حماقة الدمع لا تغتفر!

نشر في 20-12-2018
آخر تحديث 20-12-2018 | 00:04
 مسفر الدوسري هل تغسل الدموع أحزاننا أم تضاعفها؟! هل هي نتيجة اللوعة أم سببها؟! هل هي الخطوة الأولى من رحلة الألف ميل في طريق الوجع، أم الخطوات العشر الأخيرة لإغلاق فم الآه؟! هذا النبع الدافئ والمتدفق من الأحداق، هل يطفئ حرائق القلب أم يزيدها اشتعالاً؟! لماذا تأتي قوافل الدمع محمَّلة بصناديق الذكريات وحقائب اللحظات المنسية مهما صغرت وتبعثرت محتوياتها أمام أعيننا لتزيد قلوبنا عطباً؟! هل الدمع هو الذي تنطبق عليه مواصفات مَن نسميه بالصديق عند الضيق، كونه رفيقا لا يفارقنا لحظة في الشدائد، ولا يتركنا لخلوة أنفسنا طرفة عين، حتى لا يلتهمنا الحزن في غفلة، أم أنه رسول الأسى وشيطانه المخلص المكلف بألا يترك أجفاننا تجف في المصائب، حتى لا يختطفنا النسيان، فنبقى بعيدا عن متناول براثنه؟!

كنت وحتى الأمس القريب أعتقد أن الدمع ماء طهور للجوى، وترياق شافٍ للألم، وكنت حين أحرص على أن تبقى مغاليق قلبي محكمة الإغلاق أستبشر خيراً حين يتشكل بين الجفون سحاب من الملح، وأعرف أن مزنه كفيل بتكوين الصدأ على مفتاح القلب فيصعب فتحه، وبذلك يتولى الماء الذي يتقن فن المراوغة دفة الحديث نيابة عنه، ويكثر التأويل بلا يقين، ويفتح باب الاحتمالات بلا أكيد قاطع. كنت وحتى الأمس القريب أحسب أنه أفضل من يجيد تزوير الأسرار، وأحسن من يهرب الخفايا من باب خلفي تحت ستر هزيم من المطر، وأنه أذكى من يهتك ستر العين، ليغطي عورة القلب، وأكثر من يجيد صنع شماعات لهطوله واختلاق إعذار لنزوله، مرة بحجة شعرة سقطت من الهدب فاستقرت بحضن العين، ومرة بسبب الدخان، أو حبة رمل، أو خدش من أظفر الإصبع بالخطأ، أو أسباب أخرى عديدة يستطيع الدمع ابتكارها إن شاء عدم البوح بما يخبئ في سريرته وما يخفي في نفسه.

اليوم تيقنت من جهلي، وعرفت أن الدمع لا يكون دائما بهذه الحنكة، ولا يتمتع في كل الأحيان بالدهاء المستحب، وأنه قد يرتكب حماقات موجعة، ويفضح سرا بثرثرته حرصت على أن يبقى طي الكتمان، ويفتح جرحاً جهدت على أن يبقى طي الرتق، وعرفت أن الدمع قد لا يكون الصديق الوفي الذي يسامرك الحزن في الخفاء بعيدا عن أعين الفضوليين المتجولين حول جرحك، وعاذليك المتصيدين في نزف دمك. ومن الجائز أيضاً أن يكون الدمع هو المسوّق الحصري لآهتك، والراعي الرسمي لها، وعلمت أن الدمع غالباً ما يكون بهذا السلوك البائس حين الفقْد، لكن ليس أي فقْد، فقْدٌ يشعرك بأنه يأخذ ما تبقى من العمر معه، حينها لا يصبح الدمع حجاباً للأسرار، بل يصبح هو فضيحتك الكبرى التي تنشر عريك، وهو من يعرض ثياب أنينك في مزاد علني. إن حماقة الدمع لا تغتفر!

back to top