احتفاليات الوهم العربي... إلى متى؟!

نشر في 27-12-2018
آخر تحديث 27-12-2018 | 00:20
 عبدالمحسن جمعة لو راجعنا نشرات الأخبار للتلفزيونات الرسمية العربية على مدى الـ40 عاماً الماضية لوجدنا مئات بل آلاف الأخبار عن احتفاليات افتتاح المشاريع الكبرى من مصانع ومزارع وآلاف الهكتارات من الأراضي المستصلحة والمطارات والسدود والمدارس والمستشفيات... إلخ، ورغم كل تلك المشاريع الضخمة مازال قادتنا يهرعون إلى المستشفيات في الخارج عند تعرضهم لأي عارض صحي، وأبناؤهم يدرسون في الجامعات الأجنبية، ومجموع الناتج الاقتصادي العربي مجتمعاً يساوي ناتج دولتين أوروبيتين من الصف الثاني!

كل يوم عندما أتنقل بين محطات التلفزيون العربية، وأشاهد قائداً عربياً يفتتح مشروعاً في احتفالية مليئة بالخطب الرنانة والشعارات المزركشة و"المقص الذهبي" العتيد... أقول له "كان غيرك أشطر"، فالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وزميله بن علي في تونس، ومن قبلهما حافظ الأسد، وغيرهم من الزعماء العرب افتتحوا آلاف المشاريع، لكن مازالت ميزانياتهم تئن من العجز، وشعوبهم تعاني، وفي الدول النفطية مازالت تعتمد على مورد واحد من الدخل، بينما في كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان ودول أوروبا الشرقية أقيمت مشاريع أقل من ذلك بكثير، وعلى مدى سنوات قليلة غيرت واقعها وجعلتها من دول الصف الأول في العالم.

حقيقة إن كل تلك المشاريع العربية والمليارات التي تصرف عليها يهدرها الفساد وحكم الفرد، وغياب تداول السلطة وتجدد الأفكار والرؤى نتيجة غياب المشاركة الشعبية في صنع مستقبلها، وبقاء القرار في يد شخص واحد هو القائد العربي الذي يسوق لشعبه سلعة واحدة هي "الأمن" أو الخراب عن طريق إبراز المثل السوري واليمني، وتقسيم المجتمعات وإطلاق المتطرفين في المجتمعات وتطبيق سياسة "فرق تسد" التي ورثها معظم القادة العرب عن المستعمر الأجنبي، ويطبقونها بكل احتراف ومهارة.

لذا فإن فلكلور احتفاليات المشاريع العربية الكبرى بمعية القائد الملهم والمجدد وكل صفات التفخيم التي ترافقه هي وهم، وتلك المشاريع سيبدد جدواها الفساد والتسلط وحكم الرجل الواحد، وما يصاحبه من ديكور مجالس الشعب والأمة والوطني والنواب والشورى الصورية والدساتير المفرغة من مضمونها، والسلطات التي تنتهي جميعاً في يد القائد الذي يحمل كل الصفات التي أشرنا إليها سابقاً، وكل تلك المشاريع سيكون مآلها ما سبقها من مشاريع لم تطور واقع العرب، ولم تمنحهم الرفاهية والاستقرار والقوة والاحترام بين الأمم، ولن يحدث ذلك حتى يأتي اليوم الذي تحكم فيه هذه الشعوب نفسها وتصنع قراراتها وتحدد مصيرها.

back to top