون مبرر تستحق إعادة النظر من منظار جديد يفتح آفاقاً للجدل الفكري المثمر. إضافة إلى مواضيع كثيرة تنبع من واقعنا.

هل تعتبر أن الروائي أو القاص اليوم يجب أن يصوّر الواقع نظراً إلى عمق المشاكل التي تعترض الحياة اليومية وازدياد العنف؟

الروائي والقاص يمتلكان رؤية تقتحم عمق الحدث لتصل إلى جذوره مستلهمة أسبابه فتخط الحقيقة وتقترح حلولاً. لذلك يتوجب عليهما أن يغوصا في كينونة الواقع لنقل صورة صادقة من خلال موقف ورؤية واضحين يكونان ثمرة نقاش اجتماعي جدّي يؤدي إلى قبول أو رفض. فعبر التاريخ نجد أن المتغيرات الاجتماعية الكبرى التي أحدثت ثورات اجتماعية وفكرية كانت نتاج أعمال أدبية ونظريات فلسفية غاصت في كينونة المجتمع وأدركت أسباب مشاكله. الكاتب المميز لا يصف النتائج بل يعمل على إيجاد الأسباب وطرح الحلول في رسالة إنسانية يحملها عبر رحلة العطاء. لذلك أقول إن الكاتب الذي لا يمتلك رسالة عليه أن يتخلص من أدوات الكتابة.

أنواع أدبية

تكتب الرواية والقصة والشعر والدراسة فهل تعكس هذه الأنواع الأدبية جوانب مختلفة من شخصيتك الإنسانية والأدبية والفكرية؟

فرعي

كل هذه الأنواع أدوات للتعبير، فالشخصية واحدة تعبّر عما يعتريها بأفضل وسيلة ممكنة لإيصال الرسالة المرجوة. عندما أكتب لا أصر على نمط معين من الكتابة لطرح الفكرة، بل أبحث عن أفضل وسيلة للتعبير عن الموضوع، قصة طويلة أم قصيرة، رواية أم مقال، وربما قصيدة تتنزل من علياء. الإصرار على التعبير بوسيلة واحدة قد يضرّ بنص ما فلا تصل الرسالة المرجوة.

ما هي المعايير التي تفرض عليك اختيار التعبير من خلال فن القصة أو فن الرواية أو فن الشعر؟

لن أدخل في التعريفات التي تعج بها الكتب والشبكة العنكبوتية بل سأتجاوز ذلك إلى رؤيتي الشخصية. لا معايير تُفرض إلا قواعد اللغة من صرف ونحو. لكنني أفرض على نفسي معايير معينة أعتبرها مقدسة في سبيل رسالة إنسانية واجتماعية ترفض العنصرية والاستعباد وأشدد على الحرية والعدالة. من المعايير التي فرضتها على نفسي هو أن أقوم بواجبي في البحث والتحري عن كل معلومة أوردها وأخطها من أجل المصداقية الدائمة. الدفاع الدائم عن حقوق المستضعفين والمستعبدين تحت أي شعار كان. رسالتي كونية لا عرق لها ولا لون ولا دين لأنه لا يمكننا تقنين حق الحياة الحرة الكريمة تحت أي شعار، فالفرح والألم كما العبودية والحرية لها نفس الطعم في كل جسد ومع كل عرق ولون.

ترجمة الشعر العربي

لك شعر مترجم إلى أكثر من لغة، إلى أي مدى يحافظ الشعر على روحيته عندما يترجم؟

فرعي

الترجمة ليست هدفاً بحد ذاتها، لكنها جسر نبنيه بين الحضارات رغم الخسارة الكبيرة في روحية الشعر. شخصياً، لم أسعَ إلى الترجمة ولكن المترجمين انتقوا بعض المختارات ونشروها.

هل يحافظ الشعر على روحانيته بعد الترجمة؟ سؤال جميل، أكثر النقاد تفاؤلاً يقولون إن الشعر يفقد ثلث روحانيته. ثمة معوقات بين اللغات إذ إن كثيراً من التعابير لا يمكن ترجمته حرفياً بكلمة أو حتى سطر. وثمة تعابير لا رديفَ موازياً لها في لغة أخرى، ما يستدعي المترجم أن يستخدم أقرب المعاني للنص الأصلي فيفقده بعضاً من سحره. لكن الجسور الحضارية بين الشعوب تستحق الترجمة رغم ضريبة الخسارة.

كيف تقيّم ترجمة الشعر العربي إلى لغات أجنبية؟

الترجمة علم لا يكتمل بالتخصص والدراسة فقط بل تحتاج إلى عمقٍ في اللغة يكتنف مشاعر المترجم فيدرك لب المعنى الحقيقي لا الترجمة الحرفية. لذلك نجد الترجمات لا تحمل في معظمها روح الشعر بل ترجمة شبه حرفية أو لنقل ترجمة غير صادقة، رغم براعة وإخلاص المترجم. المترجم الرائد هو من يبرع في فهم حضارة اللغة التي يترجم منها وإليها.

ما الجديد الذي تحضره راهناً؟

أعمل على مراجعة رواية «العرّافة ذات المنقار الأسود» التي أعتبرها امتداداً لرواية «الحقيقة» الفائزة بـ«جائزة الإبداع» من مؤسسة ناجي نعمان ، وهي تبحث برمزية عمّا آلت إليه منطقتنا ومناطق أخرى من العالم جراء الصراعات المتتالية الممنهجة عسكرياً وفكرياً لاستعباد الشعوب.

بين العلم والأدب

الكاتب محمد إقبال حرب متخصص في العلوم الصحية، فما الذي دفعه إلى الجمع بين العلوم والأدب؟ يجيب: «العلوم الصحية اختيار شخصي اخترته من ضمن العلوم التي يمكن أن تؤمن لي حياة كريمة. أما الكتابة فهي جزء مني، ولدت معي وترعرعت مع مشاعري مذ لُكت الحرف وأمسكت القلم».

يضيف: «لم تسمح لي ظروف الحرب بدراسة الأدب العربي فهاجرت واخترت علم البصريات، لكن العلوم الأدبية والإنسانية كانت هاجس ثقافتي ورافد معرفتي لإنسانيتي، لذلك كانت القراءة المستدامة غذائي الروحي الذي جمع علم البصريات التقني مع علم البصيرة الوجداني».

الروائي والقاص يمتلكان رؤية تقتحم عمق الحدث لتصل إلى جذوره مستلهمة أسبابه
back to top