طارق عزيز: السفيرة الأميركية لم تحرض صدام على دخول الكويت

نشر في 20-12-2018
آخر تحديث 20-12-2018 | 00:15
عن الموقف الأردني من احتلال الكويت ذكر طارق عزيز أنه كان ملتبساً، إذ طمع الملك حسين في الموضوع، وتصور أنه سيحصل على أموال كبيرة، لذا اتخذ موقفا مؤيداً، أما بالنسبة للدور المصري فحاول الرئيس حسني مبارك أن يضغط لإيقاف الغزو، ولم يحرض على العمل العسكري نظرا لشعوره بخطورة الموقف.
 خليل علي حيدر لم نُشِر في مقالنا الماضي الذي كُتِب بمناسبة وفاة الرئيس جورج بوش الأب، وتعرضنا فيه للحديث عن بعض تطورات وشخصيات عدوان 1990 على الكويت، إلى مقابلة مهمة مع وزير الخارجية العراقي في نظام صدام بثته "قناة العربية".. قبل أعوام!

جاء في هذه المقابلة، التي نشرتها "القبس" يومي 19 و20 أبريل 2013 ما يلي: وحول الجدل الكبير الذي أثير بعد لقاء صدام حسين مع السفيرة الأميركية في العراق أبريل غلاسبي قبل الغزو بأيام، قال عزيز إن غلاسبي جاءت إلى صدام وخرجت من عنده ولم تتكلم عن شيء، مشدداً - أي طارق عزيز - على أن غلاسبي لم تحرض صدام على دخول الكويت. وأضاف عزيز: "كدبلوماسي لا أستطيع اتهامها بالتحريض، وإنصافاً للتاريخ فإنها لم تفعل ذلك، لقد قالت كلاماً إيجابياً. أما أن يتخذ بوش الأب قراره فهذا أمر آخر، كما أنها - أي السفيرة- لم تحذرنا بل ودعتني وذهبت في إجازة"... وهذا تصريح تاريخي بالغ الأهمية، لكنه لا يخدم غايات المؤمنين بنظرية المؤامرة!

وهذه الشهادة من طارق عزيز تؤيد ما أوردناه عن مقابلته مع الصحافي الأميركي "فيورست في كتابه Sandcastles نيويورك 1994، غير أن هذا لن يغير في اعتقادي موقف "الإعلاميين والمؤرخين" كثيراً في العالم العربي، فأغلبهم يغازل الشارع ويطمع في حب الجمهور لكتبه وكتاباته، بالإضافة إلى حقد كثير من الإعلاميين الآخرين على الغرب والولايات المتحدة، وربما السياسات الخليجية والكويتية، لأسباب مختلفة، فكم هو مشوق ومنطقي للأسف بالنسبة للكثير من القراء في الصحافة والكتب السياسية، تصوير أعظم الأحداث باعتبارها مؤامرات وأشكالاً من التواطؤ، وبخاصة إن كانت بين طرفين، أميركي ضد عربي أو مسلم، إذ لو كانت أميركا قد لجأت إلى أي وسيط دبلوماسي "ياباني" مثلاً أو "تشادي" لما بدت الحكاية مشوقة إلى هذا الحد، ولا يكترث الكثير من الجمهور والشارع العربي بأن صدام حسين، حتى لو كان "مخدوعاً" بل حتى مخدراً طوال هذه الفترة، لكان عليه كرئيس دولة أن يسترد وعيه ويتخذ قراراً حاسماً بالتراجع، وكان يمكن أن "يخرج" مثل هذا القرار في رداء قومي مبهر يضاعف شعبيته في عمان وتونس والجزائر، وحتى في باكستان وإندونيسيا! كبطل سلام وزعيم حريص على سلامة العرب والمسلمين وإنقاذهم من المهلكة الوشيكة!

وجاء فيما نشرته القبس عن المقابلة: "وعن قرار احتلال الكويت قال: لم يكن رأيي احتلال الكويت، وعبرت عن ذلك في اجتماع القيادة، وقلت لصدام إن احتلال الكويت سيؤدي إلى الحرب مع أميركا".

وأضاف طارق عزيز: "هذا كلامي يوم 18 يوليو 1980، خطأ مطبعي والصواب 1990"، وقال: "أعرف كسياسي أن العراق لا يستطيع محاربة أميركا وسيفشل وسيحتل، لكن قرار صدام كان اجتهاداً ولم يكن عن قناعة".

ووصف عزيز حالة صدام في تلك الأوقات بقوله: "أنا أعرف أن صدام في الأيام التي سبقت احتلال الكويت كان مصمماً على العمل الذي قام به، أعتقد أنه كان مريضاً بدنياً أو نفسياً في الفترة التي اتخذ فيها قرار احتلال الكويت.. حينما يتخذ رئيس دولة قراراً كهذا بالطريقة التي اتخذه بها فمعناه أن حالته غير طبيعية، بالنسبة لي كنت أؤدي واجبي، وينبغي علي أن أدافع عن موقف العراق"... وهذا اعتراف آخر بالغ الوضوح والأهمية!

ثم أضاف عزيز: "أنا كعراقي لا أحترم الكويت ولا أحبها، فالكويت عراقية، وكل زعماء العراق طالبوا بها، فيصل الأول وغازي وقاسم ولغاية صدام، ثم كرر عزيز كلامه: "الكويت عراقية استردها العراقيون، ولكن أميركا أعادتها إليهم".

وهذه نظرة بليغة إلى ما فعلته أميركا من أجل الكويت وشعبها، ورد مفحم على من يعتبر أن الغزو قد وقع بتحريض وتخطيط من السفيرة غلاسبي أو البنتاغون! والآن كيف كان ينظر طارق عزيز إلى الأجواء داخل القيادة البعثية العراقية والحرب مع أميركا على وشك أن تشتعل؟

ورد في المقابلة ما يلي: "صدام كان لازم يصبر ويتحمل - بسبب انخفاض أسعار البترول - لأن العراق ليس البلد الوحيد الذي تضرر، فكل الدول المنتجة للنفط تضررت، أما أن يقوم العراق بهذا التصرف ويحتل الكويت ويؤدي ذلك إلى الحرب مع أميركا فهذا أمر غير صحيح".

كان الوضع، كما يرى عزيز، بحاجة إلى تحرك سياسي لا عسكري!

يقول طارق عزيز: "كان لابد من جهد دبلوماسي، ولكن صدام اتخذ القرار وكان مريضاً".

وماذا عن الآخرين ممن كانوا حوله؟

قال عزيز: "مع الأسف عدد من القياديين كانوا انتهازيين، الوحيد الذي سكت في الاجتماع كان عزت الدوري، ولم يحرضه على احتلال الكويت".

اعترف عزيز في المقابلة بأن ما قام به في لقائه بجنيف مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر لم يكن عن قناعة، بل تنفيذاً لأوامر صدام. وقال: "أنا كوزير خارجية ملزم أن أطبق سياسة الدولة".

وعن الموقف الأردني، قال إنه كان ملتبساً، وأضاف: "الملك حسين طمع في الموضوع، وتصور أنه سيحصل على أموال كبيرة، لذا اتخذ موقفا مؤيداً لصدام، ولا أقدر أن أقول نعم أو لا بشأن أنه حرض على الحرب ضد الكويت. أستطيع القول إنه كان راغباً في نجاح صدام. والرجل الآن ميت، ولكنه وقف لمصلحة العراق، أما بالنسبة للدور المصري فالرئيس حسني مبارك حاول أن يضغط باتجاه إيقاف الغزو، ولم يحرض على العمل العسكري لكونه يشعر بخطورة الموقف، ولكنه لم يقل شيئاً بأنه مع أو ضد موضوع دخول الكويت".

وأضاف عزيز: "الشعوب العربية كلها تريد احتلال الكويت، لأن العرب لا يحبون الكويت، كأمة عربية كانوا ضد الكويت".

وهذا تلخيص "دقيق" للموقف في الشارع العربي في صيف 1990 وشتاء 1991!

ونفى عزيز أن صدام كان يقود البلد بشكل انفرادي، وقال عن صدام "إنه غير ميال للزعامة، ولم يكن يتمنى أن يكون رئيساً"، ورأى أن طريقة صدام في الحكم كانت تحتاج إلى تعديل. "صدام غلط غلطة كبيرة في الكويت، لم يكن ضعيفاً، الآخرون كانوا ضعفاء، وابتلي صدام بحسين كامل، إنه سرطان داخل النظام الى عام 1995".

وعن سر عودة "كامل" إلى العراق بعد هروبه إلى الأردن، قال عزيز: "هناك سر عائلي لا أعرفه، صدام كان يحب حسين كامل، وفسح له المجال كوزير للتصنيع الحربي".

وعن علاقات صدام النسائية، قال إنه سمع بها في السجن، وأضاف: "يبدو أن علاقات صدام النسائية صحيحة، لأنه كان محروماً كيتيم، وبعدها صارت لديه خيارات لم تكن متاحة". وقال إن صدام كان يستمع لمن يتمتع بثقافة واسعة، وقال: "بحكم كوني مثقفاً كان يسمع مني"، واعتبر عزيز أن صدام كان طموحاً مولعاً بالزعامة.

وعن حرب إسقاط النظام بعد سنوات قال عزيز: "حينما بدأت الحرب سنة 2003 شعرت أننا سننتهي لأن القوة التي واجهتنا كبيرة. صدام قاتل وبعد السقوط قاتل إلى أن اعتقل وجميع من تخلى عنه بقي موالياً له". كشف عزيز، في المقابلة، أنه "أقرب إلى الإسلام منه إلى المسيحية"، وقال كذلك: "لم أكن مسيحياً متديناً في يوم ما".

back to top