حين تصبح الولايات المتحدة غير جديرة بالثقة

نشر في 02-01-2019
آخر تحديث 02-01-2019 | 00:00
 ماكلينز يا لها من طريقة لإنهاء العام! لم يطلق ترامب ضربة عنيفة ولم يتذمر من الوضع القائم، بل اختار تضييق الخناق على حلفاء حلف الأطلسي الأكراد في سورية وترك مصيرهم بيد أقوى عدو لهم: الزعيم التركي النافذ رجب طيب أردوغان.

أعلن ترامب أنه ينوي سحب الجنود الأميركيين المتبقين الذين يبلغ عددهم ألفَي عنصر في سورية، مما أدى إلى استقالة وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس سريعاً، وتبيّن لاحقاً أن ترامب قال لأردوغان عبر مكالمة هاتفية في 14 ديسمبر: "هل تعلم؟ إنها مسؤوليتك الآن. سأرحل"! ثم غرّد ترامب على موقع "تويتر": "تركيا تقع في جوارهم. جنودنا عائدون إلى ديارهم".

على مر أربع سنوات، منذ أن انبثقت "الدولة الإسلامية" بقيادة أبو بكر البغدادي من الصحراء السورية واخترقت الدفاعات العراقية وارتكبت إبادة جماعية بحق الأيزيديين في جبل سنجار في كردستان العراق، أصبحت المقاومة الكردية في شمال سورية أسوأ كابوس تواجهه "الدولة الإسلامية". في الوقت نفسه، كرّس أردوغان كامل جهوده لتحويل حياة الأكراد إلى جحيم حقيقي.

كانت "قوات سورية الديمقراطية" بقيادة الأكراد (إنه تنظيم مدعوم من حلف الأطلسي بدأ على شكل تحالف بين "وحدات حماية الشعب" وعناصر من "الجيش السوري الحر" المعادي للأسد) تشنّ حرباً ميدانية ضد "الدولة الإسلامية". وبعد إعلان ترامب نيّته دعوة تركيا إلى استلام دور الولايات المتحدة في شمال سورية، بدأ المغاوير الأتراك يحتشدون في ضواحي بلدة منبج التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية".

إذا أردنا استخلاص درس من كل ما يحصل، يمكن القول إن الولايات المتحدة، في عهد ترامب، أصبحت اليوم صديقة متقلّبة وعشوائية وغير جديرة بالثقة بالنسبة إلى الأكراد أكثر من أي وقت مضى.

كان باراك أوباما لا يزال في البيت الأبيض في صيف عام 2014، حين صُدِم العالم بالأنباء الصادرة من جبل سنجار في كردستان العراق. بعدما نجحت "الدولة الإسلامية" في ترسيخ موقعها وسط الأقلية السنية في العراق غداة دعم أوباما الكارثي لنظام نوري المالكي الفاسد والقاتل (حليف إيران المفضّل الذي عمد إلى سرقة الانتخابات العراقية في عام 2010 بطريقة أو بأخرى)، أطلق التنظيم حملة إجرامية في كردستان العراق، فذبح الرجال الأيزيديين واستعبد النساء. نتيجةً لذلك، عَلِق آلاف الأيزيديين في جبل سنجار حيث ماتوا من العطش ومختلف المخاطر المطروحة عليهم. لم تقرر قوى حلف الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، التحرك قبل تلك الأحداث.

قد يكون قرار ترامب صادماً وغريباً، لكنه يحمل في طياته انعكاساً لقرار أوباما في عام 2013 بالسماح للأسد بتجاوز "الخط الأحمر" المسموح به بشأن استعمال الأسلحة الكيماوية، وعقد اتفاق متسرّع وعشوائي حول الأسلحة الكيماوية بين وزير الخارجية في عهد أوباما، جون كيري، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

حين تخلى ترامب عن "قوات سورية الديمقراطية"، خسر بذلك ماتيس، حتى أن بريت ماكجورك، المبعوث الأميركي القديم إلى التحالف المضاد لتنظيم "الدولة الإسلامية"، استقال بدوره، كذلك عاد سفير أوباما إلى سورية، روبرت فورد، واستقال في نهاية المطاف بسبب اشمئزازه من الوضع القائم، وكان وزير الدفاع ليون بانيتا قد اختلف مع أوباما بشأن الملف السوري، ووقع الخلاف نفسه أيضاً مع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد باتريوس ومستشار البيت الأبيض في الشؤون السورية فريدريك هوف.

كان أوباما قد استعان بالكرملين لتنفيذ الوعود الأميركية برفض استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية، وحين خان ترامب الأكراد، نقل بذلك الدور الأميركي في الأزمة السورية إلى أردوغان.

بعدما أعاد أوباما الكرملين إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط، أطلقت روسيا سريعاً حملة قصف عنيفة في سورية، فاستهدفت المناطق المدنية التي تسيطر عليها المعارضة الثائرة على نظام الأسد. لم يتوقف الأسد يوماً عن استعمال الأسلحة الكيماوية، فقد تورّط النظام في 26 اعتداءً بغازات السارين والكلور على الأقل منذ الاتفاق بين كيري ولافروف.

لا مفر من الشعور بالرعب عند التفكير بما سيحصل بعدما أخلى ترامب الساحة لأردوغان!

* تيري غلافين*

*«ماكلينز»

back to top