ازدحام في الطرق... ولا نهاية في الأفق

نشر في 22-12-2018
آخر تحديث 22-12-2018 | 00:09
 د. محمد بن عصّام السبيعي من ضمن أمور يسوغ للمرء الخوض فيها دون أن يكون صاحب اختصاص، هي أن يكون هذا في المحصلة أحد مستخدميها، فالأمور بخواتيمها أو كما يقال. ومن هذه في عالمنا المعاصر هندسة الطرق، سيما حين يتوخى معالجة أسباب ازدحام الطرقات، ذلك الأذى اليومي، الذي يعكر المزاج، ويفسد الهواء ويقضم الأعمار.

ورغم انتفاضة الحكومة حديثا لمعالجة ذلك، كما يبدو من مشاريع تطوير واستحداث شبكات طرق متعددة الأدوار، إلا أني لا أنظر بعين التفاؤل إلى دور يعول على هذه في معالجة تراكم المركبات وشلل الطرق، ففضلا عما تجسده تلك الطرق والجسور المتعالية من تلوث بصري في أماكن هي في الأصل مزدحمة، فالأمر برمته لا يخرج عن سياق حلول لا تلامس أس المشكلة، بل تنشد تحييد أعراضها لبعض وقت، أي كما الهروب إلى الأمام، فمن يوسع في طريق مزدحم، هو في الحقيقة لا يعالج علة الازدحام علاجاً جذرياً أو طويل الأمد، بل هو فحسب يقصر في مسافة تراكم المركبات؛ فبإضافة مسار رابع إلى طريق ثلاثي تقصر مسافة الازدحام إلى ثلاثة أرباعها عما كانت قبلاً، هذا كل ما في الأمر، أما عند مصبات الطرق أو التقاطعات فالاختناق يكون أعظم من ذي قبل، وإذا وضعنا في الحسبان أن إضافة مسار رابع يغري آخرين باستخدام الطريق، فذلك يجعل التوسعة كزيت يكب في أتون.

هذا في رأيي تبسيط للمسألة، ولو أردنا كذلك أن نرد ظاهرة الازدحام في هذا البلد كما في أي طريق في العالم، إلى علتها الأساس فهي تنامي استخدام لمركبات الخاصة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تركز المرور أو كثافته في مساحة أو طرق دون أخرى. فمن ناحية عدد المركبات فالأرقام تشير إلى أكثر من مليونَي مركبة خاصة مرخصة تجوب طرقات الدولة. وهو رقم مرتفع جدا إذا ما احتسب نسبة من عدد السكان البالغ عددهم 4 ملايين، ولعل هناك عاملين رئيسين لهذه العلة: الأول هو تقليد لدى الأسرة الكويتية والشعب في العموم، بضرورة حصول كل فرد أو مواطن على مركبة حالما يبلغ سن استخراج رخصة القيادة، أي الثامنة عشرة، وهو سن منخفض جدا بحسب الخبرة الدولية لاقتناء سيارة، والسبب يعود إلى أن المركبة تأتي هدية من الأبوين. معنى هذا أن ما لا يقل عن 30 ألف مركبة يقذف بها الكويتيون كل عام إلى الطرقات. ولو أضفنا إلى ذلك السائقين في القطاع الأهلي والمنزلي والذين يقدرون على الأقل بـ200 ألف في الوقت الحاضر، ويعتقد أنهم سيرافقون حياة كل أسرة كويتية، يتبدى لنا أن جانباً كبيراً من أس علة الازدحام يعود إلى الأسرة الكويتية ومغالاتها في طبائع الاستهلاك نتيجة ارتفاع المداخيل.

العامل الآخر يتمثل في التركيبة السكانية التي يهيمن عليها الوافدون الذين يشغلون لربما مساحة أكبر من الطرقات، لكن لذلك ما يبرره، فالعمل هو مبرر هجرة هذه الفئة إلى هذا البلد، ونظرا لغياب شبكة النقل الكفؤة والسريعة ومخفضة التكاليف فإن لجوء هؤلاء، ومنهم الحرفيون وذوو المداخيل القليلة، إلى اقتناء مركبة خاصة في حكم تحصيل الحاصل. كما أن المستوى المعيشي المغالي في الراحة للكويتيين ينهض على أكتاف هذه الفئة، لذا لا غرابة أن تتحرك مركبات وتشغل طرقات لمجرد أيصال أبسط الاحتياجات. ومع ذلك فلا بد من التأكيد على سجية هؤلاء، مدفوعين بالطبع بسبب مجيئهم إلى هذه الديار وهو العمل والادخار، في الاستغلال الأمثل لحركة المركبة سواء في استخدامها على نحو جماعي أو التقليل من استعمالها أداة للترويح وإمضاء الوقت.

العلة الأخرى تعود كما قلنا إلى كثافة المرور على الأرض، وهذا يعود إلى أن الأعداد الغفيرة من المركبات تجول في منطقة شديدة الصغر بالنسبة لمساحة الدولة، في مثلث لا تتجاوز مساحته 800 كيلومتر مربع ينبسط بين العاصمة والأحمدي والجهراء، أي ما لا يزيد على 5 في المئة من مساحة الدولة. ولا ريب أن هذا يعود إلى السياسة العمرانية للدولة، التي تبدو لي وللكثيرين غير مفهومة. وهي بهذا قمينة بأن تكون سببا للازدحام على المدى الطويل، وحتى في هذا المثلث لا يعمد إلى نشر المرافق الحكومية الكبرى في أرجاء متباعدة بل تتركز في مساحات محدودة.

ولا يبدو لي أن حلاً ناجعاً، طويل الأمد لازدحام الطرقات ليخرج عن إبطال الأسباب المشار إليها، فوضع شبكة للنقل الجماعي على درجة عالية من الكفاءة، وإقناع الكويتيين بهجر كثير من مسالك الدعة والاستهلاك التي لا يمكن استدامتها على كل حال، وإعمال سياسة عمرانية تراعي التوازن في شغل مساحة الدولة، باقة الحلول هذه تبدو ذات خاتمة أقل كلفة وأكثر وداً للبيئة وارتقاء بجودة الحياة.

back to top