الكوكب الزمردي

نشر في 29-12-2018
آخر تحديث 29-12-2018 | 00:00
No Image Caption
فكت كليمنتين حزام الأمان وجلست براحة إلى جانبي ثم ابتسمت بخبث وأومأت برأسها إلى الأعلى نحو سقف المروحية حيث يوجد هناك زر بحجم كرة السلة قامت بالضغط عليه.

وتناولت كليمنتين سماعة الأذن من على رأسي ثم جلست في مقعدي قائلة:

– قد ترغبين بالجلوس في الخلف... اتركي الباقي عليّ.

لم تكن لدي فكرة عما يفعله الزر لكنني عرفت أنه ليس أمراً جيداً لأنه مفصول عن باقي الأزرار.

جلست في مقعد مجاور لأوكتافيان ذي الوجه الأحمر وحاولت الحديث معه لكنه لم يرد، وعلى الرغم من أننا لم نمض ساعة في هذه الطائرة لكن أوزبورن غط في نوم عميق لدرجة جعلتني غير قادرة على إبعاد نظري عنه... كان شبهه بأورسون – والده البيولوجي – كبيراً جداً لدرجة أنه يمكن أن يكونا الشخص ذاته... شددت شعري في عقدة أعلى رأسي لكن أوكتافيان قاطعني:

– لا تشدي شعرك هكذا.

التفت إليه على أمل أن أرى ابتسامة ولو كانت مصطنعة... لا شيء.

– أعلم يا أوكتافيان أنك غاضب مني، وأنا سأغضب أيضاً لو كنت مكانك لكننا نتكلم عن العائلة لا عن حفل لتناول الشاي مع الأشرار... قد يكونون ميتين الآن و...

– لِمَ قد يكونوا ميتين؟

قال ذلك دون أن ينظر بعينيه الخضراوين إلي وإنما إلى العالم خارج النافذة.

– لا أدري.

– هذه المشكلة... نحن لا نعرف... متى سنعرف؟ حياتنا غريبة بما فيه الكفاية... وحين بدأنا نشعر بالسعادة انهار كل شيء... كل شيء.

– لا ينبغي أن ينتهي الأمر على هذا المنوال هذه المرة... نحن نعرف شيئاً...

صرخت كليمنتين:

– أرجوكم تشبثوا بمقاعدكم وضعوا الأمتعة على حضنكم.

وقبل أن أدرك الأمر عاد مقعدي للخلف ثم توقف في حين تردد صراخ أوزبورن في أرجاء المروحية لكنها لم تعد مروحية إذ تضاعفت النوافذ يميناً ويساراً وظهر سلمان من ألواح الأرضية واحد للأعلى والآخر للأسفل ثم امتدت سجادة حمراء فوقهم مع مقابض خشبية على الجانبين. عاد مقعدي للخلف أكثر والتفت في مقعدي لأرى إلى أين أنا أتجه ثم أوقعت أمتعتي على الأرض وحين فتحت عينيَّ وجدت مقعدي يتجه نحو باب فصرخت ثم فتح الباب ووجدت نفسي في مقعد الطيار.

وضعت يدي على قلبي وشعرت بنبضه المتسارع إذ ما من شيء أو أداة تشبه سرعته... دار مقعدي لأواجه النافذة لكن ظهري في ذلك الاتجاه، ومن قوة الاندفاع سقطت على لوح التحكم لتنكزني الكثير من الأزرار والمفاتيح. نهضت من مقعدي وتحسست ظهري فلم أجد أي دم لكن بالتأكيد ستبقى هناك كدمة. وبينما بدأت أمشي خارج قمرة القيادة الغريبة التي تقع في مؤخرة الطائرة اصطدمت برجل ذي بشرة مسمرة إلا أنه ولحسن الحظ أمسك بي قبل أن أسقط... من هذا؟

– أهلاً يا آنسة لونا... أنا أندرو لكنني معروف بين أصدقائي باسم أ ن 2... يسعدني لقاؤك.

بدا صوته آلياً وحركاته كالرسوم المتحركة... لا بد أنه جهاز أندرويد.

– سأكون خادمك وطيارك في هذه الرحلة... أرجوك استغلي هذا الوقت لاستكشاف بي واي 32 المعروفة باسم فولات.

ابتسمت له بحذر واندفعت خارج الغرفة.

لقد اختلف كل شيء.

فبدلاً من تلك المساحة الصغيرة التي كنا محشورين فيها امتدت أمامنا ردهة طويلة مع بضعة مقاعد على يمين ويسار فولات كما بدأت بعض مصابيح النور بالظهور. اتجهت نحو السلم المؤدي إلى الطابق الثاني لأجد هناك ردهة مماثلة للردهة في الأسفل، ثم انفتحت أبواب زجاجية ومعدنية وظهرت أربع غرف حدقت بها مدهوشة. وحين دخلت الغرفة الأولى إلى اليمين وجدت نفسي في غرفة مليئة بسجادات اليوغو والأوزان كما توجد سيوف ومسدسات معلقة على الجدران وظهر تلفاز فجأة على الحائط... لا بد أنها غرفة التدريب... خرجت من الغرفة لأدخل الغرفة التالية فانفتح الباب الزجاجي كما في الغرفة السابقة وظهرت أريكة جلدية سوداء طويلة حول تلفاز.

دخلت غرفة أخرى ووجدت رفوفاً ورفوفاً مملوءة بالكتب مما جعلني أشعر بسعادة غامرة... لقد وجدت موطني... وفجأة ظهر كرسي هزاز ومقعدان خشبيان.

أما الغرفة التالية فكانت مختلفة عن باقي الغرف إذ إنها أكبر كما أن الغرض منها ليس للرسميات أو مناقشة الأفكار وإنما لتناول الطعام حيث تضم طاولة خشبية ومقاعد ملائمة للطاولة، وفي الزاوية توجد ثلاجة بيضاء ضخمة. أغلقت الباب واتجهت إلى الغرفة الأخيرة لكنها مقفلة فنقرت على الباب ليأتيني صوت أوزبورن:

– أنا في الداخل.

لا بد أنه حمام.

شققت طريقي إلى الأسفل ونزلت السلم الآخر أيضاً لأجد ثلاث غرف بدت صغيرة بالمقارنة مع الغرف التي رأيتها قبل قليل... اتجهت إلى الباب على اليسار ورأيت صناديق وصناديق من الطعام مكدسة فوق بعضها... مخزن جيد.

وفي الغرفة الأخرى وجدت سريرين بعيدين عن بعضهما ومرآة على الجدار وباباً صغيراً إلى اليسار ربما يؤدي إلى حمام... كانت الغرفة الأخيرة مطابقة لها تماماً ورأيت فيها أوكتافيان مستلقياً على السرير والغطاء الأبيض مكوّم على الأرضية.

دخلت غرفة التدريب مع كليمنتين التي تجيد الملاكمة على الرغم من بنيتها الصغيرة لكنني أكثر براعة منها، وعلى الشاشة كان نيكس يلقي التعليمات لتغرق كلماته في أذنيّ اللتين على وشك الانفجار:

– لا... غطها يا لونا... استخدمي ذقنك.

– أظن أن عليك العودة إلى النوم يا كليمنتين... شكراً على المساعدة.

وربت على ظهرها لتومئ لي باسمة ثم تخرج من الغرفة، وحين نظرت إلى الشاشة التقت عيناي بعيني نيكس البنيتين الداكنتين فقلت له:

– شكراً لك أيضاً يا نيكس... سأتصل بك حين أحتاج إلى المساعدة في القتال.

فأومأ لي نيكس برأسه ثم أطفأ الشاشة.

جلست على بساط يوغا وتنفست بعمق... أ ن 2 يحلق بفولات ويبدو أننا نتجه شمالاً بأبطأ سرعة إذ إن فولات ليست طائرة سريعة... قررت التركيز على التحكم بالهواء فأغمضت عينيّ وحاولت استحضار شيء ما... سأستحضر إيزا! لكنني لم أستطع إذ إنني مهما حاولت فإن أكبر غرض استطعت استحضاره مسطرة طولها قدم.

– أيمكنني الانضمام؟

جاء أوكتافيان وجلس بجانبي فحاولت نقل المسطرة لبوصة واحدة ثم قال أوكتافيان:

– هذا جيد نوعاً ما يا بريم.

لم يكن وجهه أحمر من الغضب لكن هناك علامات سوداء تحت عينيه وعينيّ أيضاً.

– ليس جيداً بما يكفي إن كنت أريد إنقاذ كامل عائلتي التي لم أكن أعلم بوجودها قبل بضعة أيام.

– لديك عائلة على الأقل...

التفتّ إليه إذ لم أكن أدرك من قبل مدى استهتاري بمشاعره.

– أنا آسفة يا أوكتافيان... لم أكن أفكر.

– لا بأس بل أنا آسف لأنني غضبت منك قبل قليل... السبب قلة النوم.

– كيف كانوا؟

– كيف كان من؟

– عائلتك... والداك.

حك أنفه إذ إن من الواضح أنني ضربت على الوتر الحساس لديه:

– كان ماما وبابا... كل شيء يمكن اعتباره عادياً.. تقوم بتحضير وجبة الإفطار. أبي يحتسي دائماً القهوة السوداء في الصباح مع ثلاث ملاعق من السكر أما ماما فتعد الإفطار إذ إن فطائرها المحلاة بالتوت هي الأفضل لدرجة أن كل من في البلدة سمع بالفطائر المحلاة التي تعدها ليلاك جوبيتر. كما كانا بارعين في اختراع الأشياء حيث صنعا لنا رجلاً آلياً ليقوم بعمل المربية. أنا وماي كنا دائماً نتشاجر لكن ما إن يرتكب أي منا أمراً سيئاً فإن ماما ترسلنا لتنظيف الأسلحة أو تجبرنا على التدريب مع الدمى في المرأب.

أّذكر ذلك اليوم حين كنت في الخامسة من عمري حيث كانت أمي تبكي لأن جدي هاريسون قد مات فحاولت إسعادها بغناء أغنية كتبتها، وكما قلت لك كنت في الخامسة من عمري فقط... لم أعد أذكر الأغنية لكنني جعلتها تجهش بالبكاء، وحين سألتها عن سبب بكائها بعد أن غنيت الأغنية قالت:

– أنا أبكي لأنني فقدت كوكباً كما أنني أبكي لأنني كسبت نجماً.

حينها لم أفهم ما تعنيه لكنني الآن بعد ثلاثة عشر عاماً أدركت تماماً ما قصدته لكن بعد فوات الأوان.

وسالت بعض الدموع من عينيه:

– في بعض الليالي أفكر أنهما لم يموتا وإنما مختبئان في مكان ما في حمام أو خلف باب ما وكأننا نلعب الغميضة لكن تمر علي بعض الأيام أعي فيها الحقيقة وأستذكر ذلك اليوم وأشعر بألم شديد... الألم مستمر على الدوام... الألم يتزايد أكثر حين أتذكرهما على الدوام كلما رأيتك... أنت تتمتعين بنفس طموح أمي ولديك نفس الابتسامة التي يظهرها أبي لكل من يراه... الزمن يشفي الجراح الملموسة لا الجراح المعنوية التي لا يشفيها سوى الناس.

لم أستطع النوم.

استلقيت مستيقظة بينما ترددت أفكاري في رأسي... يزداد الألم حين أتذكرهم عندما أراك... لم تفارقني كلماته التي بقيت أرددها.

تشاركت غرفة مع كليمنتين التي ظلت تصدر شخيراً عالياً فنهضت من سريري وقررت التوجه إلى غرفة الاتصالات التي تحوي أريكة.

وما إن وصلت إلى هناك أشعلت التلفاز... كانت الساعة السابعة صباحاً أي أنه ينبغي للونا المستقبل أن يكونوا مستيقظين... أدخلت الرمز وضغت زراً على جهاز التحكم عن بعد ليظهر لي وجه دايشا الباسم ثم تلوح لي قائلة:

– صباح الخير آنسة لونا.

– صباح الخير يا دايشا... كيف تسير الأمور مع لونا الثانية هناك؟

– إنها تبلي بلاء حسناً يا آنستي... كل الأمور على ما يرام، فبعد الحفل كل شيء يسير على أحسن وجه.

– هذا خبر ممتاز... هل من أخبار عن إيزا؟

– نعم يا آنسة... لقد تلقينا رسالة من الآنسة إيزا...

– متى؟

– تطلب فيها أن تبقي هنا ولا تبحثي عنها... لقد وصلت الرسالة قبل نصف ساعة يا آنسة لونا.

– هل هناك طريقة لإرسالها إلينا؟

– نعم... ينبغي أن تصل الرسالة خلال بضع ساعات.

– شكراً يا دايشا على المساعدة... احرصي على إيصال حبي وسلامي للونا.

وأطفأت الشاشة... لقد أرسلت إيزا رسالة... بالطبع فعلت... يمكنها نقل الأشياء بأفكارها... في تلك اللحظة دخل أوزبورن الغرفة حاملاً كوباً من القهوة وقطعة كروسان.

– ماذا تفعل في هذا الوقت الباكر؟

– لقد انتهى حلمي.

ورشف القهوة من كوبه، فأشرت إلى قطعة الكروسان وسألته:

– أيمكنني أخذ لقمة من هذه؟

وما إن أومأ لي موافقاً حتى أمسكت بها وحشرتها في فمي.

– بريم؟

– ممم؟

– ألا تظنين أن الأمر غريب؟ أقصد أننا بعد أن كنا رهائن لنوفا العليا الآن نطير عبر العالم سعياً وراء هدف آخر... الآن وقبل أن تنعتيني بالحماقة سأخبرك أنني أكثر شخص يعرف نوفا العليا ولهذا اسمعيني... أتذكرين كيف كانوا يستخدمون أجهزة أندرويد كجنود لهم خلال المعركة التي دمروا فيها ألفا الشمالية؟ حسناً... هم ليس لديهم عدد كبير من أجهزة الأندرويد ويمكنهم التحكم بهذه الأجهزة ببعض التعديلات على الرموز. يمكنني أنا وأنت اختراق نوفا العليا والحصول على الأقراص الصلبة اللازمة لتعطيل الرمز إلا أن المشكلة الوحيدة هي أننا نحتاج إلى دخول المعهد لتنجح خطتي، وإن دخلنا إلى هناك يمكنهم القبض علينا وهذه المرة لن يدعونا نغيب عن أنظارهم... أظن أن نصف سكان ألفا الشمالية الذين تبقوا في المدرج قد أصبحوا في عداد الموتى أو يتم تعذيبهم على يد نوفا العليا... لقد عملت هناك لسنوات وأعرف أن هذه ليست مجرد تخمينات وإنما حقائق... يتم تعذيبهم حتى الموت... أو على الأقل بعضهم.

back to top